رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تواضع دور مستثمرنا المؤسسي (2 من 2)

د. محمد بن ناصر الجديد
[email protected]
الفجوة بين نمطي استثمار المستثمر المؤسسي والمستثمر الفردي، ونقص الثقة بالاستثمار المؤسسي، وتواضع الصعيد المعرفي بأنماط الاستثمار المؤسسي المتاحة أمام المستثمرين. جميعها أسباب نظرية لتواضع دور المستثمر المؤسسي في السوق المالية السعودية. تشكل هذه الأسباب النظرية الثلاثة أرضية نقاش لواقع السوق المالية السعودية وتراجعاتها المستمرة.
من الأهمية بمكان النظر في بداية الأمر إلى الفرق بين نسبة الاستثمار الفردي إلى الاستثمار المؤسسي في السوق المالية السعودية حسبما توافينا به "تداول" نهاية كل شهر ميلادي. كانت هذه النسبة تشكل 10 ـ 90 في المائة, ثم بدأت هذه النسبة في التغير لمصلحة المستثمر المؤسسي لمجموعة من الأسباب التي من أهمها السعي نحو الحد من التذبذب السعري للأسهم المدرجة في محاولة لزيادة الفاعلية على المدى القريب، ودعم الأداء على المدى البعيد.
وعلى الرغم من هذه المساعي الجيدة إلا أنه يجب تأكيد أهمية حفظ التوازن بين حجم شريحة المستثمر المؤسسي وحجم شريحة المستثمر الفردي بما يساعد على تحقيق الأهداف الاستثمارية لكلتا الشريحتين.
فجزء كبير من شريحة المستثمر الفردي عبارة عن مخرجات طفرة الأسهم الأخيرة, وهذه الشريحة تنظر إلى السوق المالية على أنها "القناة الاستثمارية"، عوضا عن "قناة استثمارية"، في ظل تواضع نمو قنوات استثمارية بديلة، وغياب لحوكمة المستثمر المؤسسي، وشركات وساطة الأسهم، ومكاتب الاستشارات المالية. وحتى يتحسن التواضع ويظهر الغياب، فإنه يلزم تأكيد أهمية المحافظة على هذه "القناة الاستثمارية" بغية تحقيق الأهداف الاستثمارية لشريحة المستثمر الفردي.
يسهم المستثمر المؤسسي في عديد من المهام, ولعل التركيز على دوره في الحد من تذبذب أسعار الأسهم المدرجة من واقع تجربة سوق وارسو المالية مع المستثمر المؤسسي خلال (1994-2003م) يوضح عديدا من المحاور.
نشرت التجربة في مجلة الأسواق، والمؤسسات والأموال المالية الدولية Journal of International Financial Markets, Institutions & Money تحت عنوان "هل يحد الاستثمار المؤسسي من تذبذب أسعار الأسهم؟ شواهد من سوق مالية ناشئة".
سعت الدراسة إلى اختبار كفاءة الاستثمار المؤسسي في تعزيز أداء الأسواق المالية عن طريق دراسة دور الاستثمار المؤسسي المحلي والأجنبي في بولندا في الحفاظ على مستوى التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة في سوق بولندا المالية.
أجريت الدراسة للتعرف أكثر على انعكاس دور الاستثمار المؤسسي خلال (1994- 2003) على تنافسية سوق بولندا المالية. تزامنت فترة الدراسة مع حدوث تغيرات هيكلية، وظهور تحديات مالية في سوق بولندا المالية.
الجميل في هذه التجربة التشابه الكبير في التطورات الهيكلية لسوق بولندا المالية إبان إجراء الدراسة مع تلك التي تمر بها السوق المالية السعودية. توصلت الدراسة إلى نتيجتين مهمتين شكلتا في مجملهما إجابة شمولية على التساؤلات حول دور الاستثمار المؤسسي في الحد من التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة في السوق المالية، وتفوق دور الاستثمار المؤسسي على الاستثمار الفردي في دعم أداء السوق المالية على المدى البعيد.
النتيجة الأولى أن الاستثمار المؤسسي يسهم في الحد من تذبذب أسعار أسهم الشركات المدرجة في السوق المالية بدرجة تفوق مساهمة الاستثمار الفردي، عطفا على كفاءته في توجيه قدرته الشرائية للتداول حول مستوى القيمة العادلة للأسهم المتداولة.
والنتيجة الأخرى أن الاستثمار المؤسسي يسهم في زيادة فاعلية السوق المالية بدرجة تفوق مساهمة الاستثمار الفردي، عطفا على كفاءته في استثمار الأبحاث والدراسات والمعلومات الاستثمارية اللازمة للتقييم العادل للأسهم المتداولة.
لا يكمن بطبيعة الحال تعميم نتائج الدراسة على جميع الأسواق المالية. حيث تختلف آلية عمل الاستثمار المؤسسي في دول العالم المختلفة, وبالتالي النتائج المستوفاة باختلاف درجة نضوج السوق المالية ذاتها. وتتباين النتائج تباعا بين إيجابية من الجدير محاكاتها وسلبية من الجدير تجنبها.
لعل من التجارب السلبية الجديرة بالاستشهاد تجربة سوق موسكو المالية خلال منتصف التسعينيات الميلادية من الألفية الماضية مع تجاوزات المستثمر المؤسسي. حيث انتشر الفساد الإداري في هيئة السوق المالية الروسية ما مكّن مجموعة كبيرة من شركات الوساطة المالية من السيطرة على صناعة القرار الاقتصادي في هيئة السوق المالية الروسية بما يخدم المصلحة الاقتصادية لشركات الوساطة المالية.
و في ظل تجاهل إرادي من هيئة السوق المالية الروسية، انتشرت التقارير الاستثمارية غير النظامية وغير الأخلاقية وأسهمت في حصول تلك الشركات على ثروات مالية ضخمة على حساب الطبقة الكادحة من عمال المصانع العامة، الذين حملوا سندات التخصيص، وكلهم أمل في تحسن معيشتهم الاقتصادية، فضلا عن الثروة.
يعتمد الاستثمار المؤسسي في قراراته الاستثمارية على الدراسات والإحصاءات التي تقدمها الشركات, إضافة إلى إحصاءات الأسواق التي يستثمر فيها. في حين أن الاستثمار الفردي يعتمد على توجهاته واستثماراته على قرارات ارتجالية إذ لم يكن يعتمد على الشائعة أو المعلومة غير معروفة المصدر.
ومن المفارقات الواضحة أن حجم مشاركة الاستثمار المؤسسي في أسواق المال العالمية يشكل أكثر من 85 في المائة من إجمالي حجم التداول, في حين نجد العكس تماماً في المنطقة العربية, إذ إن المستثمرين الأفراد هم غالبية المتداولين في أسهم الشركات المدرجة.
وهؤلاء على الأرجح يستندون في قراراتهم الاستثمارية إلى معلومات ضئيلة ويتأثرون كثيراً بالشائعات في الوقت الذي يأملون أن تعود عليهم استثماراتهم المتواضعة بأرباح مضاعفة خلال فترة زمنية قصيرة. سبب هذه الفجوة في منطقتنا العربية، والثقة بالاستثمار المؤسسي وأنماطه، وأثر ذلك في الاقتصاد الوطني جميعها محاور جديرة بالمدارسة في وقت تنتظر فيه السوق المالية السعودية دورا أكبر للمستثمر المؤسسي عن الدور الحالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي