هل حجب المريض لإصابته بمرض معدٍ قضية اجتماعية أم صحية؟
بين الواجب نظاما والواجب أخلاقيا ومهنيا يتخوف كثير من مقدمي الخدمات الطبية وعلى الأخص الفئات الثلاث: الطبيب والممرض والقابلة من العمل في بيئة تنقصها الجودة واكتمال إجراءات العمل المثالي. يتركز التخوف في احتمال الإصابة بمرض معد خطير يكون مصدره مريض لم يعرف أنه مصاب به أو لم يكترث أو يعبأ بأهمية إشعار المباشرين لحالته بوضعه الصحي أو تعمد عدم الإشعار لأسباب شخصية. لقد أصبحت هذه القضية تشغل بال كثير من هذه الفئات فعدم إفصاح المريض بإصابته بمرض معد مثل أمراض الكبد Hepatitis A, B, C أو مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدزAids /" يعتبر مرضا في حد ذاته ولابد من الوقوف بحزم لعلاجه لأن تأثيره طال أثمن الكوادر الصحية المتعاملين مع سوائل ودم المريض بشكل مباشر ودائم ويؤثر في قابليتهم واستمرارهم في تقديم الخدمة في هذه الأقسام ما لم يتم إعادة تنظيم العمل والاهتمام بتطبيق الإجراءات اللازمة كما يفترض. أن عدم وجود إمكانات لعمل التحاليل أو قلة الكفاءات القادرة على القيام بذلك أو عدم كفاية الوقت لإتمام مثل هذه الإجراءات أو ضعف التجهيزات لتنظيم تبادل المعلومات بين المرافق الصحية، لن تكون أسبابا مقبولة ومقنعة لاستمرار الوضع على ما هو عليه, كما أن ثقافة التأمين على الكادر الصحي مازالت في بداياتها بحيث إن البعض لا يعرف الإيجابيات بعد. الآن المشكلة تخطت قصور التحليلات ونقل المعلومات إلى بساطة فكر المريض بطلبه من الكادر الطبي إخفاء الخبر أو نتيجة الفحوص المخبرية وجعل ذلك "أمانة في رقابهم" بإخفاء الخبر!. في الواقع لولا تحلي الممارسين الصحيين كافة بوازع ديني يجعلهم يقدمون أمانة العمل وأخلاقيات المهنة على أي اعتبار آخر لحماية المرضى أنفسهم قبل حمايتهم الشخصية لكان الوضع مختلفا اليوم.
هذا الموضوع في هذا الوقت لابد أن يناقش وتكثف فيه الدراسات بشكل إيجابي أكثر حيث بداية نحن في حاجة للوقوف على أهم محاوره وهي عديدة: فالممرضة أو الطبيبة التي وخزت نفسها خطأً بإبرة ملوثة بدم يحتوي على نواقل المرض أو القابلة التي تباشر ولادة أم حاملة لأي من الأمراض الكبدية الخطيرة ولم يذكر في سجلها الطبي معلومة عن إصابتها بالمرض تعني أن هناك أخطاء تعليمية ومهنية بين تطبيقية وتوعوية. ضعف تجهيز المرافق الصحية لعمل التحاليل اللازمة أو خلل تطبيق الإجراءات المفترض تطبيقها قبل التعامل المباشر مع المريض حتى ولو كان محولا من المناطق الطرفية يعني وجود خطأ إداري في مرحلة من المراحل. من ناحية سلوكيات المرضى فالجهل بفظاعة الأمر وتأثيراته المختلفة يعني وجود أخطاء اجتماعية وأخلاقية. إن نتائج الدراسات والأبحاث التي غطت هذا الموضوع كثيرة جدا وتثبت أن حصر الحالات بأنواعها المختلفة وتحليلها للإفادة منها ووضع الحلول على الأصعدة كافة وتبنيها انعكس إيجابا على حجم المشكلة الذي انحسر في كثير من الدول, فهل حدد حجمها لدينا وأبرزت كمشكلة ونفذت إجراءات تصحيحية وتم قياس مدى الاستجابة والتحسن؟. أما من الناحية التشريعية فكثير من الدول وضعت قوانين للتعامل مع هذه الحالات لوقف تنامي نسبتها وحماية الأفراد من إيذاء أنفسهم أو الغير حيث يحكم في بعض الدول على كل من أخفى إصابته بمرض معد وتسبب في إيذاء أحد مقدمي الخدمة له بعقوبة تصل إلى السجن ولسنوات طويلة جدا أحيانا. فهل نحن في طريقنا لتنظيم هذا الوضع بمت يتناسب وطريقة حياتنا؟, وهل يوجد لدينا برنامج صحي توعوي متكامل يشمل حفظ حقوق هذه الفئات ويحدد مسؤوليات كل طرف على حدة؟.
اعتقد أن أهم الجوانب التي تستدعي الاهتمام بها الآن هي: (1) إجراء التحاليل المخبرية اللازمة على ألا تتم مباشرة أي مريض في غرف العمليات أو أكشاك الولادة إلا بعد اكتمالها وتسجيلها في ملف المريض, (2) تحديث سجل المريض الطبي وتمكين كل مباشر لحالته الاطلاع عليه قبل القيام بواجبه, إضافة إلى ذلك تحسين كفاءة نقل البيانات كافة بين المرافق الصحية, (3) تركيز الدورات والبرامج التوعوية على أكثر الممارسين عرضة لذلك مع متابعة أدائهم المهني أسبوعيا، (4) سرعة التعامل نفسيا مع المصابين أثناء أداء المهنة من مقدمي الخدمة, (5) تحديد حجم المسؤولية تجاه عدم الإفصاح عن الإصابة سواء كان ممارسا أم مريضا أم مرفقا صحيا بأكمله. في هذا الشأن قد تهتم جهات مثل مجلس الخدمات الصحية والهيئة السعودية للتخصصات الصحية واللجان الطبية الشرعية بالمبادرة أولا بنشر ثقافة "البحث عن مساعدة ودعم وتعزيز لأطراف القضية وتحسين الأداء المهني لا نقد وتوبيخ وفرض جزاءات", فالممارس قد يكون ملما بكل ما يجب القيام به ولكن هناك ظروف عملية جعلته يقع في الخطأ وهي معروفة. ثم من بعد ذلك يتم التأكد من تأمين أماكن منفصلة لأداء أعمال المكتبية والسريرية والمعملية لهذه الفئات عن أماكن استراحاتهم أو مواقع سحب الدم. ولا ننسى متابعة الطلاب خلال فترة التدريب المكثف Internship حيث عادة ما تكون هذه الفترة من اخطر مراحل التعليم الصحي أو الطبي المتخصص وهناك أبحاث غطت هذه الجزئية أيضا. وأخيرا هناك شبكة طبية متخصصة تسمى SafeHands تعنى بحماية أو رعاية الممارسين أو العاملين في المجال الصحي من الإصابة بالأمراض المعدية نتيجة اختلاطهم بالمرضى. قد نتعلم الكثير من إنجازاتها لنحافظ على أثمن المهنيين لدينا حيث نؤسس مثلا لجمعية تعنى بتطبيق معايير مكافحة العدوى المنقولة عبر الدم وسوائل الجسم الأخرى وتركز بالذات على أداء الممارسين الصحيين وحمايتهم من وهن التجهيزات أو ضعف السياسات والإجراءات المطبقة في المرافق الصحية التي يعملون فيها. والله المستعان.