المخزون الأمريكي النفطي الاستراتيجي
تخطط الحكومة الأمريكية لطرح عطاءات بشأن المخزون الاستراتيجي النفطي الأمريكي واستئناف عمليات بناء هذا المخزون حتى يبلغ مليار برميل من نحو 700 مليون في الوقت الحالي، وهذه الخطوة قد تتطلب بناء موقع جديد في الميسسبي وتوسعة بعض المواقع التخزينية القائمة.
ووفقا لمسؤولي وزارة الطاقة، فإن الخطوة ستعتمد على القراءة الخاصة بوضع السوق قبل الإقدام عليها، مستشهدين بالتراجع الطفيف في الطلب على البنزين بصفته عاملا مواتيا لبدء هذا التحرك.
لكن في الوقت الذي ظل فيه سعر البرميل من النفط الخام مستقرا فوق 100 دولار ولأكثر من خمسة أسابيع، بل ويتجاوز 110 في بعض الأحوال، فإن أي خطوة من قبل الولايات المتحدة في هذا الصدد ستؤثر في السوق حتى إذا لم تعلن عنها واشنطن، لأن السوق النفطية لها من الآليات ما يجعلها تعرف ما يجري تصديرا وإنتاجا واستهلاكا ولو بعد حين. طبعا سيعتمد الأمر في النهاية على حجم الكميات التي سيتم شراؤها، لكن مهما كان ذلك الحجم فإنه سيضيف إلى الطلب، الأمر الذي سيوفر عاملا إضافيا لإبقاء سعر البرميل مرتفعا، رغم أن ارتفاعه الحالي يعود لأسباب جيوسياسية وتتعلق بضعف الدولار، أكثر منه بسبب نمو قوي في الطلب.
فكرة المخزون الاستراتيجي وضعها الرئيس الأسبق جيمي كارتر موضع التنفيذ، وذلك في إطار استراتيجيته الهادفة لمواجهة أزمة الطاقة، التي وصفها أنها المعادل الأخلاقي للحرب. وكارتر هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي قام بإجراءات محددة لا تزال لها آثارها في التعامل مع أزمة الطاقة، منها المخزون الاستراتيجي ومنها تأسيس أول إدارة فيدرالية للطاقة، وذلك في أول إضافة للوزارات الاتحادية منذ الحرب العالمية الثانية.
فكرة المخزون قامت على أساس توفير ما يكفي من إمدادات لمواجهة أي حالة من الانقطاع، وتعتبر مكملة للمخزون التجاري الذي تتولى أمره الشركات، لكنه ينطلق من التجربة المرّة للحظر النفطي الذي قامت به الدول العربية. وبهذا المفهوم تم استخدامه لأول مرة إبان عهد الرئيس جورج بوش الأب عند انطلاق الحرب لتحرير الكويت، إذ كان هناك تخوف من حدوث انقطاع في الإمدادات.
لكن في عهد الإدارة التالية لبيل كلينتون برز استخدام جديد للمخزون الاستراتيجي، وذلك بأن يكون وسيلة لخفض الأسعار. ففي عام 2000 وإبان استعار الحملة الانتخابية بين المرشح الديمقراطي نائب الرئيس وقتها آل جور ومنافسه جورج بوش الابن، بدأت السوق النفطية في الانتعاش، الأمر الذي انعكس على سعر جالون الوقود بالنسبة للمستهلك، وهو أمر لم يكن محتملا في سنة انتخابية، ووصل إلى أن أصبح قضية تناولتها وسائل الإعلام. فكان أن قرر كلينتون ضخ خمسة ملايين برميل لكبح جماح الأسعار، إن لم يكن خفضها تحسينا لفرص نائبه الانتخابية، وهي خطوة لم تؤت أكلها، لكن أصبحت نقطة ثابتة في الجدال السياسي إذا كان المخزون الاستراتيجي سيوظف لخفض الأسعار أو قصر استخدامه على الحالات الطارئة التي تتعرض فيها الإمدادات إلى الانقطاع.
لكن هناك تحولا في محتوى الفهم الخاص باستخدام المخزون، فحدوث حالة من الانقطاع للإمدادات من منطلق سياسي كما حدث إبان الحظر النفطي العربي قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان أصبحت أمرا مستبعدا بواقع الحال الذي يجعل من الدول المنتجة معتمدة اعتمادا رئيسيا على العائدات المالية من مبيعاتها النفطية بما لا يترك لها هامشا لاستخدامه سياسيا، وهو ما تظهره التجربة الأخيرة في نزاع فنزويلا مع شركة "إكسون موبيل"، وتهديد الرئيس هيوجو شافيز بقطع الإمدادات الفنزويلية عن السوق الأمريكية، لكنه لم يستطع التقدم لتنفيذ تهديده ذلك، فواقع الحال بحسابه المختلف فرض مسارا آخر.
لكن في الوقت ذاته فإن بروز مستهلكين جددا خاصة من آسيا ينافسون على الحصول على الإمدادات ذاتها سيزيد من تسليط الضوء على قضية ضمان الإمدادات، وليس بالضرورة أن يكون ذلك من منطلقات سياسية أو عسكرية، بل لأسباب تجارية بحتة، خاصة أن تجارة النفط تعتبر الأكثر تأثرا بتيار العولمة، فالنمو في الطلب الآسيوي جعل معظم الإمدادات تتجه إلى تلك السوق.
ومع الإحساس الحقيقي أو المتوهم أن وضع الاحتياطيات النفطية العالمية تحيط به علامات الاستفهام سواء مجرد وجودها أو استخراجها خاصة وآخر حقل فيه احتياطيات ضخمة تم اكتشافه قبل أكثر من 30 عاما، فإن ضمان الإمدادات يصبح قضية، وهو ما يعطي المخزون الاستراتيجي أهمية إضافية أنه على الأقل يمكن أن يمثل جسرا لسد أي فجوة لفترة من الوقت، فالتركيز ينتقل تدريجيا إلى جانب الإمدادات وتوفيرها مع دخول مستهلكين جدد حتى من الدول المنتجة نفسها، وهو ما يسهم في تقليص الكميات التي تخصصها للتصدير.