بين فرحة العيد وألم الفراق
كما جرت العادة في كل عام عندما يتم الإعلان عن عيد الفطر المبارك، تبدأ الجوالات بالاهتزاز استقبالا وطربا ومهنئة بالعيد. لكن ليلة عيد هذه السنة ليست ككل سنة, قد تكون الفرحة مضاعفة لملائكة الرحمة استقبالا لشاب نشأ في طاعة الله لكنها كانت ليلة حزينة ليس فقط لمحبيه بل للكائنات التي تسير فوق الأرض وربما تحته, ففقدان الرجال الصالحين مبكية ومحزنة للطير والأشجار, بل لكل الموجودات, فكل ما يسبح لله يبكي حزنا لفقدان من يشاركها تسبيح الله.
في زمان يموج بين من يعرفون بعبدة الشيطان وبين متطرفين مكفرين للمجتمع ينشأ شباب ملتزم الصراط المستقيم. وفي مدينة تعج بين شباب مستغرب متنكر لقيمه وبين شباب متشدد ملغم فكريا ينشأ شباب ملتزم حقيقة دين التسامح والمنهج النبوي الأصيل. مرحلة الشباب من أصعب المراحل التي تمر بالإنسان, بل هي المرحلة المحورية التي تحدد مساره المستقبلي. لذا كان الشاب الذي نشأ في طاعة الله من ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله لخطورة وصعوبة اتباع مسلك الوسط خلالها. بدر بن محمد المحمود ـ رحمه الله ـ نموذج للشاب الذي نشأ وسطيا ومعتدلا. ولعل طلبه العلم الصحيح ساعده على سلك مسار الوسط والاعتدال. فلقد كان ـ رحمه الله ـ طالبا للعلم لدى علماء الأمة المعتبرين, فطلب العلم منذ نعومة أظفاره على يد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله, كما أنه كان طالبا وملازما لسماحة الشيخ عبد الله بن جبرين ـ حفظه الله ـ إلى أن وافته المنية ليلة العيد قادمة بعد أن قضى العشر الأواخر معتكفا في المسجد النبوي الشريف. كان بدر ـ رحمه الله ـ طالبا للعلم متميزا في دراسة الشريعة لذا تم اختياره ملازم قاض لرصانته وعلمه بالشريعة وحكمته.
ليس كل من يطلب العلم يرزق الفهم. فالعلم الشرعي ليس مبنيا فقط على حفظ المتون بل على معرفة مقاصد الشريعة. لذا كان العلماء يقولون ليس العالم من يعرف الحلال والحرام بل العالم الحق من يأخذ بأخف الضررين ويأخذ بأعلى المصلحين عند ضرورة الأخذ بأحدهما. بدر ـ رحمه الله ـ يناقش ويحاور بهدوء بعيد عن التعصب, فالحق هو ما كان يصبو إليه في حواراته.
كتب وسيكتب كثير في مراثي الرجال حزنا على فقدهم, لكن فقدان رسول الأمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ عزاء لكل من فقد عزيزا. بدر ـ رحمه الله ـ شاب فقد الحياة في سن الشباب وفي ذروة نشاطه بسبب حوادث السيارات التي لا تزال تلتهم أحبتنا, لكن ما يخفف مصابنا أن بدر نشأ في كنف عائلة كريمة منتجة ومخرجة لشباب إيجابي مخلص لدينه ووطنه. بدر ـ رحمه الله ـ نموذج لتربية حسنة وبذرة زرعت من أبوين فاضلين. فلأب وأم بندر تعازينا القلبية لفقدان بدر، وإن كنا نعزي أنفسنا حزنا على فقدانه, كما أن لهما الشكر بالمساهمة في علو الهمة بتربية أبنائهم وفق منهجي سوي ووسطي. ولعل ما زرع والدا بدر ـ رحمه الله ـ يحصدانه يوم الدين. فلو أن كل أب وأم أحسنا تربية أبنائهما لنشأ لدينا جيل متميز منتج مخلص لدينه وبلده. تقبل الله بدرا في الصالحين وجمعنا وكل من نحب في جنات النعيم.