ماذا بعد خطة الإنقاذ الأمريكية؟

[email protected]

أقر مجلس النواب الأمريكي يوم الجمعة الماضي خطة "الإنقاذ المالي"، التي تتضمن تقديم 700 مليار دولار لإنقاذ القطاع المصرفي الأمريكي، وذلك بعد أشهر من بدء الأزمة المالية الأمريكية التي عصفت بجميع التوقعات المستقبلية للشركات وأثرت في ميزان القوى الاقتصادية العالمية، وأثبتت فعليا أن العالم مرتبط ماليا بشكل كبير، مما يجعل انتقال الآثار الجانبية للخلل في أكبر اقتصاد في العالم حتميا.
وكذلك فإن الأزمة فتحت الباب أمام الفرضية القائلة بنهاية السيطرة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وهو ما تغنى به الرئيس الروسي الأسبوع الماضي تعليقا على الأزمة عندما ذكر الحاجة إلى نظام اقتصادي مالي جديد أكثر عدلا يقوم على تعدد الأقطاب وسيادة القانون والأخذ بالمصالح المتبادلة، معتبرا أن ما سماه عهد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية قد ولّى.
وخلال الأسابيع الماضية تصاعدت الأزمة المالية الأمريكية بداية من إفلاس بنك ليمان براذرز، وقيام بنك أوف أمريكا بالاستحواذ على بنك ماريل لنش، و(تأميم) شركتي "فني ماي" و"فريدي ماك" عملاقا الرهن، وتدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي بدعم شركة إيه. آي. جي بمبلغ 85 مليار دولار، والأنباء عن بيع شركة واشنطن متشيوال إلى "جي. بي. مورجان"، وصولا إلى استحواذ مصرف ويلز فارغو الأمريكي على مصرف واكوفيا.
وغداة إعلان خطة الإنقاذ، تم إعلان خبر عن انخفاض الوظائف بأكبر وتيرة منذ خمس سنوات ونصف السنة خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، إذ بلغ الانخفاض 159 ألف وظيفة في القطاعات غير الزراعية، مع انكماش سوق العمل للشهر التاسع على التوالي. والكثير الكثير من الأخبار السيئة التي أضافت الكثير من الضغط على صناع القرار الأمريكي. من وجهة نظري أن التخويف من المستقبل هو السبب في تغيير وجهة نظر المعارضين للخطة داخل الكونجرس.
وبالنظر إلى العناوين العريضة لخطة الإنقاذ، فإن هناك علامات استفهام كثيرة تجعل التفاؤل بنجاح تلك الخطة رهنا بالمتغيرات المستقبلية، وأهمها إيجاد حلول أخرى متوازية مع خطة الإنقاذ، خصوصا أن الأسواق الأمريكية استوعبت فرحة الإنقاذ وبدأت بالتفكير المنطقي، وهو ما يفسره انخفاض السوق بعد الإعلان عن إقرار الخطة.
ووفقا للخطة المعدلة، فإنّه سيتمّ تخصيص مبلغ 250 مليار دولار فورا لشراء الديون المعدومة من البنوك، وهنا تبرز مخاطرة جديدة قد تعصف بكل جهود الإنقاذ، فالهدف من هذا التحرك هو ضخ سيولة حقيقية فيها تساعدها على استعادة موقع ائتماني أفضل.
والمخاطرة هي إن لم تقم هذه الخطوة بما هو مطلوب من إعادة للثقة بشكل يجعل عجلة الاقتراض والعمليات الائتمانية تدور بشكل طبيعي، فالمبالغ ستضخ مباشرة في البنوك بهدف شراء الديون السابقة وإعادة جدولتها على شكل سندات حكومية، وهذا لن يحل أصل المشكلة، وهو عدم قدرة أصحاب المنازل والقروض على سداد الديون المستقبلية، وهذا بالتحديد هو ما خلق المشكلة من الأساس، لذلك فإن ضخ المبالغ الملية بشكل مباشر في النظام المالي قد يكون أجدى من شراء الديون المعدومة لبنوك تسببت أصلا بهذه الأزمة.
وبذلك قد لا تستطيع الخطة الحكومية الأمريكية السيطرة على الأزمة على المدى الطويل من خلال خطة الـ 700 مليار دولار، لأن الخطة تعمل على تهدئة مؤقتة للمخاوف وإيقاف كرة الثلج قدر المستطاع إلى حين إيجاد مخارج أكثر عملية لإعادة الثقة والتوازن.
وإن لم يحدث هذا فإن الأزمة ستعود مرة أخرى خلال الأشهر المقبلة بشكل أقوى وأكبر، لأن أصل المشكلة مازال موجودا، فنقص السيولة الاقراضية وغياب الثقة البينية بين البنوك من جهة، وبين البنوك والمقترضين من جهة أخرى، سيقللان من الدورة الاقتصادية، ومن ثم سيكون الركود الاقتصادي الأمريكي أمرا واقعيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي