تنوع المناطق قوة للاقتصاد الوطني

[email protected]

الوصف العام الذي توصف به بلادنا أنها دولة صحراوية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من حرارة في الصيف، وبرودة في الشتاء، وندرة أمطار ومياه، وعدم وجود أنهار، ومنابع للمياه دائمة الجريان، وقد تعلمنا هذا الشيء منذ الصغر حتى أصبحت هذه المعلومة من المسلمات، والبديهيات التي رسخت في الأذهان حتى تحجرت، وهذا أمر مسلم به من الناحية الجغرافية كمعلومة يفترض ألا تؤثر سلباً في أهدافنا التنموية، وخططنا نحو إعادة تشكيل بيئتنا، واستثمارها في أفضل صورة حتى وإن كانت صحراوية. حين يلتقي المرء منا بالأجانب خارج البلاد، ويعلمون أنه من المملكة العربية السعودية يبادرونه بمعلومة أنها بلاد صحراوية، ودولة بترول، ويتناسون الكثير من الحقائق الجغرافية، والتاريخية، والدينية، والحضارية، والثقافية التي تتمتع بها بلادنا العزيزة.
وأعتقد أن السبب في ذلك يعود لنا نحن أبناء هذه البلاد، إذ إننا لم نستثمر الإمكانيات المتوافرة لدينا بالشكل المطلوب، والذي يحول هذه الإمكانيات إلى مواد تضاهي البترول، وتغير مفهوم البلد الصحراوي الذي لصق في أذهان الناس خارج البلاد. كيف يكون هذا الأمر، ونحن نقر بأن بلادنا صحراوية وهي بالفعل كذلك؟
لعلي أبدأ في الإجابة عن هذا السؤال بانطباع إيجابي تركته رحلة صديق إلى دبي حيث كان يقضي رحلة برية قام بها مع أسرته إلى الصحراء يطلق عليها رحلة سفاري، ويتم في هذه الرحلة أخذ العائلة، أو الفرد من مكان إقامته في سيارة جيب إلى الصحراء حيث الخيام، وعملية التطعيس، وعشاء الشواء مع الأكلات الشعبية، وقضاء بضع ساعات في الخلاء، والهواء الطلق، والاستمتاع بجو الصحراء، ورؤية النجوم التي يحول بيننا، وبينها جو المدينة المليء بالأضواء، تساءلت وأنا أستمع لصديقي الذي يقص علي تجربته، والمتعة التي وجدها هو، وأفراد الأسرة في هذه الرحلة ألا توجد لدينا صحاري؟ وألا توجد لدينا رمال ذهبية لا مثيل لها في العالم أجمع من حيث نظافتها، وتعرجاتها، وتموجاتها، ولونها الذهبي الأخاذ، وارتفاعها، وأشكالها الجميلة، لا أحد يستطيع أن ينكر وجود هذا الشيء كما في صحراء النفود، والربع الخالي، ونفود الثويرات الجميلة في محافظة الزلفي، لكن جهودنا قصرت عن أن تستثمر هذا الشيء، وتحوله إلى مرفق سياحي يجذب إليه السياح من مختلف أنحاء العالم وفشلنا في إيجاد رياضات وأنشطة تناسب البيئة الرملية.
العالم من حولنا يستثمر كل ما لديه من إمكانيات ويحولها إلى موارد جيدة حتى وإن كانت هذه الإمكانيات متواضعة، وذلك من خلال الدعاية، وإبراز هذه الإمكانيات، وتصويرها بالساحرة والجذابة. لكثرة ما سمعت عن وادي كانيون العظيم في ولاية أريزونا في الولايات المتحدة قررت زيارته، وأنا في الطريق إلى كاليفورنيا في إحدى المرات، ولعله من المناسب أن أسجل الانطباع الذي خرجت به، حيث دخلت من بوابة رسمية، وظننت أن هناك شيئاً مهماً جداً كما أكد عدم التصوير داخل الوادي، ولا أخالف الحقيقة إن قلت إنني لم أر سوى وادي كالأودية، في أي مكان، صخور، وتربة، قد تكون هذه الأشياء لها أهمية من الناحية الجيولوجية، لكني كزائر لم أجد ما يتساوى مع الانطباع المسبق الذي أحدثته الدعاية قبل زيارتي له، ولعله من الطرف، أنه وأنا أخرج من المكان طلب مني فتح شنطة السيارة للتأكد من أنني لم آخذ حجراً، أو تراباً من المكان، مع العلم أنهم لو طلبوا مني ذلك ما فعلته.
