المكسيك تسعى إلى تطوير صناعتها النفطية بتغيير القانون

المكسيك تسعى إلى تطوير صناعتها النفطية بتغيير القانون

رغم أن الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون أرسل مطلع الشهر الحالي إلى الكونجرس مشروع قانون لإعادة تنظيم سيطرة الشركة الوطنية النفطية على الصناعة في بلاده، إلا أن هذه الخطوة المحددة لا تعتبر في واقع الأمر مدخلا لفتح الأبواب وتحرير الصناعة النفطية بشكل كامل وتقليل سيطرة شركة النفط الوطنية "بيمكس"، علما أن المكسيك تعتبر ثالث مصدر للنفط إلى السوق الأمريكية، لكن إنتاجها أصبح يشهد تراجعا في الآونة الأخيرة وبأكثر من 10 في المائة ومنذ بلوغه القمة في 2004. فالشركة فشلت في توفير الاستثمارات اللازمة لتحديث ورفع كفاءة المرافق اللازمة من خطوط الأنابيب وعمليات التخزين وغيرها، التي شهدت كلها تدهورا خلال الأعوام الماضية. ولا يعتقد أن مواد القانون الجديد ستساعد على تغيير الصورة رغم أنها تعتبر خطوات ولو صغيرة في الاتجاه السليم.
ويحظى المشروع بمعارضة من مجموعة مؤثرة من النواب ذوي الميول اليسارية التي تعزف على الوتر التاريخي لسيطرة الحكومة على الصناعة النفطية. ويرى البعض أن قيام تحالف بين "بيمكس" وشركة النفط الوطنية البرازيلية "بتروبراس" يمكن أن يفتح الباب خاصة والبرازيل تنحو منحى يساريا تحت قيادة رئيسها لويز أناسيو لولا، ما يسهل على المعارضين قبول فكرة الشراكة مع شركات أجنبية من ناحية المبدأ ويفتح الباب مستقبلا أم شركاء آخرين.
فإذا تمت إجازة القانون فسيسمح للشركات الخاصة ببناء وتشغيل المصافي وإدارة المخازن والمرافق المماثلة من الناحية الخدمية، لكن لن يسمح لها بالعمل في الأستشكاف والإنتاج في شركات مشتركة. وحتى المصافي الخاصة ستشتري النفط الخام من بيمكس وتبيع البنزين لها وفق أسعار محددة. ويهدف القانون إلى تحرير القانون من البيروقراطية الحكومية في وزارة المالية وبيمكس، كما سيسمح للشركة الاحتفاظ بأي أرباح عالية، لكن يظل الأشكال الرئيس كيف يمكن توفير الأموال اللازمة للاستثمارات.
معظم الاحتياطيات النفطية المكسيكية توجد في قاع البحر وتحتاج إلى تقنية عالية تتوافر في الغالب لدى الشركات الأجنبية التي يمكنها الحفر على عمق أكثر من أكثر من ألف ياردة.

