البحث عن التحديات والفرص
لقاء روما الذي ضم منتجي ومستهلكي النفط في العالم الأسبوع الماضي لم يشكل أكثر من إضافة إلى حالة حوار الطرشان المستمر بين الطرفين منذ سنوات ودون تحقيق تفاهم يذكر على أرض الواقع بما يمكن ترجمته في شكل خطوات عملية.
لكن في الوقت الذي قارب فيه سعر البرميل 120 دولارا الأسبوع الماضي، ومع القناعة أن حالة العرض والطلب تظل متوازنة، فإن الحاجة إلى إجابات حول الأسئلة التي يفرضها واقع السوق تظل مطروحة بإلحاح.
المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي خطف الأضواء في اللقاء، لا بسبب الثقل الذي تتمتع به بلاده فقط كملجأ أخير للصناعة النفطية: احتياطيا وإنتاجا وتصديرا وطاقة إنتاجية فائضة فقط، بل لما طرحه من رؤية حول إشكاليات الصناعة النفطية وركز فيها على ضعف وغياب الاستثمارات المطلوبة في كامل سلسلة الصناعة من فوهة البئر إلى المستهلك عبر الاستكشاف والإنتاج والتكرير.
قيمة حديث النعيمي تكمن في أنها تأتي مدعومة بما أنجزته السعودية على أرض الواقع من ضخ نحو 50 مليار دولار لرفع الطاقة الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل يوميا في العام المقبل. وتزامن انعقاد ملتقى روما مع الإعلان عن بدء تشغيل حقل الخرسانية وإضافة نصف مليون برميل يوميا، وأن العمل في التوسعة الإنتاجية للشيبة على الطريق وكذلك في حقلي منيفا وخريص. وللعلم فهذه الخطة بتفاصيلها كانت مثار اهتمام واشنطن قبل بضع سنوات إبان زيارة لولي العهد وقتها الأمير عبد الله بن عبد العزيز للرئيس جورج بوش في مزرعته في كرافورد (تكساس).
ويبدو لافتا للنظر أنه في الوقت الذي يقوم أكبر منتج بما عليه، وبكل ما يتطلبه ذلك من أعباء مالية، مثل الحفاظ على طاقة إنتاجية فائضة تقارب المليوني برميل يوميا يمكن للعالم الاستناد إليها حال حدوث أي نقص في الإمدادات، إلا أن أكبر مستهلك والقوة العظمى الوحيدة في العالم تبدو مرتبكة وحائرة لا تدري ما تفعل غير تكرار الأحاديث والطلب إلى المنتجين خاصة الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" أن تقوم بضخ المزيد من الإمدادات.
فهناك الجانب المتعلق بنمط الحياة الأمريكية القائم على الاستهلاك المفرط، وتتطلب إما تغييرا في هذا النوع من الاستهلاك وإما السعي إلى تلبيته بمختلف الوسائل، وهو ما يفتح الباب دائما للحديث حول الحساسية التي تلف بهذا الجانب من الناحية الأمنية لدولة عظمى.
سنوات بوش التي تجاوزت سبعا سيدا للبيت الأبيض انشغلت بالهم النفطي من يومها الأول، لكنها حتى الآن لم تحقق اختراقا يذكر، رغم أنها بدأت باتجاه معاكس لما استقر في الوعي الأمريكي بقضايا الطاقة، إذ أخذت تركز على تأمين المزيد من الإمدادات، بدلا من مفهوم الترشيد الذي كان سائدا من قبل.
لكن ليس من العدل التركيز على الولايات المتحدة فقط وإخفاقاتها، فالمسؤولية تطول الجميع من مستهلكين ومنتجين آخرين ومن الشركات النفطية التي تمثل الضلع الثالث الذي يستقيم به أمر الصناعة بسبب تاريخها وانتشارها حول العالم وقدرتها على توفير إضافة ما في جانبي توفير التقنية والاستثمارات اللازمة.
من العبارات التي أصبحت رائجة كيفية تحويل التحديات والمتاعب إلى فرص. وضع الصناعة النفطية الحالي يمر بالعديد من التحديات، ويكفي أن يأتي على رأسها عدم القدرة على وجود رؤية واضحة حول ما يجري بالنسبة إلى سعر البرميل، ويتبع ذلك غياب قراءة لما يمكن أن تكون عليه الأمور في المستقبل، خاصة والصناعة بطبيعتها تتطلب نظرة مستقبلية بعيدة الأمد للوقت الطويل الذي يستغرق في تنفيذ المشاريع، سواء في جانب إضافة للطاقة الإنتاجية أو في جانب الصناعة النهائية مثل التكرير.
لكن أين الفرص التي سيتم تحديدها لاقتناصها؟ الصعوبة تتمثل في أن النفط ليس سلعة عادية يمكن تطبيق قوانين السوق عليها مثل أي سلعة أخرى، وهو ما يبدو بصورة واضحة أن قوانين العرض والطلب ليست هي العامل الأساس في تحركات سعر البرميل هذه الأيام. فالبعد الاستراتيجي فيها يضعها في مناخ ومرتبة مختلفين عما هو معهود. ويضاف إلى هذا إلى أن الوضع السياسي والاستراتيجي العالمي في حالة انتقال وتغير. فالولايات المتحدة كقوة عظمى تجد نفسها محدودة القدرة في التأثير في مجريات الأمور في العالم، رغم أن الوضع العالمي يسير في اتجاه المفاهيم الأمريكية المستقرة من حرية السوق والتوجهات الديمقراطية بصورة أو أخرى.
في هذا الإطار ينبغي النظر إلى الفرص المنتظرة من خلال مختلف المشاريع وسيلة للتأثير في المستقبل الخاص بالصناعة، وهو تأثير سيمتد إلى العلاقات الدولية بصورة أو بأخرى وبما يساعد أو يعيق من التحولات البنيوية التي تجري في العالم.