استمرار ارتفاع الأسعار يؤكد نهاية عهد النفط الرخيص
في شهادتهم أمام أحدى اللجان الفرعية في مجلس النواب الأمريكي مطلع هذا الشهر، قال مديرو خمس من الشركات النفطية الأمريكية الكبرى إن أرباح شركاتهم التي بلغت مجتمعة العام الماضي 123 مليار دولار ينبغي النظر إليها في إطار كلي وضعا في الاعتبار حجم الاستثمارات الضخمة التي ينبغي ضخها والوقت الطويل الذي تحتاجه المشاريع قبل أن تبدأ العمل، مضيفين أن ما حصلت عليه الصناعة النفطية من مبيعات النفط والغاز يبلغ 8.3 سنت في كل دولار، وهو ما يزيد قليلا عن المتوسط الذي تحصل عليه الشركات المدرجة في مؤشر داو جونز الصناعي.
النائب الديمقراطي إدوارد ماركي وصف هذه التصريحات أنها تناسب التوقيت الذي أطلقت فيه، وهو الأول من نيسان (أبريل)، في إشارة إلى كذبة أبريل.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يستدعى فيها مديرو الشركات في إطار الأسعار المتصاعدة للبرميل والأرباح المتنامية للشركات النفطية. ففي عام 2005 تم استدعاء مديري شركات "إكسون موبيل"، "شيفرون تكساكو"، "كونوكو فيليبس"، "بي. بي"، و"رويال داتش شل" الأمريكية مرتين خلال فترة ستة أشهر.
جون هوفميستر مدير شركة "شل"، قال للنواب إن الأسعار المتصاعدة مرشحة للتراجع بالقدر ذاته. وقتها كان سعر البرميل في حدود 60 دولارا، وعندما مثلوا أمام الكونجرس للمرة الثانية وصل سعر البرميل إلى 75 دولارا، وكان قد استقر فوق 100 دولار مطلع هذا الشهر، وعند استدعائهم للمرة الثالثة، وهو في الأسبوع الماضي، لامس سعر البرميل 115 دولارا، أي أنه يمكن أن يتضاعف بنسبة 100 في المائة في غضون عامين وضعا في الاعتبار أن السعر يمكن أن يقفز بضعة دولارات في يوم تعامل واحد.
ففي مطلع الشهر، وبعد أن لامس سعر البرميل 104 دولارات، اختفت من التحليلات تلك العبارة التي كانت تقول إن سعر البرميل رغم ارتفاعه، إلا أنه لم يصل بعد إلى المرحلة التي كان عليها في ربيع عام 1980 بعد أخذ عنصر التضخم في الحسبان. فسعر البرميل الذي بلغ وقتها 39.50 دولار يعادل بأسعار اليوم 103.76 دولار. ومع تجاوز هذه المحطة، دخلت رحلة أسعار النفط مرحلة جديدة.
هل اختفى السقف الذي يمكن أن يؤثر في سعر البرميل؟ وهل يمكن للمنتجين والمستهلكين الاتفاق على سعر معين يكون مرضيا للطرفين كما تسعى منذ فترة طويلة استراتيجية منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)؟ يقول جاي جاروسو مدير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إنه في وضع مثالي يمكن لسوق تعيش أجواء تنافسية أن يستقر الأمر على سعر معين، لكن في العالم الفعلي قد لا يوجد شيء مثل ذلك.
ومع الإحساس بعدم القدرة على فعل شيء تجاه الأسعار المتصاعدة، طالب المرشحون في الانتخابات الرئاسية بوقف مسعى الإدارة إلى العودة إلى مشروع ملء المخزون الاستراتيجي بإضافة 70 ألف برميل يوميا، علما أن هذا الحجم لا يساوي شيئا مقابل الطلب العالمي وهو في حدود 87.5 مليون برميل يوميا في الوقت الحالي. وكان السيناتور الديمقراطي بايرون دورجان قد طرح اقتراح وقف العمل في ملء المخزون الاستراتيجي.
أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع سعر البرميل، كما يقول جورين فان دير فيير المدير التنفيذي لشركة "شل"، يعود إلى اضمحلال الطاقة الإنتاجية الفائضة التي يمكن أن تمثل صمام أمان بالنسبة للسوق. وتراجع هذه الطاقة يعود بصورة جزئية إلى ارتفاع تكلفة التنقيب والاستخراج، وعدم ثقة المنتجين في بقاء الأسعار مرتفعة، إلى جانب محدودية الفرص بالنسبة للشركات النفطية في الوصول إلى الاحتياطيات المؤكدة كما في دول منطقة الشرق الأوسط أو بحر قزوين، هذا إلى جانب استخدام السلع ومن بينها النفط وسيلة تحوطية مقابل تراجع العملة الأمريكية.
وهناك تقديرات أن متوسط حجم الأموال المستثمرة في الصناديق النفطية تضاعف من 450 مليون دولار في الأسبوع إلى 3.4 مليار منذ أن بدأ مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي خطواته بخفض معدلات الفائدة مطلع هذا العام. وبما أن هذه الصناديق تتعامل مع النفط كوسيلة لتنويع محفظتها الاستثمارية، فإن ارتفاع السعر قد لا يعنيها كثيرا.
وبدأت تبرز قناعة أن 60 دولارا يمكن أن يشكل الأرضية التي سينطلق منها سعر البرميل، خاصة وصناعة النفط منذ بروزها عام 1859 قد شهدت الكثير من التقلبات الحادة، وهو ما أصبح منعكسا على الأسواق المستقبلية، فسعر تسليم أي برميل في المستقبل وحتى عام 2016 لا يقل عن 99 دولارا.
فتحركات الأسعار قد تتجه إلى أعلى ثم تهبط إلى أسفل ثم إلى أعلى مرة أخرى، ليس من الواضح إذا في الوارد حدوث تراجع إلى أقل من 20 دولارا للبرميل كما حدث من قبل خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات. ويقول دانييل يرجن الباحث المعروف في ميدان الطاقة إن محاولة معرفة ما يمكن أن يجري بالنسبة لأسعار النفط يحمل كل مخاطر التنبؤ، خاصة وسعر البرميل نتيجة لما يحدث في ساحة الاقتصاد العالمي والسياسة الأمريكي. وهو لا يستبعد أن ترتفع الأسعار إلى 150 دولارا للبرميل أو تتراجع إلى 40 دولارا، الأمر الذي يمكن أن يضع الشركات في موقف صعب عند تصميم خططها الاستثمارية.
وفي العاشر من هذا الشهر قامت مجموعة سيتي جروب برفع توقعاتها لسعر برميل النفط بنسبة 20 في المائة هذا العام إلى 96 دولارا للبرميل، وكذلك رفع تقديراتها للعام المقبل بنسبة 17 في المائة إلى 88 دولارا للبرميل. المفارقة أن القناعة السائدة أن الاقتصاد الأمريكي الذي يعتبر المستهلك الأكبر للنفط، يتجه إلى مرحلة كساد إن لم يكن قد دخلها بالفعل، ورغم ذلك ترفع الشركات تقديراتها لأسعار النفط، بينما ينبغي أن يكون العكس.
ويقول فان دير فيير إن زمن الحصول على النفط والغاز الرخيصين قد انتهى، الأمر الذي يمكن أن يهيئ المسرح إلى صدمة إمدادات في غضون 10 أو 15 عاما، ومع أن المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي لا يعتقد بوجود إمكانية لأزمة إمدادات، إلا أنه يشير إلى أن سعر تكلفة استخراج البرميل من نفط الرمال الكندي يمكن أن تصبح هي المعيار لوضع أرضية لأسعار النفط، ولن تقل عن 60 دولارا للبرميل.
ومن جانبه، قال مدير شركة توتال الفرنسية كريستوف دي مارجري، إن الأرضية السعرية مرتبطة بالتكلفة لتطوير حقول جديدة، وهي أما في مناطق نائية أو في أجواء مناخية قاسية أو تحت المياه العميقة الأمر الذي يجعل سعر البرميل فوق 70 دولارا.
ويرى بعض المحللين أن الأرضية السعرية التي تعكس تكلفة الاستخراج كانت دائما هناك رغم أنها تتغير بتطورات السوق وأساسياته وظروف المنتجين، لكن السقف يظل دائما مفتوحا ويعتمد على قدرة المنتجين على التواؤم مع حالة الطلب بمرونة.