اليوم الوطني: هل أحسنا الاحتفاء بذكراه؟!
صادف مرور ذكرى اليوم الوطني هذا العام 1 الميزان الموافق 23 أيلول (سبتمبر) خلال العطلة الصيفية للمدارس والجامعات، خلال شهر رمضان، ولذلك كان الاحتفال به خافتا وسلبيا في بعض مظاهره، حين عبر الشباب بأسلوبهم الخاص عن هذه الذكرى في مظاهر احتفالية ومسيرات في الشوارع، امتزج فيها الفرح بالعبث، والتنظيم بالفوضى، عندما لم يجد الشباب غير السيارات يستخدمونها وسيلة للتعبير، بعد أن غيروا ألوانها بألوان العلم، وأضفوا عليها مظاهر لجلب الانتباه ولفت الأنظار، وصاحب ذلك حركات وممارسات تجاوز بعضها الحد المألوف إلى تقييد حركة الناس، وتعطيل انتقالهم إلى مصالحهم، وتوقف الحركة في أهم شوارع العاصمة، وربما في المدن الأخرى، حيث قضى الناس معظم الليل، ذلك اليوم في سياراتهم ..!
رغم أن المرور بذل جهدا مشاهدا في حجز السيارات المطلية بالألوان، واحتجاز أصحابها، واعتبارهم مخالفين لنظام المرور إلا أن تأثير ذلك في فك الاختناقات وفتح الطرق لمرور الناس كان محدودا وربما أحدث من الآثار السلبية أكثر مما أحدث من الإيجابية لانعكاسه على نفسيات المحتفلين الذين صدمتهم المفاجأة واغتالت الفرح في نفوسهم، ولنا أن نتصور حالة شاب متعقّل أخذ يعد للأمر عدته ويضفي على سيارته مظهرا مؤقتا استوحاه من علم بلاده ثم يفاجأ باصطياده في أول طريق يسلكه، ما شعوره هو وأمثاله، وقد استجابوا لنداءات وسائل الإعلام الرسمية وغيرها للاحتفال وإعلان الفرح بالمناسبة؟ ولم يجدوا من يوجههم إلى غير الشوارع مكانا للاحتفال؟ وما شعور الناس الذين قضوا معظم ليلهم محتجزين في سياراتهم جراء الفوضى التي عمت الشوارع؟ المشكلة أن المناسبة حلت والمدارس والجامعات معطلة، والنوادي مغلقة والملاعب مقفلة ولم تقم أي جهة بالإعلان عن تنظيم أي فعالية أو احتفالية تمتص حماس الشباب .. حتى العرضة ضنّوا بها عليهم!
والمشكلة الأخرى أن المرور لم ينبه قبل المناسبة إلى ما يجوز وما لا يجوز من مظاهر الاحتفال في الشوارع ولذلك لم يجد الشباب أمامهم غير الشوارع يعبرون فيها عن فرحهم باعتبارها المكان الوحيد الذي وجدوه مفتوحا أمامهم، لكن فرحتهم لم تتم حين أخذ الصالح بذنب الطالح واختلط الحابل بالنابل في مظاهر لم يشاهد مثلها في السنوات الماضية أساءت إلى الذكرى العزيزة لليوم الوطني.
والحقيقة أن هناك عدة وقفات تفترضها المناسبة تحسن قراءتها والتمعن فيها لعلنا نهتدي إلى الطريق الصواب لإحياء المناسبة مستقبلا:
الوقفة الأولى: إلى متى ونحن نتجاهل هل التسمية الصحيحة كما هي في دول العالم كافة (العيد الوطني) بما فيها الدول العربية والإسلامية والمجاورة. هل نعدهم مخالفين للشرع بهذه التسمية؟ ونحن الوحيدون على صواب؟ وإلى متى والجهات المسؤولة عن الشباب تتحرج وتتعامل مع المناسبة على استحياء خوفا من الوقوع في المحظور الذي لا وجود له أصلا؟ نعم في السنة عيدان إسلاميان خلدهما الدين والتاريخ وهذا عيد مختلف عيد وطني لمناسبة وطنية عزيزة ليس له دخل في العيدين الآخرين ولا يتشابه معهما في شيء ولا ترتكب فيه محرمات، أما الفرح فهو مشروع حتى في العيدين الآخرين.