ولاية نيفادا في الولايات المتحدة صحراء قاحلة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لكنها تحولت إلى مركز ترفيه ومتعة غير بريئة وتحولت إلى رافد من روافد الاقتصاد الأمريكي. مع تأكيد الحقيقة التي بدأت بها الحديث وهي صحراوية بلادنا إلا أن التنوع في المناطق والمحافظات يعطي بعداً قوياً نحو الاستثمار الأمثل الذي يعزز الاقتصاد الوطني، وينوع مصادره، المنطقة الغربية بما حباها الله من أماكن مقدسة تشكل مصدراً ثرياً للاقتصاد الوطني نظراً لكثرة الراغبين في الحج والعمرة والزيارة إذا ما تم إيجاد البنية التحتية من إدارة، وخدمات، ووسائل مواصلات، وسكن، ومطاعم تساعد على زيادة الأعداد القادمين لهذه الأماكن الشريفة. وقد قرأت خبراً مفاده أن تأشيرات العمرة بلغت ثلاثة ملايين خلال خمسة شهور، ويمكن زيادة هذا العدد لو طورنا البنية التحتية اللازمة.
ثم إن إطلال المملكة على البحار يعطيها بعداً آخر من حيث استثمار هذه الخاصية بشكل أفضل سواء من حيث الثروة البحرية أو البعد السياحي. أتذكر في زيارة لدبي وجدت دعاية لقرية البوم والتي توفر خدمة الرحلات البحرية وأخذت هذه الرحلة وتمنيت وقتها وجود هذه الخدمة لدينا سواء في جدة، أو الدمام أو أي مدينة مطلة على البحر، وقد وجدت هذه الخدمة على كورنيش الدمام لكن يبدو أن الدعاية، والتعريف بها معدومة إذ لم أر أي شيء لا في الصحف، ولا الفنادق، والشقق المفروشة، ولم أعلم عنها إلا بالصدفة، وأنا أتجول في السيارة على الكورنيش.
هذا مثال على قصور الجانب الدعائي، والتعريفي للخدمات، والأماكن التي تجذب السائح، وترغبه. أما منطقة عسير، والباحة، وجازان، وما يتوافر فيها من مناظر خلابة، وأجواء جميلة خاصة في أيام الصيف فيعجز القلم عن ذكر الصعوبات، والمعوقات التي توجد في هذه المناطق، وتحد من الاستثمار السياحي الأمثل رغم أنها من الناحية الطبيعية مهيأة مع غيرها من المناطق والمحافظات لتشكيل مصادر قوة لاقتصادنا.
في يقيني أن هذه المناطق من الممكن أن تتحول إلى وجهة سياحية رئيسية ليس لأبناء المملكة بل لأبناء منطقة الخليج الذين يبحثون عن السياحة البريئة، لكن هذا لا يتحقق ما لم تتوافر شروط، ومتطلبات السائح من سكن جيد، وأماكن نظيفة، وسلوك حضاري يشجع السائح على العودة عدة مرات.
إن المتأمل في مناطق ومحافظات المملكة يجد أنها مليئة بما يميزها، فهذه أماكن مقدسة، وتلك رمال جميلة، وهذا جبل أخاذ، وهناك أجواء لا مثيل لها، كما توجد مناطق يفوح منها عبق التاريخ، وتحتضن بين جوانبها آثاراً تستهوي الكثير من الناس.
إن النخلة التي ارتبطت بهذه البلاد وأجوائها الصحراوية يمكن أن تكون مصدراً اقتصادياً قوياً، وهدفاً يجذب السياح لو خطط وعملت الدعاية الكافية له وأعدت البرامج الجذابة والمغرية لمعرفة أسرار هذه النخلة، وجمالها، وأنواعها، وثمارها. أما منطقة الجوف وقربها من أجواء وبيئة الشام فيمكن أن تتحول إلى بيئة زراعية متميزة في زراعة الزيتون وغيرها من الأشجار غير المعروفة لدينا في السابق وهذا ما بدئ العمل به فعلاً. أؤمن أن التنوع بين مناطق المملكة ومحافظاتها يمثل مصدر قوة للاقتصاد الوطني ويزيده قوة، ويعدد مصادره لكن هذا مشروط بحسن استغلال هذه المقومات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي