رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


شركاتنا والعصبية الوطنية

[email protected]

العصبية الوطنية المتمثلة في تحمل مسؤولياتنا أفرادا وكيانات تجاه الوطن، وتغليبها على كل العصبيات والمصالح بما لا يتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية ستنعكس إيجابا على معدلات تنمية بلادنا من ناحية، كما تنعكس إيجابا على مستوى معيشتنا ودرجة مساهمتنا في الحضارة الإنسانية من ناحية أخرى.
وأود أن أركز على عصبية الشركات الوطنية في عصر نعيش فيه هيمنة الشركات العملاقة ذات الأنشطة والاحتكارات التجارية والصناعية والمعلوماتية والإعلامية الغربية بما لديها من إمكانيات تكنولوجية وقدرات اقتصادية هائلة على اقتصاديات العالم، حيث تمارس تلك الشركات أنشطتها بحرية كبيرة دون حدود لسيادتها الإنتاجية والتوزيعية والتبادلية حتى باتت تهدد السيادة الوطنية للدول والمجتمعات، يساعدها في ذلك تشريعات وأنظمة منظمة التجارة العالمية التي أصبح الانضمام لها شرا لابد منه، فضلا عن شبكة الاتصالات والمعلومات المتطورة.
ولكي أوضح لكم قوة هذه الشركات فلا أقل من أن نعرف أن حجم المبيعات السنوية لبعض هذه الشركات يتجاوز حجم الناتج القومي الإجمالي لأكثر من ثلاث أو أربع دول ذات وضع اقتصادي جيد، كما أن هذه الشركات أصبحت تتحد بطريقة تدعم قوتها الإنتاجية من ناحية، كما تدعم قوتها الاحتكارية من ناحية أخرى بالشكل الذي يجعل عملاءها أمام خيارات أكثر من ضيقة في تقبل نوعية وأسعار منتجاتها وأوقات استلامها، ولنا في شركات إنتاج الدواء العملاقة مثالا حيا حيث أصبحت بعض الأدوية والمواد الطبية المهمة والحيوية، التي يؤدي نقصها إلى وفاة الكثير من المرضى محتكرة لدى تكتلات تفرض شروطها التي تريد.
ولا شك أن سيطرة الشركات العملاقة العابرة للقارات أو ما تسمى بمتعددة الجنسية على الأسواق والتجارة الدولية أصبحت تشكل لنا جميعا مصدر قلق على مستقبل أوطاننا، حيث باتت تلك الشركات تدول أنشطتها في قطاع الخدمات بشكل كبير من خلال أنشطة المؤسسات المالية وخدماتها المصرفية والتمويلية، ونشاط التأمين، وتأمين نظم الإدارة والمعلومات، والمحاماة والإعلام والإعلان، والمحاسبة، وبيوت الخبرة، والشركات الاستشارية والهندسية إلى غير ذلك من الأنشطة الخدمية، فضلا عن نشاطها في قطاع الصناعات الاستخراجية والصناعات التحويلية.
وكل ذلك يشير إلى أن دور الشركات الكبرى أصبح كبيرا في صياغة توجهات الاقتصاد المحلي والعالمي إنتاجا وتوزيعا وقوة علمية وتكنولوجية، وما إلى ذلك يقابله تضاؤل لدور الحكومات الوطنية في هذه الساحة المهمة المرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة مواطنيها، فما العمل؟ خصوصا إذا أدركنا أن هذه الشركات تستند إلى إمكاناتها الذاتية وتفوقها التكنولوجي، والصناعي، والعلمي، والمالي في هيمنتها وتحكمها في مفاتيح الاقتصاد العالمي، حيث باتت توجه وتتحكم في مراكز صناعة القرار واتخاذه لصالحها، فضلا عن قوتها التنافسية المتزايدة في ظل فقدان أو ضعف قدرات الدول على التحكم السيادي في القرارات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية.
بالطبع لن ينفعنا استجلاب الشركات الأجنبية من خلال ما نقدمه لها من تسهيلات في تحقيق أهدافنا التنموية على المدى البعيد، خصوصا إذا جلبناها لتنفيذ مهام ومشاريع بكوادرها البشرية ليرحل دون أن ينقل معرفته لأبناء الوطن ويعزز مهاراتهم أو حكمناه بمشاريعنا الحيوية إنشاء وإدارة واستغلالا، كما لن ينفعنا الاعتماد الكامل على استيراد ما يصدره الأجنبي لنا من سلع وخدمات ما لم يكن لدينا بديل نلوذ به وقت الأزمات والطوارئ.
رجل الأعمال المعروف الشيخ سليمان الراجحي أسس الشركة الوطنية التي تنتج الدواجن والأسماك والأغنام والتمور والخضراوات لطرحه في السوق المحلية والإقليمية وتحويل الفائض منه إلى منتجات غذائية معلبة من خلال الصناعات التحويلية، وحسب علمي أن استثماره في هذه الشركة الوطنية العملاقة فاق الثلاثة مليارات ريال لأهداف تنموية موازية للأهداف الربحية التي يستطيع تحقيقها من أي نشاط آخر وبدرجة أقل من الجهد والوقت، ولكنها الوطنية والانتماء.
أعتقد أن هذا النموذج والنماذج المشابهة يجب أن تطرح كنموذج للمستثمر الوطني الذي يأخذ بأسباب المنافسة كافة، كما يسعى لتطوير منشآته الوطنية لتكون أصلا وطنيا قادرا على توسيع وتطوير السوق الذي ينشط بها بما يساعد على نمو الإنتاج وازدهاره لموازنة المعروض والمطلوب ويوطن المعارف والخبرات العالمية ويعزز السيطرة الوطنية على مقدرات البلاد ومستقبلها الاقتصادي بما يسهم في استقرارها اقتصاديا واجتماعيا ويقيها سلبيات الشركات العابرة للقارات المقلقة لنا جميعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي