الأحساء ودورها المنشود في الاقتصاد الوطني
في مقال الأسبوع الماضي تناولت قيمة وأهمية تنوع مناطق المملكة في تعزيز وتقوية الاقتصاد الوطني، وكيف أن ذلك يمثل روافد متعددة تسهم في تنوعه، وجذب مواطنين كثر يعملون في المجالات المتعددة التي قد تستحدث بشكل أو بآخر في المنطقة، أو المحافظة التي يوجد فيها الفرد، وقد ضربنا أمثلة على مناطق بعينها، وأشرنا إلى مجال التميز الذي يوجد في هذه المنطقة، أو تلك وفي هذا المقال سأركز الحديث عن محافظة الأحساء، والدور الممكن أن تلعبه هذه المحافظة في الاقتصاد الوطني.
وقد جاءت فكرة هذا المقال بعد زيارة خاطفة للمحافظة قبيل شهر رمضان المبارك، وجاءت هذه الزيارة بعد زيارة سابقة قبل ثلاث عشرة سنة، حيث ذهبت إلى هناك في ذلك الوقت بدعوة من جامعة الملك فيصل لمناقشة رسالة ماجستير مقدمة من طالب في كلية التربية، كما سبق لي زيارة هذه المحافظة قبل ثلاثين سنة، وفي كل زيارة يشكل المرء انطباعاً منبثقاً من الملاحظات التي يرمقها في الشارع، أو في السوق، أو لدى من يتعامل معهم في أي موقع كان.
الزيارة الأولى أسترجع منها المباني الطينية الشامخة المزخرفة ذات الجاذبية، كما أتذكر الممرات، والطرق الضيقة، والحارات شبه المغلقة، كما أتذكر الازدحام، وكثرة الناس في سوق التمر. وحيث إن تلك الزيارة تمت في فصل الصيف فقد احتجنا لشراء ثلج لكن لم يتيسر لنا ذلك داخل المدينة، وذكر لنا معمل للثلج في أحد أطراف المزارع فذهبنا حسب الوصف، لكن صاحب المعمل ذكر لنا أن الثلج كله مباع لأحد شيوخ دول الخليج، ولا يمكنه أن يبيعنا شيئاً من الثلج.
بين هذه الزيارات المتباعدة تشكلت لدي بعض الأفكار المتأثرة بشكل أو بآخر بظروف المحافظة وتكوينها الجغرافي، والسكاني، وبالأخص في زيارتي الأخيرة، وذلك من الملاحظات التي لمستها في السوق المركزي، وفي سوق التمر، وفي الشوارع، وفي البيئة العامة.
تساءلت بعد هذه الزيارة هل يمكن أن تكون محافظة الأحساء مركزاً تجارياً رئيسياً خاصة في مجال المنتجات الزراعية أو ما يمكن أن يطلق عليه الاقتصاد الزراعي كالتمور، والخضراوات، والفواكه، والرز البني الذي تشتهر به المحافظة؟ المحافظة مؤهلة كل التأهيل لهذا الأمر نظراً لخصوبة تربتها، ووفرة مياهها، ووجود العمالة الوطنية ذات الخبرة الجيدة في هذا المجال، رغم أن وفرة المياه لم تعد كما كانت حين كانت العيون، كما أن العمالة الوطنية قد تكون تأثرت بفعل التغيرات الاجتماعية التي أبعدت الكثير عن الأعمال اليدوية، ويضاف لما سبق الرصيد التاريخي، حيث تشتهر الأحساء بأنها ذات إنتاج زراعي وفير، وامتد هذا الإنتاج إلى مناطق المملكة الأخرى وإلى دول مجلس التعاون الخليجي، ليس لوفرة الإنتاج فقط بل لجودة الإنتاج أيضاُ.
لفت انتباهي خلال الزيارة الأخيرة كثرة الإخوة القطريين سواء في الأسواق، أو في الفندق الذي سكنت فيه، أو في الطرقات، ولاحظت رغبة التسوق لديهم حيث يحملون من البضائع الشيء الكثير، وحاولت تلمس أسباب ذلك فوجدت أن قرب المسافة، وجودة المنتجات خاصة التمور، إضافة إلى نسبة التضخم الكبيرة التي تعانيها قطر، كل هذه أسباب وراء هذا التواجد الكثير من الإخوة القطريين.
