بأمانه يا أمانة "العيد عيدين" ولكن أين مشاركة الجهات الأخرى؟
مظاهر "العيد عيدين" هذا العام ليست مفاجأة لنا فهي عيدية من أمانة منطقة الرياض تعودنا عليها. ومجهودات تستحق الشكر للقائمين عليها وبتوجيهات من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان أمير منطقة الرياض ونائبه وسمو أمين المنطقة. برنامج حافل وفعاليات منسقة ومجدولة وموزعة على جميع الأحياء في المدينة، ولجميع الفئات والأعمار، ولكن مجهودات هذا العام فاقت التوقعات وبزخم كبير من الفعاليات، وحققت نجاحاً فاق الوصف، والمؤشر على مدى هذا النجاح هو مدى الإقبال على تلك الفعاليات والازدحامات حول تلك المواقع، وهذا ما يدعوني للتفكير في مدى تفاعل الجهات الحكومية والخاصة في المشاركة في تخفيف الضغط على تلك الاحتفالات عن طريق تبنيها لاحتفالات خاصة بمنسوبيهم، بدلاً من احتفالات المعايدة التي أراها ممجوجة وفي غير موقعها، فهي احتفالات تأتي بعد إجازة العيد وانتهاء العيد ونسيانه ودون فعاليات أو أي مجهود يذكر أو فعاليات تدخل البهجة في الصدور فقط شاي وقهوة والتعب على (الفراشين والقهوجية). وهي أشبه بالمأتم وتأتي في الصباح الباكر لدرجة أن بعض الموظفين يرون أنها مبتذله ومجاملة ثقيلة ويعتقدون أن المسؤول يقترحها أو يدعوهم فقط للتحضير أو التأكد من مباشرة الموظفين وعدم تأخرهم. بالطبع بعض المسؤولين ليس لديه قدرات إدارية أخرى للتأكد من حضورهم.
ومع أن فعاليات العيد كان فيها رعاة من القطاع العام والخاص ولكنها محدودة وقليلة ولم يتعد دورها في الأمن والإسعاف وتنسيق المرور أو الدعاية. وتحتاج إلى إعادة النظر في مدى مشاركة أو غياب الجهات الحكومية التي يجب أن تدلي بدلوها. غياب ملحوظ لجميع الوزارات وأهمها في هذا المجال وزارة الثقافة والإعلام ووزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية وأم السعودة وزارة العمل، ووزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني والصحة. ثم مؤسسات شبه حكومية مثل التقاعد والتأمينات والتحلية والهيئة العامة للاستثمار. هذه الجهات معظمها لديها منشآت وخدمات ووسائل وأندية وقاعات ومدرجات كبيرة كان يجب أن تفتحها أيام الأعياد على الأقل لمنسوبيها. وأن تضع لها برامج وفعاليات احتفالية لمنسوبيها وعوائلهم. وبذلك تخفف الضغط على الفعاليات الأخرى. وجميع تلك الوزارات لديها قدرات ومواهب من موظفيها قد تكون احتفالات الأعياد فرصة تشجع على اكتشاف تلك المواهب الوطنية لتشجيعها وصقلها.
لقد أصبحت احتفالات العيدين ظاهرة حضارية يجب أن تستمر وأن تكون هناك هيئة تحتويها لتكون نواة استثمارية واعدة. فالفعاليات التي صاحبت المهرجانات بتنوعها من مسرحيات وفرق شعبية وألعاب شعبية ودولية يجب أن تحتويها الجهات الحكومية والإعلامية والثقافية لتتبناها وتطور تلك الأعمال وتصقل فنانيها.
احتفالات العيد هي مشروع حضاري وحضري. فهي إضافة إلى هدفها الأساسي وهو إدخال الفرحة في قلوب المواطنين إلا أنها تتعدى ذلك لتكون ظاهرة اقتصادية اجتماعية سياسية تزخر بالكثير من الإيجابيات وأهمها:
1- الحد من سفر المواطنين لخارج الوطن وهروب تلك الأموال للخارج لتدور في الوطن.
2- فرصة للتلاحم الاجتماعي والتعارف بين أبناء الوطن وتحقيق للمبدأ الإسلامي "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
3- فرصة لإبراز بعض المواهب الفنية والأدبية والرياضية واكتشاف الجيد منها لتطويره.
4- إرث حضاري تتناقله الأجيال على مر السنين لمسيرة التلاحم الاجتماعي والحضاري.
5- فرصة للعائلات التي لا تستطيع السفر أن تجد في تلك البرامج الترفيهية ما يغنيها عن ذلك.
6- تخفيف الضغط الهائل والمعهود على المطارات وخطوط الطيران والمنافذ البرية والبحرية.
7- ظاهرة إعلامية وعلمية وثقافية وتوعية توجيهية.
8- فرص عمل للشباب ومكاسب كبيرة للتجار وفرصة للكسب الشريف من الأعمال اليدوية والحرف المحلية.
9- يمكن تطويرها لتكون شركة مساهمة وطنية استثمارية.
10- فرصة للحضور الإعلامي لمعظم الوزارات الثقافية والإعلامية والإسلامية. ووقت مناسب لبث سياساتها للمواطنين والشباب.
11- متنفس للشباب يجمعهم على الخير بدلاً من التسكع.
12- تجميع وتوفير اقتصادي من جراء جمع المواطنين في تجمعات يمكن تلبية فعالياتها في وقت واحد وبتكلفة أقل.
13- هذه التجمعات فرصة لجمع المعلومات والأبحاث واستطلاعات الرأي لمجريات الأمور أو لبعض السلع التجارية وترويجها.
كما لا يفوتني أن أذكر بقية الوزارات بأن لها دورا مطلوبا وحضورا وتشجيعا لهذه الفعاليات مثل وزارة الخارجية والخدمة المدنية والبترول والعمل والنقل وغيرها. وأن هذه المناسبات فرصتها للوصول إلى المواطنين كدعاية لها أو لبث سياساتها وكتيباتها الإعلامية.
كما أنها فرصة لرجال الأعمال للبحث في إمكانية الاستفادة من بعض المواهب الفنية لتبنيها في أعمال فنية ومسرحيات ومسلسلات تلفزيونية يكون لها عائد مجز للجميع وتوفير فرص عمل للمواطنين. إضافة إلى دورها كوسيلة إعلانية جيدة.
عسى أن نرى هذه الفعاليات تستمر لتتعدى مناسبات الأعياد ولتكون بداية لاحتفالات ومسرحيات في نهاية كل أسبوع وأن تكون بداية الطريق لظهور العمل المسرحي السعودي وفق عاداتنا وتقاليدنا لتكون سجلاً ومحفلاً تتوارثه الأجيال. فالتجربة أثبتت أننا كمواطنين سعوديين يمكن أن نجتمع في تلك المحافل ودون أن تحدث لنا أية مشكلات شغب أو معاكسات أو فساد اجتماعي. وأن الاحتفالات مع العامة هي أكثر محافظة من اجتماعاتنا أفراداً في منازلنا. فعلى الأقل يخشى الفرد أن يقوم بأي تصرف غير لائق أمام أعين الناس والمجتمع في تلك التجمعات. بينما لو كانت تلك المحافل منعزلة في البيوت فإنها قد تكون أكثر عرضة للانحراف.