فقه الحقوق

فقه الحقوق

الحقوق كلمة ذات دلالة بالغة الصدق في ترتيب العلاقات وتأكيد لزومها، وهذا المعنى يجب أن يوصل بفقه شرعي لمعرفة صفات الحقوق وأحكامها، وإذا نظرت مثلا شائعا في أحكام الأولاد وما لهم من النفقة الواجبة وأحكام العطية ونحو ذلك التي جاءت جملتها في قول الله: ?يوصيكم الله في أولادكم?، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم). جاء ذلك في قصة النعمان مع أبيه، وهذا المثل في علاقة الأب بأولاده وصفات العلاقات في الحقوق مخلتفة، مما يستلزم أن يوجد فقه مناسب حسب درجات الإدراك عند الخاصة والعامة، وإذا كان فوات كثير من الحقوق بين الناس سبببه الاستطالة والعدوان، فقدر من الفوات سببه الجهل والظن الغلط، وهذا يوجب أن ترسم أحكام الحقوق وتكون مقاما من المعارف البسيطة التي تدار في خطب الجمعة ومناهج التعليم وغيرها، حتى يوجد تصور مبكر لدى الجيل الناشئ لقيمة الحقوق وأحكامها متصل بالأحكام النظرية لتراتيب الحقوق مع فقه في أحكام المآلات وإثم تضييع الحقوق التي أوجب الله حفظها.
وأنت ترى أن الشارع عليه الصلاة والسلام ذكر جملة من أحكام الوعيد في العدوان على الحقوق، ومن مثال ذلك ما جاء في حديث أبي أمامة الحارثي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة)، فقال رجل: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: (وإن كان قضيباً من أراك). أخرجه مسلم وغيره.
والنفوس الفاضلة ترى حفظ الحقوق وتوقيرها فضيلة في النفس، وتستعمل مقام الصدق في النظر إليها، ومن آتاه الله هذا المقام فقد أوتي خيراً كثيراً، إلا أن بعض النفوس الآدمية على حال من الكدر وسقط التربية ونقص الإيمان، لا يقع فيها هذا المقام من الفضيلة، بل عندها ممانعة وفرط في تجاوز الحقوق، فيكون تأديبها بدلائل الوعيد من الأثر المناسب، وإن كانت دلائل الوعيد لها أثر مناسب بحسب أحوال النفوس، فالفاضل منها يجتمع عندها مقام المحبة والخوف، والنفوس البالغة السقط ليست على الحالين، وعن هذا جاء قول عثمان رضي الله عنه: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). فهذا نقص في النفوس التي لم تتأدب بمثل قول الله: ?إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا?. والله الهادي.

الأكثر قراءة