تعتبر المكسيك سادس أكبر منتج للنفط في العالم والثاني في النصف الغربي من الكرة الأرضية بعد الولايات المتحدة. وللمكسيك احتياطي يصل إلى 12.4 مليار برميل ومعظمه من النوع الثقيل، ويمكن تصنيفه عبر مقياس معهد البترول الأمريكي أنه في حدود 25 درجة. والإنتاج يراوح في حدود 3.7 مليون برميل يوميا قبل عامين، وتراجع العام الماضي إلى 3.5 مليون وهذا العام سيبلغ 3.3 مليون كما يقدر له. ويعود التراجع إلى التدهور الذي ألم بحقل كانتاريل، وهو من أكبر الحقول في العالمية. وكما قامت بسبب هذا التراجع فإن نسبة الإنتاج إلى الاحتياطي التي كانت في حدود 20 عاما قبل خمس سنوات تراجعت الآن إلى عشر سنوات فقط.
ومعروف عن المكسيك أنها أول دولة تقوم بتأميم صناعتها النفطية وذلك في العام 1938 بإنشاء "بيمكس" الشركة الوطنية مشغلا وحيدا في الصناعة. وللشركة أربع مجالات عمل: التنقيب والإنتاج، الغاز والبتروكيماويات الأساسية، البتروكيماويات النهائية، ومجال التكرير.
وتواجه "بيمكس" بعض المتاعب في إدارة القطاع لأنها تقوم بتوفير العائدات المالية للحكومة، التي تقوم بإجازة ميزانيتها السنوية لها، الأمر الذي يؤثر في استقلالية الشركة في اتخاذ القرارات التي تراها من الناحية المهنية، وهو ما أسهم في تحميل الشركة لديون كبيرة شكلت عائقا أمام نشاطها. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي وافق الكونجرس المكسيكي على بعض الإجراءات الإصلاحية بما في ذلك خفض حجم الضرائب التي يمكن استخلاصها من "بيمكس"، الأمر الذي يوفر لها بضع مليارات من الدولارات.
يتركز معظم إنتاج النفط المكسيكي في خليج كامبيشي في الجانب الجنوبي الشرقي من خليج المكسيك، وهذه المنطقة تقوم بإنتاج نحو 80 في المائة من إنتاج المكسيك. وهناك أيضا أحواض مغمورة في الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد. وبسبب تركز الإنتاج في هذا الخليج فإن أي عواصف تؤثر في الإنتاج.
ويعد حقل كانتاريل من أكبر الحقول في العالم وينتج 1.8 مليون برميل يوميا، أو 55 في المائة من الإنتاج المكسيكي العام. بدأ الحقل إنتاجه في 1979، لكنه اتجه في الفترة الأخيرة إلى الانحدار، فقد تراجع إنتاج هذا الحقل بأكثر من 13 في المائة عام 2006، ثم 15 في المائة العام الماضي. واتجهت "بيمكس" إلى اعتماد خطط لإيقاف هذا الانحدار بحقن الحقل والآبار بالنتروجين للاحتفاظ بالضغط عاليا. ونجحت الخطة في البداية برفع حجم الإنتاج في 2004 بضعف ما كان عليه في 1995، لكنه عاد إلى التدهور مرة أخرى ومتراجعا من 2.41 مليون حققها من قبل.
ومعظم النفط المكسيكي من نوع "مايا" الثقيل، وتصل درجته إلى 22 وفق مقياس معهد البترول الأمريكي ومحتواه الكبريتي يراوح بين 3.4 و4.0 في المائة، ويشكل هذا الخام ثلثي الإنتاج، لكن توجد أيضا أنواع خفيفة أشهرها "أسموث" ويقارب النفط العربي الخفيف السعودي، إلى جانب "أولميكا" بدرجة 39 وفق مقياس معهد البترول الأمريكي. ومعظم النفط الخفيف يستهلك داخليا، بينما يتجه الثقيل إلى الأسواق الخارجية خاصة الأمريكية، حيث المصافي مهيأة لتكرير هذا النوع، هذا إلى جانب القرب الجغرافي.
ويقول رييس هيرولس المدير التنفيذي لـ "بيمكس"، وهو وزير سابق للنفط، إن شركة النفط الوطنية تحتاج إلى ما بين ثمانية إلى عشرة مليارات دولار في العام للحفاظ على معدلات الإنتاج مرتفعة من خلال تطوير العمل في حقول جديدة، توسيع شبكة التكرير وتحديث مرافق التخزين والنقل، لكن الوضع القانوني لا يسمح بدخول رساميل خاصة يمكن استغلالها في تمويل هذه العمليات، وهو ما يسعى القانون الجديد إلى معالجته ولو على استحياء.
العامل الآخر في المتاعب يتمثل في كبر حجم الضرائب التي تدفعها "بيمكس" للحكومة وتصل إلى قرابة 80 في المائة من دخلها، وهو ما يمثل نحو 40 في المائة من إيرادات الميزانية الفيدرالية.
وبسبب هذه المكانة المهمة لعائدات النفط على الموازنة العامة والخوف من التأثيرات السلبية لأي تراجع فيها، فقد طرح الرئيس المكسيكي خطة لقفل الثغرات التي تسمح بالتهرب الضريبي. فالضرائب تشكل بالنسبة للمكسيك ما يقل عن 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يقل كثيرا عن المتوسط السائد في دول أمريكا اللاتينية وهو 16 في المائة، كما يقل عن المتوسط السائد في الدول المتقدمة وهو 24 في المائة. وتهدف الخطة إلى رفع النسبة الموجودة حاليا بنحو ثلاث نقاط أخرى على الأقل، وذلك أملا في التعويض عن تراجع الإنتاج النفطي. لكن المراقبين للمشهد المكسيكي يرون أن أحداث اختراق حقيقي يتطلب تحديث الصناعة النفطية بما يستدعي فتحها أمام الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب الإصلاح الضريبي وقانون العمل وذلك كحزمة متكاملة.
لكن حتى هذه الخطوة فقد جذبت اهتمام الشركات الأجنبية، فكلا من شركتي "رويال داتش شل" و"توتال" عبّرتا عن متابعتهما لما يجري. المدير التنفيذي لتوتال كريستوف دي مارجري قال إنهم ينظرون إلى أي تغييرات قانونية في دولة منتجة باهتمام فائق. على أن مالكولم برنديد رئيس قسم الاستكشاف والإنتاج في شركة شل أوضح بجلاء أنه رغم أن التعديلات المطروحة لا تسمح للشركات الأجنبية بالوصول إلى الاحتياطيات، إلا أن ذلك قد لا يكون عائقا، لأن "شل" كما قال مهتمة بالأرباح أكثر من اهتمامها بالوصول إلى الاحتياطيات، ومشيرا في الوقت ذاته إلى خبرة "شل" في العمل في منطقة خليج المكسيك.
كذلك فإن "بيمكس" تقوم بإدارة خطوط الإنتاج التي تربط مناطق الإنتاج والتصدير بالمرافق اللازمة، وتتكون من 453 خطا تمتد على مدى 2900 ميل وتركيز وجود هذه الخطوط في الجنوب، وكلها داخلية ليست لها ارتباطات بالتصدير إلى خارج البلاد، وهو ما يتم عبر الناقلات من ثلاثة مرافق تصدير من الجنوب.
الاستهلاك المحلي يبلغ نحو مليوني برميل يوميا ويتم تلبيته عبر شبكة المصافي الداخلية التي يصل عددها إلى ست مصاف تعمل بطاقة 1.68 مليون برميل يوميا، أكبرها في سالينا كروز وتقوم بتكرير 330 ألف برميل يوميا. وبما أن ذلك لا يغطي الحاجة الفعلية، فإن المكسيك تعد مستوردا صافيا للمنتجات المكررة.
وإلى جانب النفط الخام، فللمكسيك احتياطي من الغاز يبلغ 14.6 تريليون قدم مكعب، وأكبر الاحتياطيات في الجزء الجنوبي من البلاد، لكن هناك توقعات أن الجزء الشمالي سيصعد في الأهمية خاصة والاحتياطيات المؤكدة والمحتملة الموجودة في الجنوب بدأت تضمحل. وبلغ إنتاج المكسيك من الغاز 1.71 تريليون قدم مكعب، لكن استهلاكها يقارب تريليوني قدم.

الأكثر قراءة