لا .. لن يغلق مضيق هرمز
الحديث عن إمكانية قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز في حال تعرضها لهجوم من قبل الولايات المتحدة، وهو الممر الذي يمر من خلاله ما يزيد على 17 مليون برميل من صادرات النفط الخام يوميا، أو ما يمثل 40 في المائة من صادرات النفط العالمية، حديث غير واقعي، ويمثل سيناريو مستبعد الحدوث جدا، وذلك لعوامل عديدة أهمها التالي:
1) إن هناك إمكانية ضعيفة جداً لقيام الولايات المتحدة بشن هجوم على إيران في فترة الرئاسة الحالية للرئيس بوش في ظل التدني الشديد في شعبيته، ما يجعل من المستحيل عليه بناء دعم كاف لمثل هذا العمل العسكري عالي الخطورة في الأيام القلية المتبقية من رئاسته، وسيتوقع الكل منه عدم الإقدام على مثل ذلك، فالأمر ليس ملحا بما يستدعي عدم الصبر حتى تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها خلال أشهر قليلة. والإدارة المقبلة من غير المتوقع مطلقا أن تسعى للمواجهة مع إيران، باعتبار أنها ستكون مشغولة بإغلاق ملفات حروب الولايات المتحدة الحالية التي ما زالت تستنزف الولايات المتحدة مالياً وعسكريا واستراتيجيا، لا أن تورطها في حرب جديدة مهما كانت مبررات ذلك.
2) إنه حتى لو افترضا جدلاً أن الولايات المتحدة قامت بضرب إيران، فإنه من غير المتوقع مطلقا قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز لعدة أسباب. فالولايات المتحدة ستتخذ كل إجراء ممكن للتعامل مع مصادر التهديد الإيراني للمضيق، ما يحد من قدرة إيران على ذلك. كما أن مجرد إيقاف الملاحة في المضيق عند انطلاق الهجوم يحرم إيران من أي قدرة على إغلاق المضيق، فلا يمكنها إغلاقه إن لم تكن هناك سفن تمر من خلاله. والأهم من هذا كله، هو أن الولايات المتحدة ستوصل رسالة واضحة لإيران بأن إقدامها على مثل هذا العمل سيكون إيذانا للولايات المتحدة بتوسيع أهداف الحرب من مجرد تدمير المنشآت النووية الإيرانية إلى تدمير مختلف منشآتها الاقتصادية وإعادتها للعصر الحجري كما يقال، ما يرفع من تكلفة الحرب على إيران بشكل هائل، ويجعل خسائرها المتوقعة من مثل هذا الإغلاق أكبر بكثير من أي أضرار تعتقد أنها ستلحقها بالولايات المتحدة من خلاله.
3) إن كل صادرت إيران من النفط الخام تمر من خلال مضيق هرمز، ومن خلاله تستورد نحو 50 في المائة من حاجتها من المشتقات النفطية، فإيران وإن كانت من أكبر مصدري النفط، إلا أنها أيضا من أكبر مستوردي المشتقات النفطية في العالم. من ثم فإن أي إغلاق لمضيق هرمز، حتى ولو كان قصير الأمد، سيلحق بالغ الضرر بإيران، وضررها من ذلك سيكون أكبر بكثير من أي ضرر يتوقع إلحاقه بدول الخليج الأخرى، فدول الخليج الأخرى في موقف أفضل بكثير من إيران وأقدر على تحمل نتائج مثل هذا الإغلاق، فهي على عكس إيران تمتلك فوائض مالية كبيرة تجعلها قادرة على تأمين احتياجاتها المالية لأشهر، بل حتى لسنوات دون أن تصدر أي نفط خام، وتمتلك مخزونات كبيرة من السلع الأساسية تجعلها قادرة على تحمل توقف استيرادها، علماً بأنها تمتلك موانئ عديدة خارج منطقة الخليج العربي على البحر الأحمر وخليج عمان، ما يجعلها قادرة على توفير احتياجاتها الملحة دون انقطاع.
4) إن مجرد التوقع بأن إيران يمكن أن تنفذ تهديدها بإغلاق مضيق هرمز يعكس عدم تقدير للكياسة التي أظهرتها إيران في تعاملها مع قضايا المنطقة خلال السنوات الماضية، فقد كانت سياساتها أبعد ما تكون عن التهور وردود الفعل غير المنضبطة، ونجحت بشكل لافت في تحويل مصادر التهديد إلى مصادر قوة. فالولايات المتحدة التي ظنت أنها باحتلالها العراق ستضع إيران بين كماشتي الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، وجدت نفسها رهينة لإيران في البلدين حفاظاً على حياة جنودها وللحد من خسائرها الاستراتيجية والمالية، وأصبحت مضطرة لطلب مساعدة إيران للحد من العنف في العراق، ومن السذاجة التوقع بأن إيران قامت بذلك دون أن تقبض الثمن. ولا أحد يشك في أن إيران هي أكبر الرابحين من احتلال الولايات المتحدة للعراق، وأن الولايات المتحدة أكبر الخاسرين منه، وأن الولايات المتحدة باحتلالها العراق أضعفت موقفها أمام إيران بشكل هائل وحدت من خياراتها المتاحة للتعامل مع ملفها النووي.
لكل ما سبق فإنه من غير المتوقع أصلا تعرض إيران لهجوم من قبل الولايات المتحدة، وحتى لو حدث ذلك فإن إيران لن تكون من الحماقة بأن تحرق كل ما حققته من نجاحات استراتيجية بإغلاقها مضيق هرمز، خاصة أنها هي نفسها من بين أكثر المتضررين من ذلك، وإقدامها على ذلك سيجعل العالم كله في حالة حرب معها، ويعطي الولايات المتحدة مبررا وحجة مقبولة لعدم اقتصارها على ضرب منشآت إيران النووية وإنما تدميرها بشكل كامل.