الأسباب الحقيقية وراء خشية الغرب الصناديق السيادية الخليجية
أعلن في الولايات المتحدة عن تحالف رجال أعمال أمريكيين في 22/4/2008 أسموه (ربط الاستثمارات الأجنبية بالأمن الوطني) تأييدا لقانون أصدره الرئيس الأمريكي بوش قبله بيوم واحد وهذا التحالف يشمل مؤسسات اقتصادية رئيسة مثل الغرفة التجارية الأمريكية، ومنظمة الاستثمار الدولية ومنبر الخدمات الاقتصادية و(بزنيس رواند تيبل) الذي يجمع رؤساء ومديري شركات أمريكية كبيرة.
ويتضمن بيان التحالف (قدم القانون الجديد إرشادات لطرق مراقبة الاستثمارات الأجنبية، ولصلة ذلك بالأمن الوطني، والتي كانت تحتاج لإعادة نظر).
وسبق أن أصدر الكونجرس في عام 2007 قانونا لدراسة تأثير أي استثمار أجنبي على الأمن الأمريكي وذلك بعد ضجة شراء شركة (موانئ دبي) لشركة بريطانية تدير موانئ أمريكية رئيسة.
أي أن القانون أصبح يلزم رئيس الاستخبارات الوطنية الموافقة على أي استثمار أجنبي وأن تعطي عناية خاصة لاستثمارات الطرق والموانئ والمنشئات التحتية والطاقة وكذلك لاستثمارات الشركات التي تملكها حكومات (أي وضع قيود على صناديق الثروة السيادية الخليجية خصوصا للحد من تنميتها).
والإشارة خاصة إلى التخوف من الفوائض البترولية في دول الخليج والتي تقدر إيراداتها هذا العام تصل إلى 980 مليار دولار رغم أن خسارتها تصل إلى 90 مليار دولار جراء هبوط الدولار أمام العملات الرئيسية في حين أن موجودات بنك (يو بي اس) لوحده تبلغ ألفي مليار دولار أي أكثر من ضعفي إيرادات دول مجلس التعاون. لكن ما تتخوفه أمريكا من أن مؤسسات استثمارية ومالية في الخليج اشترت خلال الشهور القليلة الماضية ما جملته أكثر من 30 مليار دولار من أسهم بنوك أمريكية رئيسة مثل (سيتي غروب) ومجموعة (ميريل لنش). واستثمرت في عام 2006 من بين 176 مليار دولار من فائض الحساب الجاري في دول مجلس التعاون يقدر بين عشرة و15 مليار دولار ذهبت إلى بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وذهب مبلغ مماثل إلى آسيا في حين استثمر 150 مليار دولار في أسواق الأوراق المالية الغربية، وأصبحت أوروبا مقصدا مهما لمحفظة الاستثمارات المباشرة من دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا أنه في عام 2007 تجاوزت الرسملة السوقية المجتمعة لأسواق الأسهم الأوروبية (بما في ذلك أوروبا الشرقية وروسيا) الرسملة الأمريكية للمرة الأولى منذ عام 1914 لكن السندات المحلية في الولايات المتحدة أكبر بثلاثة أضعاف تقريبا من سوق السندات الدولية المتكتلة.
ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة عن إجمالي المبالغ التي تديرها صناديق الثروة السيادية لكن بنك (مورجان ستانلي) يقدر حجم الأصول التي تديرها صناديق الثروة السيادية بنحو ثلاثة تريليونات دولار أي ما يعادل نصف احتياطي العالم من العملة وتقدر أصول الصناديق السيادية في الخليج إلى تريليونا ونصف التريليون دولار فقط.
وتقدر مؤسسة (إنترناشونال فاينانشيال سيرفيس لندن) IFSL أن الموجودات التي تتم إدارتها في هذه الصناديق سترتفع إلى خمسة تريليونات دولار بحلول عام 2010 وعشرة تريليونات دولار بحلول عام 2015.
والغرب يرحب بنا في شراء منتجاته المتنوعة خصوصا الأسلحة والمعدات الثقيلة والاستمرار في إيداع الفوائض المالية في بنوكه وفي الوقت نفسه لا يريدنا شركاء معه في الصناعات الاستراتيجية والصناعات المالية.
لذلك فهو يخشى من تفوق الصناديق السيادية وسيطرتها في منافسة الشركات المتعددة الجنسيات.
إذا أصبح يخشى عولمة التجارة التي دعا لها وبدا يراجع تخلي الشركات عن هويتها القومية أو هويتها المزدوجة أي خشية الغرب من اتجاه الصناديق السيادية نحو عصر من الأسواق العالمية والشركات العالمية لأنها ستكون ضربة للأعمال عبر الحدود والخشية كذلك من قدرة الصناديق السيادية على تفكيك عملية اندماجات تمت بعد سنوات مليئة بالمتاعب.
ويمكن للصناديق السيادية أن تسيطر على التصنيع ذي الطابع الدولي مما يوجد ردات فعل حمائية عنيفة، خصوصا وأن العالم متجها نحو ركود دولي فإنه لا سبيل أمام الضغوط الحمائية والتي قد تصبح أقوى من ذي قبل لأن أنصار الحمائية يعتبرون أن الفكرة القائلة إن الأعمال هي أداة التعاون الدولي هي فكرة لها جذور ضحلة رغم تحذير الكثيرين من خطر الحمائية الجديدة أمثال هوزية مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية.
فوضع ضوابط خاصة بصناديق الثروة السيادية يمكن ان تستبدل بشروط مطلوبة من أجل الإدارة المحترفة للموجودات المالية المملوكة لجهات عامة بدلا من التشكيك في قدرة الموجودات المالية للصناديق السيادية التي يمكن أن تدار بعوامل ومكونات غير اقتصادية تنعكس على كفاءة أسواق المال العالمية وتخصيص المخاطر والموارد، بينما متطلبات الشفافية يجب أن تكون عامة في أسواق رأس المال بدلا من قصرها فقط على الصناديق السيادية الخليجية وإظهارها بصورة الوحوش المرعبة في حين أن الغرب استغلها وأظهر لها موقف الصديق عند الحاجة حينما يواجه صعوبات أو يحتاج إلى دعم مالي.
الخلاصة أن الغرب لا يريد منافسا جديدا لشركاته العابرة للقارات أو المتعددة الجنسيات التي أصبحت أقوى من الدول القومية بما فيها دولة كفرنسا فهناك مائتا شركة كبرى تتحكم في اقتصاد العالم أو قسم كبير منه ومعظمها أمريكية وأوربية وتمتلك 53 تريليون دولار من إجمالي أصول 100 تريليون دولار في العالم.
فظاهرة الصناديق السيادية ليست جديدة بل يعود أقدمها إلى عام 1953 ولكن بعدما بدأت دول الخليج تتجه وبقوة نحو استثمار فوائضها المالية نتيجة ارتفاع أسعار البترول عبر صناديق سيادية بدلا من إيداعها في البنوك الغربية بدأ الغرب ينزعج من تلك الخطوة الجريئة ويضع أمامها القيود.
لابد أن تبحث دول مجلس التعاون عن بدائل أخرى لاستثمار فوائضها المالية في أنحاء متفرقة من العالم.