فقه الصبر

فقه الصبر

عند القراءة في مثل قول الله تعالى: ?يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا?. وقوله: ?واصبر وما صبرك إلا بالله?. وقوله: ?وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون?، وفي ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)، وقوله: (ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء أوسع من الصبر) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث ترى فيها أمرا وحثا من الشارع للمؤمنين إلى التخلق بمقام الصبر وهو باب واسع متعلق بالعقل والنفس على وجه معروف عند أهل النظر بين هذين المقامين وما يتولد عنهما.
وترى فيها أيضا إشارة إلى أن مقام الصبر مما لم تألف النفوس البشرية عليه بأصل طبيعتها وإنما قدر كبير منه ترق بالنفس إلى مقام الاحتمال وتخليها عن مقام الانفعال الذي يتصل أثره بمقام الإيرادات والأحوال النفسية وبمقام التفكر والمدارك العقلية؛ ولهذا أتى الشارع بألفاظ التصبر والمصابرة التي تدل على نوع ترق بالنفس، وتحول بها عن إلفها المذكور في قوله تعالى: ?خلق الإنسان من عجل?. قال عمر رضي الله عنه: إن أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريما.
وإن من أخص من يقصد إلى تحليهم بهذا الخلق الكريم من له عناية بعلم الشريعة، أو له مقام في توجيه الخلق وإرشادهم، فلا ينبغي أن يساق من هذا قدره إلى ما يعرض لبعض العامة من الخفة وركوب الصعب والذلول في الرأي، بل مقام العالم والعارف بحقوق الشريعة استعمال مورد الاعتبار الذي أمر به الشارع في مقام الأحكام التشريعية التي محلها الأمر والنهي أو في الدلائل الخبرية، وعن هذا جاء قوله تعالى: ?فاعتبروا يا أولي الأبصار ?. وقوله: ?لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب?.
وإذا كان من مقامات الإيمان الرد إلى الله ورسوله في أحكام الشريعة فإنه موصول بحسن الفقه فيهما، وفي الجملة فمن مقامات أهل العلم الصبر في أخذ العلم وفقهه وفي تبليغه وعن هذا جاء الأثر الذي شاع ذكره في كتب كثير من أهل العلم وإن لم يكن معروفا بالصحة: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله). والله الهادي.

الأكثر قراءة