رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إلى مقام وزارة الداخلية .. نخب سعودية مزورة تدرس أبناءنا في الجامعات

[email protected]

وجهت وزارة الداخلية مطلع هذا الأسبوع بإغلاق جميع مكاتب الجامعات التي تبيع الشهادات لأبنائنا، كما دعت مشكورة الجهات الحكومية بعدم اعتماد الشهادات العلمية التي يقدمها منسوبو تلك الجهات دون ابتعاث أو الاستفادة من الألقاب العلمية المشبوهة.
وتحدث كثير عن خطر الشهادات المزورة على مجتمعنا وتعليمنا العالي, كما نوقشت في وسائل الإعلام والمنتديات، وعقد من أجلها الندوات والحوارات، ولو أنها جهود فردية غير منظمة إلا أن كل غيور أدلى بدلوه حسب استطاعته، وعلى أثر ذلك أغلقت كليات وهمية كانت تبيع الأوراق لأبنائنا، وتوارت بعض فروع الجامعات المرتزقة عن بلادنا، كما أن عددا من الوزارات المعنية استجابت مشكورة لهذه الصرخة منها وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الصحة، وهذا تفاعل يجب أن نشيد به ونشكر كل من أسهم في تنظيف بلدنا من هذا الوباء.
إلا أن هناك حقائق مخيفة عن التعليم المزور بدأت تطل برأسها من جديد في مجال التعلم العالي نلاحظه نحن المحتكين بالتدريس والبحث العلمي. وقبل أن أعرض بعض الحقائق المفزعة نريد أن نعرف ما المقصود بالنخب المزورة أو الشهادات المزورة. الشهادات المزورة "هي التي تمنح دون بذل الجهد الأكاديمي الكافي, أو تلك الشهادات التي تمنح من مؤسسات غير معروفة أو غير معترف بها محليا أو دوليا، أو تلك الشهادات التي تمنح من جامعات مخالفة للأعراف والتقاليد الجامعية", التي تفصل في هذه القضية وزارة التعليم العالي.
حذر البعض من أن هؤلاء المزورين قد يتسللون إلى التعليم العالي نتيجة شح أعضاء هيئة التدريس والعجز الشديد التي تعانيه الجامعات من الأساتذة الأكفاء، وصدقت نبوءتهم فهاهم بيننا يسرحون ويمرحون ويغدون ويروحون دون خوف أو وجل أو اعتبار. إننا نراهم يجولون في الردهات ويقضون جل وقتهم في المكتبات كي يوهمونا أنهم أحرص الناس على علم. وقد تساءلنا عن أسباب وجود هذه البضاعة الفاسدة في تعليمنا العالي، فبرر بعض المسؤولين الأكاديميين بقولهم "نعلم أنهم مزورون إلا أننا وضعناهم تحت التجربة وتحت التدريب". ويلكم كيف تحكمون؟ ما هذه الحكمة الممزوجة بالسفه؟ هل أصبح أبناؤنا فئران تجارب كي نسلمهم لزمرة لا يمتلكون الحد الأدنى من الخبرات الأكاديمية؟ ماذا تتوقع مِمَن لجأ إلى الطرق الملتوية للحصول على شهادة؟ ماذا تتوقع أن ينقل إلى الناشئة؟ ما الخبرة الأكاديمية والمعرفية والبحثية التي يمكن أن تنقل للأجيال, خصوصا أن غالبية من يلجأ إلى التزوير هم من أصحاب التقديرات المتدنية.

كما أننا اكتشفنا حقيقة أخرى وهي أن شح أعضاء هيئة التدريس لم يكن السبب الوحيد لتسليم هذه الزمرة تعليم أبنائنا، فهناك سبب آخر وهو الحرص على توفير المخصصات المالية, خصوصا في التعليم الأهلي. إنني أقول لهؤلاء الذي رضوا واطمأنوا لتدريس النخب المزورة أبناءنا بحجة توفير مخصصات "عليكم أن تعلموا أن العلم لا يباع ولا يشترى ووظيفة المال هنا وسيلة وليست غاية، كما أن هذه بضاعة مزجاة، كاسدة، معدمة القيمة فكيف تأتون بها وتضعون لها قيمة واعتبارا".

الجامعات العريقة أمثال (هارفرد) و(أكسفورد) و(ستاندفورد) و(إم آي تي) وغيرها لم يكن من أهدافها أو ضمن رسالتها الحصول على المال رغم أن بعضها جامعات خاصة. المال هنا ليس الهدف في حد ذاته بل هو وسيلة كالماء والهواء والطعام للإنسان. نحن كبشر لا نستطيع العيش من دون الطعام والماء والهواء ولكن ليس الهدف من خلقنا الأكل والشرب والتنفس. فالهدف أبقي وأسمى وأعظم وهو عبادة الله سبحانه وتعالى. كذلك المال بالنسبة للمؤسسات الأكاديمية مهم جدا ومطلوب ومن دونه لا يمكن أن تستمر في العطاء والإبداع إلا أنه لا يمكن أن يكون الهدف الأهم والغاية القصوى, فرسالة الجامعات تقديم العلم وليس بيعه. الجامعات العريقة تصرف الأموال على التعليم ببذخ لجذب الكفاءات، والقدرات، والخبرات، والسمعة الأكاديمية، فماذا كانت النتيجة؟ سمعة عطرة عبر القرون والأجيال وليس بمستغرب أن تكون مثل هذه الصروح العلمية قد مر عليها خمسة قرون وهي في حركة ديناميكية متقدة.
أخيرا أراني مضطراً إلى أن أفشي سرا, بعض جامعاتنا المحسوبة على التعليم العالي تتعاقد مع أستاذ واحد متميز وله سمعة في حقله ولا تساومه حقه, فما يطلبه يجده, ليس بهدف تحقيق معايير الجودة، ولا بهدف استقطاب الكفاءة، ولا بهدف الحرص على أبنائنا, بل تريد أن تستخدم هذا الأستاذ المتميز غطاء ودمية لتمرير النخب السعودية المزورة، فيتسلل من خلفه أصحاب الشهادات المضروبة وأصحاب شهادات الواسطة في مجال التعليم العالي, ظنا منهم بغباء مطبق, أن هذا ينطلي على طلابنا النجباء، وأساتذتنا الأوفياء، والمجتمع الأكاديمي الغيور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي