تراجع توقعات النمو في أمريكا وأوروبا واليابان يؤكد الركود الاقتصادي العالمي
المؤشرات الاقتصادية الأمريكية كلها تشير إلى تدهور محوره الأساسي وهو المستهلك الذي يمثل العصب الرئيسي للاقتصاد الأمريكي، بالنظر إلى ارتكاز الاقتصاد الأمريكي بشكل رئيسي على الاستهلاك العائلي. هذا التدهور يظهر جلياً من خلال عدة مؤشرات صدرت خلال الأسبوع الماضي، من هذه المؤشرات مؤشر الائتمان الاستهلاكي الذي يقيس مستوى التغير في الاستهلاك من خلال التغير في مستويات الإنفاق المعتمدة على الائتمان المصرفي، وبشكل أكثر تحديداً الإنفاق من خلال بطاقات الائتمان. فزيادة الإنفاق من خلال بطاقات الائتمان يدل على ثقة بالدخول المستقبلية من جهة وعلى انخفاض مستوى المخاطرة في الائتمان العائلي الذي يشجع البنوك على التوسع في منح الائتمان. تقرير "الاحتياطي الفيدرالي" بشأن الائتمان الاستهلاكي لم يكن إيجابياً، حيث أظهر التقرير أن الائتمان الاستهلاكي ارتفع بشكل أقل من توقعات المحللين خلال شباط (فبراير) الماضي، مما يشير إلى تراجع الاستهلاك العائلي عبر بطاقات الائتمان الذي يعني انخفاضا في ثقة المستهلك من جهة، ومحاولة لتوفير الإنفاق وتخصيصه لسلع ارتفعت تكاليفها مثل تكاليف الوقود والغذاء. فقد ارتفع الائتمان بما قيمته 5.2 مليار دولار في حين توقع المحللون بلوغه ستة مليارات دولار. وهذا المعدل أقل بكثير من مستوى الزيادة خلال كانون الثاني (يناير) الماضي البالغة أكثر من عشرة مليارات دولار. هذا التغير يشير أيضاً إلى تراجع البنوك والمؤسسات الائتمانية عن منح المزيد من الائتمان لقطاع العائلات مما يتضمن أن القلق مازال يتردد في سوق الائتمان على الرغم من كل الإجراءات التي قام بها "الاحتياطي الفيدرالي". وتأتي بيانات التراجع في مستوى الائتمان تلك بشكل متوافق مع التراجع الكبير في مؤشر رويتر- ميتشجان لثقة المستهلك حيث بلغت قيمة المؤشر 63.2 نقطة منخفضاً من مستوى 69.5 نقطة خلال آذار (مارس) الماضي. وهذا المستوى يعد الأقل خلال 29 عاماً. ويفسر عدد الوظائف التي خسرها الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط البالغة 232 ألف وظيفة إلى حد كبير التراجع في المؤشر السابقين، الائتمان الاستهلاكي وثقة المستهلك. من ناحية أخرى وفي إطار أزمة الإسكان التي فاقمت الأوضاع الاقتصادية الحالية، أظهر مؤشر المنازل المعلقة للبيع انخفاضا خلال شباط (فبراير) الماضي وذلك حسب الجمعية الوطنية للعقاريين الأمريكيين. فقد انخفض المؤشر بمعدل 1.9 في المائة من كانون الثاني (يناير) الماضي، مما يشير إلى أن التراجع في أسعار المنازل لم يصل بعد إلى الحد الأدنى الذي يتوقعه المشترون.
من ناحية أخرى، أظهر تقرير الدقائق الذي يسجل المداولات التي شهدها اجتماع لجنة سياسات السوق المفتوحة أن أعضاء اللجنة يتوقعون أن يتراجع النمو الاقتصادي في النصف الأول من هذا العام مع التخوف من تراجع اقتصادي حاد وطويل. إضافة إلى لا أن أعضاء اللجنة لا يرون أي بوادر تؤكد وصول التراجع الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي إلى أدناه، مما يتضمن أن هناك احتمالا أكبر لمزيد من التراجع في أداء المؤشرات الاقتصادية المختلفة خصوصاً المتعلقة بقطاعي الإسكان والائتمان. وكان صندوق النقد الدولي قد أشار في تقرير له إلى أن استمرار أسعار المنازل بالتراجع وتزايد حالات الإفلاس والامتناع عن السداد لإقراض السكن قد يؤدي إلى خسائر تقدر بـ 565 مليار دولار أمريكي، في حين بلغت الخسائر المعلنة حالياً المتمثلة في السندات المشطوبة 232 مليار دولار. وقد ترتفع الخسائر إذا ما تمت إضافة خسائر العقارات التجارية إلى 945 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل ما نسبته تقريباً 7.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية. صندوق النقد الدولي يتوقع أيضاً أن تبلغ الخسائر 90 مليار دولار في شركات تأمين السندات نتيجة لتراجع تصنيفها الائتماني من قبل شركات التصنيف الائتمانية. وفي هذا التقرير الذي أصدره الصندوق ضمن تقريره السنوي عن الاستقرار المالي العالمي، يقرع الصندوق أجراس الإنذار ليحذر صانعي القرار الاقتصادي العالمي من مغبة أزمة اقتصادية عالمية إن لم يتم أخذ الاحتياطات اللازمة لتجنبها.
في أوروبا أشار وزراء مالية الاتحاد الأوروبي إلى أن أزمة أسواق الائتمان العالمية قد تجر اقتصادات دولهم إلى التباطؤ خلال عام 2009، مما يؤكد أن الأزمة لن تجر معها الاقتصاد الأمريكي فقط، ولكن سوف تجر الاقتصاد العالمي بأسره إلى الركود. كما أن ذلك يؤكد عكس ما أشار إليه محافظ البنك المركزي الأوروبي الذي يرى أن الاقتصاد الأوروبي أصبح أقل ارتباطا بالاقتصاد الأمريكي، الأمر الذي دفعه إلى التأكيد أن البنك المركزي الأوروبي لن يسير في المنحى الذي اتخذه "الاحتياطي الفيدرالي" باتجاه تخفيض سعر الفائدة الأوروبية. وكان ارتفاع تكلفة الاقتراض باليورو وتصلب البنك المركزي الأوروبي بشأن تخفيض سعر الفائدة قد رفعا تكلفة الاقتراض إلى مستويات هي الأعلى منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مما دفع الوزراء إلى التأكيد على زيادة الرقابة على البنوك وإبداء المرونة تجاه رغبة الكثير من البنوك في شطب ديون الرهن العقاري الأمريكي. من ناحية أخرى خفض صندوق النقد الدولي من توقعاته بشأن النمو في الاقتصاد الأوروبي، حيث يتوقع الصندوق أن ينمو الاتحاد الأوروبي بمعدل 1.3 في المائة منخفضة من المستوى السابق البالغ 1.6 في المائة. علاوة على ذلك يتوقع الصندوق أن يتراجع معدل النمو في أوروبا خلال العام المقبل إلى 1.1 في المائة، وفي العالم ككل يتوقع الصندوق معدل نمو يبلغ 3.7 في المائة وهو الأقل منذ عام 2002.
وفي بريطانيا يتوقع أن يقوم بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) بتخفيض سعر الفائدة خلال هذا الأسبوع بسبب انسحاب آثار أزمة الرهن العقاري الأمريكي على سوق الائتمان. لكن في المقابل يواجه الاقتصاد البريطاني مشكلة ارتفاع معدل التضخم، حيث بلغ خلال شباط (فبراير) الماضي 2.5 في المائة، كما يتوقع أن يواصل ارتفاعه ليتجاوز الهدف المحدد له البالغ 3 في المائة. بالنسبة لمعدل النمو في بريطانيا، يتوقع بنك إنجلترا أن يبلغ 1.6 في المائة خلال الربع الرابع من العام الحالي وهو المعدل الأقل خلال أكثر من عشر سنوات. أما من حيث ثقة المستهلك البريطاني، فقد بلغت أقل مستوياتها خلال أربع سنوات، حيث بلغت قراءة مؤشر ثقة المستهلك 77 نقطة وهي الأقل منذ عام 2004.
في اليابان يتوقع أن يعمد البنك المركزي الياباني إلى الإبقاء على سعر الفائدة عند مستواه الحالي البالغ 0.5 في المائة خشية أن ينزلق الاقتصاد الياباني إلى الركود الاقتصادي، كما سيعمد البنك المركزي الياباني إلى خفض توقعاته بشأن النمو الاقتصادي من مستواه البالغ 2.1 في المائة إلى مستوى قد يقارب الـ 1.5 في المائة. وكان المحافظ الجديد للبنك المركزي الياباني يوجي شيكاوارا قد أشار إلى أن البنك (على استعداد لإبداء المرونة في سياساته) بما يعني أنه قد يعمد إلى خفض سعر الفائدة إذا ما دعا الأمر إلى ذلك. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معدل التضخم الياباني يبلغ 1 في المائة وهو ضعف سعر الفائدة الحالي، كما أعلن الأسبوع الماضي أن مؤشر أسعار الجملة ارتفع بأسرع معدلاته منذ عام 1981، وهو مؤشر على أن الاقتصاد الياباني ليس بعيداً عن التأثر بالارتفاع العالمي في أسعار النفط والغذاء.