ألم نكن نحظر تعطيل المدارس والأعمال فيه إلى ما قبل ثلاث سنوات ونعد ذلك (حراما)؟! إلى أن صحونا على الواقع وأبحنا العطلة فيه ولم يحدث مكروه بعد أن أدركنا ما ارتكبناه من خطأ في حق الوطن وأبنائه بعد إشعارهم ببهجة العيد في الماضي، فهلا نصحو على بقية الواقع ونسميه باسمه الصحيح حتى لا يطول اجترارنا للوهم؟!
الوقفة الثانية: كان يفترض من المرور أن ينبه الناس قبل المناسبة إلى ما يجوز وما لا يجوز من مظاهر الاحتفال في الشوارع مما له علاقة به حتى يكون الناس على بينة أما أن يباغتهم بالاصطياد فهو اغتيال للفرح في النفوس ناهيك عن تأثيره السلبي العكسي في المناسبة، وكان يمكن أن يوجه المرور المحتفلين في سياراتهم إلى شوارع معينة يحددها سلفا يتم فيها الاستعراض بإشراف المرور كأن تتقدم مواكبهم دورية وتسير خلفها أخرى للإشراف والمحافظة على النظام لأن ما حصل من تدفق الشباب في الشوارع للاحتفال هو أمر كان من المفترض أن يتوقعه المرور في ظل إقفال كل الأبواب في وجوههم.
الوقفة الثالثة: الكل يجمع على إنكار الحركات والتصرفات المنافية للآداب والسلوك العام التي تحدث من البعض في ذلك اليوم وتتنافى مع حرمته وهيبته وسمو قدره وعمق معانيه، لكن الكل يتساءل أين تأثير التربية والتعليم خاصة وكل المحتفلين من الشباب هم طلاب مدارس أو خريجوها؟ ماذا فعلت مادة التربية الوطنية التي صار لنا عقود نلقّنها للطلبة كمادة مستقلة هل آن الأوان لمراجعة مداها وتأثيرها وطرح السؤال الذي كنا قد طرحناه حين إقرارها وهو: هل التربية الوطنية مادة دراسية تصاغ في كتاب أم هي مفهوم ومعنى يمتزج فيه حب الوطن بكل خطوة يخطوها الشاب في طريق نموه؟ يشارك في غرسها وصياغتها في عقله ممارسة وقدوة كل من البيت والمدرسة والمجتمع.
الجواب واضح، خاصة بعد اتضّاح، أو (افتضاح) التجربة، لكننا نتجاهل.
الوقفة الرابعة: حتى وإن جاءت المناسبة خلال عطلة المدارس وخلال شهر رمضان ألا يجوز فتح بعض المدارس والنوادي وتنظيم احتفالات تليق بالمناسبة مثل المهرجانات الخطابية والشعرية والاستعراضية لنماذج من التراث والفنون الشعبية وكل ما يعيد تأصيل الوطنية والتراث وما يرتبط بتراب الوطن؟
الوقفة الخامسة: لو تكلمنا بصراحة لاصطدمنا بسؤال كبير: أين يذهب الشباب بعد أن منعوا من الفرح في يوم الفرح، وسدت أمامهم الأبواب، فلا نوادي يمارسون فيها هواياتهم، ولا مسارح ودور سينما تثقفهم، حتى المراكز التجارية يمنعون من دخولها، إلى أن تحولوا إلى فريسة للكبت والتذمر والضياع، بل والأفكار السوداوية، لا يجدون متنفساً إلا في ممارسة العبث والانتقام من الذات، وربما اللجوء إلى السموم (المخدرات) يبحثون فيها عن مخرج من واقعهم إلى ما هو أشد إيلاماً منه، وتحولت قضيتهم إلى خطر على الوطن، نرى نذره بين ظهرانينا في صور الانفلات والتمرد.
الوقفة الأخيرة: انتبهوا، فاليوم الوطني، أو العيد كما هو في الواقع، سيحل في السنة القادمة خلال عطلة عيد الفطر، أي سيحل والكل نائم أو غائب، وجميع الدور التي يأتي منها وفيها الاحتفال مقفلة، وأصحابها راحلون، وأخشى في ظل وضع كهذا أن لا يكون صدى المناسبة أفضل مما حصل، إن لم نتدارك الأمر، ونبدأ من الآن في التفكير والعمل، حتى يصير العيد عيدين.
والله من وراء القصد