ومع أن العوامل التي تشجع على المزيد من الزوار لهذه المحافظة تحتاج للعناية، والاهتمام الأكثر من قبل الجهات ذات العلاقة غير متوفرة بالمستوى المطلوب إلا أن متسوقي قطر يلفت الانتباه. وقد لاحظت قلة الشقق المفروشة، وهذا الشيء يعتبر مما يعيق السياح، والمتسوقين خاصة العائلات الذين قد يفضلون الشقق على الفنادق، كما لاحظت أن أعمال الصيانة للشوارع، والأرصفة خاصة منطقة السوق المركزي على قدم وساق، وكم تمنيت لو تمت أعمال الصيانة في الوقت الميت، وليس في وقت ذروة الزوار، حيث موسم التمر، وقبيل رمضان الذي تزيد معه حمى التسوق، وأعتقد أن البلدية تعلم أكثر مني ما الأوقات الأكثر مناسبة لأعمال الصيانة للشوارع على مدار السنة.
كما أن تشجيع قيام أسواق مركزية حديثة قد يكون عامل جذب إضافيا نظراً لحرارة ورطوبة جو المحافظة. الملاحظة التي تألمت لها، ولم أجد لها تفسيراً هي الخمول الواضح في سوق التمر، إذ لم أتوقع أن يكون هذا السوق بهذا المستوى المتواضع، إذ لم أجد من المتسوقين أحدا رغم أن العاملين في السوق من المواطنين، وهذه ملاحظة إيجابية يفترض أن نشجعها.
الصورة التي كنت أحملها في الذهن هي سوق تمور حي يعج بالحركة والمتسوقين، الصورة هي أن أجد سوقاً أقرب ما يكون إلى البورصة لهذا المنتج، لقد حاولت أن ألتمس الأسباب من خلال الحديث مع العاملين في السوق، ومن خلال التحليل الشخصي فلم أجد سوى أن كثرة مصانع التمر في المحافظة أصبحت تلبي طلبات الزبائن أين ما كانوا ودونما حاجة لحضور الزبون للمحافظة لكن هذا التفسير ليس كافياً، لذا لا بد من إعادة النظر في السوق موقعاً، ومبنى، وإدارة، والعمل لتحويله إلى بورصة لا أقول وطنية أو إقليمية للتمر، بل إلى بورصة عالمية يقصدها الناس من كل مكان، كما أن تطوير أساليب التعليب، والعرض قد تسهم بشكل واضح في تشجيع المزيد من الزوار الذين قد يجذبهم سوق التمور.
لو اجتهدنا لتحقيق هذا الهدف، ولذا أقترح على جامعة الملك فيصل ممثلة في كلية الزراعة، وكلية الاقتصاد، والإدارة، إضافة إلى الجهات ذات العلاقة مثل وزارة التجارة، والبلدية إجراء دراسة تستهدف تنشيط هذا السوق، وتحويله من سوق محلي إلى سوق عالمي.
إن قدرتنا على الاستبصار في واقعنا، ومعرفة جوانبه الإيجابية، والسلبية، والعمل على تقوية الإيجابي والقضاء على السلبي منها سيؤدي إلى إيجاد بيئة جذابة متى ما توافرت البنية التحتية التي تشجع على زيارة المحافظة، وهذه تمثل جملة متكاملة من العناصر.
لقد تذكرت وأنا أتجول في أسواق، وشوارع محافظة الأحساء مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حين زار المنطقة الشرقية بعد توليه الحكم، حيث قال إن المنطقة الشرقية لها حق علينا جميعاً، نظراً لأنها مصدر اقتصادي أساسي. فهل نأخذ من هذه العبارة منطلقاً لنا ونكمل ما قد يكون ناقصاً في هذه المحافظة وغيرها من مدن ومحافظات المنطقة الشرقية؟!