كيف تتفاعل سياسة النقد الخليجية مع الصكوك و السندات
تشهد الأسواق الإقليمية للسندات والصكوك حالة من النجاح والقوة. وهذا القول لا يعبر عن الحقيقة الكاملة. فالواقع أنها نشطة وقوية بالفعل، رغم الهزات الأخيرة في سوق القروض السكنية لضعاف الملاءة، وقد جاء نشاطها في أفضل الأوقات بالنسبة للمنطقة.
إن السياسة النقدية الخليجية، التي كانت في الماضي هادئة، تعمل بنشاط محموم هذه الأيام. فالحكومات تصارع الوحش الذي يدعى "التضخم"، ويرى كثير من المحللين ذلك على أنه الفرصة الذهبية للسلطات لتضع سياسة نقدية غير خاضعة لقوى خارجية.
يقول محيي الدين قرنفل، المدير الإداري لشركة إدارة الموجودات الجبرا كابيتال: "حين تكون عملتك مرتبطة بعملة أخرى، فإنك بذلك تقيد يديك، ولا تستطيع أن ترجو أن تكون لك سياسة نقدية موثوقة. إن البنية التحتية للسياسة النقدية تتطلب مؤسسات مستقلة لوضع أسعار الفائدة، وتتطلب أسواقاً للمال والسندات".
وبخلاف السياسات المالية العامة ذات الطابع الشعبوي، فإن الاستجابة العقلانية ينبغي أن تكون تطوير أدوات نقدية نشطة وسوق سندات قوية لتساعد على امتصاص السيولة في أوقات التضخم العالي.
فهل تستطيع بلدان الخليج العربي تحويل هذا التحدي إلى عامل محفز للتغيير واستخدام أسواق السندات القوية كأداة نقدية؟
تشير المؤشرات إلى أن الأسس هي قيد الإعداد حالياً. ففي تقرير حديث من ستاندارد أند بورز، جاء أن سوق الصكوك وحدها ستصل 100 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة. وترى موديز أن إمكانية السندات يمكن أن تصل إلى 50 مليار دولار خلال الأشهر الـ 12 إلى 18 المقبلة، وسيأتي معظمها من الشركات.
ربما يعطي هذا انطباعاً بأن الحكومات الخليجية كانت جالسة على الهامش طول هذا الوقت، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
يقول قرنفل: "قبل عقدين من الزمان، اتخذت الحكومات الإقليمية قراراً واعياً لتعزيز حجم ونطاق القطاع الخاص في الاقتصاديات الإقليمية. إن ثمار هذه السياسة هي شركات كبيرة وتنافسية تمول نفسها بنفسها عن طريق البورصات وأسواق السندات الإقليمية، وفيما يتعلق بالسندات، بدأت الظاهرة بمنتهى الجد بعد 2004، حين جاءت المؤسسات غير المصرفية إلى السوق على نحو قوي وكبير، مثل شركة موانئ دبي العالمية ومجموعة كبيرة من اللاعبين في ساحة القروض الجماعية والسندات الدولية. ونرى الآن الشركات وهي العامل المحرك وراء الإصدارات وهي التي تتصدر وتقود الطريق".
ويوافق فيليب لوتر من موديز على هذا الكلام ويقول إن سوق سندات الشركات الخليجية أثبتت أنها تستطيع الازدهار دون سياسة نقدية فعالة، ولكن ذلك يحد من قدرة الحكومة على ممارسة تأثير مستقل في تكاليف العرض والاقتراض.
سبب آخر وراء جاذبية سوق السندات هو الفتور الذي انتاب أسواق الأسهم الإقليمية خلال السنتين الماضيتين.
يقول دوج بيتكون، من البنك الاستثماري الإسلامي الأوروبي: "إن الأداء السيئ للبورصات المحلية خلال السنتين الماضيتين عمل دون شك على تشجيع كثير من الشركات لتنويع قاعدتها التمويلية بعيداً عن إصدار الأسهم بأسعار متدنية".
ورغم الظروف الحميدة فإن أسواق السندات لم تحقق بعد أقصى طموحاتها، وهو مساعدة الحكومات الإقليمية على تطوير أدوات نقدية.
يقول ماريوس ماراثفتيس، وهو الرئيس الإقليمي لقسم الأبحاث في بنك ستاندارد تشارترد، والذي كان ينادي بقوة بسياسة نقدية مستقلة منذ فترة: "نحن بحاجة إلى أن تكون لدينا أسواق مالية ناضجة، ومن الضروري أن تكون هناك سوق للسندات في المنطقة، حتى وإن لم يكن هناك قدر كبير من المرونة في معدل الحركة. نريد أن نرى تغييرات في أسعار صرف العملات الأجنبية، ولكننا نفهم أنه لا توجد شهية لفك الارتباط بالدولار".
إن الحكومات الخليجية غير راغبة في التصعيد ومجابهة مشكلة السياسة النقدية وجهاً لوجه. على سبيل المثال فإن السعودية لديها سوق سندات فعالة، ولكن لا توجد شهية لفك ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي. نتيجة لذلك فإن السوق أصبحت أصغر وأقل سيولة مع الوقت.
"لتطوير سياسة محلية في أسواق المال والسندات، وحتى تكون في وضع موثوق للجدال حول فك الارتباط بالدولار، فإن الحكومات الخليجية يجب عليها أن تسن القوانين اللازمة، وأن تضع سياسات متوسطة المدى وطويلة المدى، وأن تعمل بصورة مستمرة على تقوية أسواقها إلى أن تصبح راسخة وسائلة".
المدير الإداري لموقع زاوية كوم-جلف نيوز