لم نستفد من علمائنا في العلوم الاجتماعية حتى الآن
إذا أردنا تناول مشكلاتنا الاجتماعية بغرض إيجاد الحلول، فسنجد أننا أمام سلسلة من حلقات مرتبطة بعضها ببعض تقود إحداها إلى الأخرى أو تكون بعضها نتيجة لانتشار أخرى، وهكذا إلى أن يصبح من الصعب فك طلاسم قضايانا وعندها نفسرها ارتجاليا فيكون علاجها مجانبا للصواب. لا سبيل إذاً إِلا بوضع هذه المشكلات، وما أدت إليه بين يدي المختصين والعلماء لنعين المسؤولين على اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب، خصوصا أننا نملك مقومات تساعدنا في خلال الـ 25 عاما المقبلة على تحمل الكثير من النوازل. أما لو بدأت الوزارة في تشكيل لجان أو إنشاء إدارات أو تكليف جمعيات لتتصدى لها بذات الأسلوب المتبع حاليا، فسيكون القرار الصادر في أي قضية عبارة عاطفة جياشة تأثيرها لحظي أو مكاني أو فِئوي, كما ستختلط الأولويات بالثانويات، ما يؤدي إلى فقد المصداقية في التوجه للحلول مع أن النوايا سليمة وترغب في الحل الناجع فعلا. هنا يمكن البدء بعدة محاور أولها استشفاف مرئيات المجتمع من خلال نافذة الوزارة على المجتمع وهي موقع الوزارة على الإنترنت. الموقع في عصرنا الحالي يمكن أن يكون رسالة تجسر العلاقة بين أفراد المجتمع وتختصر كثيرا من المسافات، حيث يمكن أن يكون منتدى ويكون مدونة ويكون مصدرا معلوماتيا وروابط لاستبيانات وغيرها من الحلول التي تجذب الصغير والشاب قبل الكبير كما تجلب النقاد لتقييمه وتحسينه, وإذا ما باشرته مجموعة تبحث عن غير المألوف في العرض والتشويق وأشرفت عليه الوزارة بحرفية مهنية، فسيكون الهدف والمحتوى والاتصال في قمة التفاعل الاجتماعي. الإحصائيات هي الأخرى وسيلة لإثبات المصداقية والمستوى العالي من الشفافية وتركيز الرسالة ولكن لابد من تحديثها الدائم. في هذا السياق يمكن التلميح بأن تعداد مكاتب ودور الشؤون الاجتماعية والتوجيه الاجتماعي وعناوينها على مستوى المملكة دليل على تواضع وضعها أمام حجم الاحتياج وتجدد أساليب العلاج. هنا أتساءل: هل ستصنف القضايا وتخصص لكل منها أو حسب رؤوس المواضيع مساحات وأيكونات وروابط تحفز على دعم جزئيات المشاريع ذات الأولوية وابتكار واقتراح آلية لطرح ودراسة ومعالجة القضايا بشكل إلهامي ومغاير لما هو تقليدي؟. ثم لأن المهم آلية التناول وأسلوب الأداء، فهل سيكون القطاع الخاص مشاركا ومسؤولا رئيسا في هذا المشروع الكبير؟
في حالة ترتيب المشكلات والقضايا فمثلا: نحن نقرأ ونتحدث عن محاربة "الإرهاب الدولي" و"الإرهاب الأصولي" فهل أصل القضية إرهاب أم عنف؟ وهل هو عبارة عن إفرازات لواقع غريب أم ذرائع لما يراد فعله ممن ندعو لهم بالهداية؟, أم نتائج لظروف معينة لا بد أن نتناولها بكل شفافية ونتعاون على بترها؟ وهل تتصدر هذه القضية القائمة أم هناك ما هو أهم؟. من ناحية أخرى لا يقل عن ذلك شأنا إخفاء المصابين والمصابات بأمراض معدية لماهية المرض أو شكهم بالإصابة به بدعوى انتقاص المجتمع لهم أو ابتعاد الناس عنهم. لا أدري إن كانت هذه الشريحة من المجتمع تعي مدى أهمية إشعار الطبيب المعالج أو الممرض المباشر أو المرفق الصحي بذلك قبل التعامل معه؟ ولا أدري إن كانت معلومات السجل الطبي يمكن تبادلها بين المرافق الصحية المختلفة لاتخاذ الإجراء اللازم حيال شريحة بدأت في التزايد بشكل كبير؟. المخدرات والشراب والدعارة والرشوة أو ما يسمى "المنفعة الاجتماعية" مشكلات ابتلي بها العالم كله والبحث عن الأساس في المشكلة مضيعة للوقت، ولكن هل نحن نتخذ الإجراءات الممكنة كافة لدحرها وإشغال المجتمع بآليات تحسين المعيشة بدلا من أن يندب الحظ والاستسلام للمؤثرات السلبية؟.
على صعيد شؤون المرأة، فهناك حاجة إلى تسليط الضوء على أهمية تثقيف الشابات، فالخجل والإحراج من تعليم الأمهات البنات أسرار حياتهن قاد كثيرا من البنات للبحث عن المعلومة "المغلوطة" من المواقع الخطأ في الوقت الخطأ, على الرغم من أن هناك من الكتب والمجلات ما يسهل على المجتمع التوصل للمعلومة بسهولة، إلا أن ثقافة العيب والحرام هي التي منعت حتى الاطلاع عليها. هذه المشكلة أيضا كانت أسلوب حياة لجيل نشأ في ظروف مختلفة، إلا أن جيل اليوم يصادف كل ساعة حدثا جديدا ليفرض ذلك علينا البحث بجدية عن كل أسلوب معاصر يتناسب مع نوعية المشكلة، مراعين فيه شرعنا الإسلامي السمح. إن أحد أهم القضايا التي طال نقاشها لدرجة الملل من دون أن تحل مشكلة - قيادة المرأة السيارة، وأعتقد أن عدم استطاعة التعايش مع إفرازاتها المتوقعة سيعيد حساباتنا في كيفية إعداد جيل واع متميز بدين راسخ وأخلاقيات عالية. مثل آخر هو التجمهر في موقع الحادث الذي قد يؤدي للوفاة لعدم تمكن فرق الإنقاذ الوصول في الوقت المناسب أيضا مشكلة تتكرر صور حدوثها مما يستدعي النهوض في هذا الوقت بالذات لمواجهة والتعامل مع هذه المشكلات بكل احتراف مهني وقدرة تطويرية نموذجية. لذلك حبذا لو قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بدعم جميع أساتذة العلوم الاجتماعية في الجامعات الخمس التي تضم كليات متخصصة للقيام بدراسات ميدانية اجتماعية وطنية مستفيدين من طلاب الجامعات كميزة لإبلاغ الرسائل بعد التوصل إلى نتائج تؤصل فيهم وبالأسلوب العلمي ماهية ما يشكل على مجتمعهم بأكمله. بعد ذلك تنشر نتائج الدراسات في محافل علمية وعبر الوسائل الإعلامية المختلفة وبكل البرامج الممكنة لإشغال الفكر فيما يعود عليه بالنفع بدلا من رسائل بعض القنوات الفضائية التي ما تلبث أن تخلق مشكلات عدة إذا ما أرادت حل مشكلة واحدة, كما أن ذلك سيعري أساليب الشعوذة والاحتيال والاستخفاف بالعقول التي استغلتها فئة ذكية في غفلة من هذا المجتمع الآمن, والله المستعان.