رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الوضع السيئ لمحطات الوقود يسيء إلى جهود تنمية السياحة

ما من أحد، سواء كان مواطنا أو مقيما، أو زائرا، أو سائحا، إلا ويمر بمحطات الوقود، ويحتاج إلى خدماتها، ولا سيما التي تقع على الطرق البرية الموصلة بين المدن، وهي إحدى الواجهات التي تثير اهتمام الزائر، وتلفت نظره، بما هي عليه من تنظيم ونظافة، وحسن مظهر وتعامل، أو العكس، بحيث يعطي وضع محطات الوقود للزائر لها انطباعا عن الوضع العام في البلد، سلبا أو إيجابا، وهذا هو ما نلحظه عند ما نزور نحن البلدان الأخرى، ونحتاج إلى خدمات محطات الوقود فيها.
وتعد المملكة من أكبر الدول استهلاكا للمشتقات البترولية، بسبب انخفاض سعرها، واتجاه الناس لدينا إلى التفاخر باقتناء المركبات غير الاقتصادية، ومن هذا المنطلق تنتشر محطات الوقود فيها أكثر من أي بلد آخر، وتزدهر فيها هذه الصناعة بسبب الأرباح الكبيرة التي تجنيها! بيد أنها، أي هذه الصناعة، تعد من أسوأ الأمور تنظيما، وخدمة، ورقابة، ابتداء من شكل المحطة، وتصميمها الخارجي والداخلي، الذي لا تكاد تلتقي فيه بضع محطات، ذلك أننا نخضع لوضع غريب هو امتلاك الأفراد لمحطات الوقود، بحيث إن كل من لديه أرض صالحة يستطيع تصميمها كمحطة، في حين تمتلك المحطات في الدول الأخرى شركات متخصصة في مجال توزيع المشتقات البترولية، تقوم بتصميم المحطات وإنشائها بنمط وشكل موحد، ولم يغير من الأمر لدينا وجود بعض الشركات المساهمة العامة في هذا المجال، إذ إن امتلاكها لعدد من المحطات، لا يرتبط بتشغيلها والإشراف عليها، فهذا شأن آخر، مثله مثل سائر المحطات، التي تعبث فيها فوضى اليد العاملة الأجنبية، لأن ثمة عرفا سائدا في المملكة وهو أنه لا يوجد مالك لمحطة يديرها ذاتيا، بل يعهد بهذه المهمة إلى العمالة الوافدة التي تسدد له مبلغا معلوما بداية كل عام، ويتركز همها في جني أكبر مبلغ من التشغيل واستغلال المرافق الأخرى!
إن تصميم المحطات، وشكلها الخارجي والداخلي يمثل أحد مظاهر التخلف، ويسيء إلى مستوى التقدم الذي وصلت إليه المملكة، ولا يتماشى مع كونها تقود العالم في إنتاج البترول وتصديره! وإن المرء ليصاب بالحسرة عندما يقارن وضع المحطات لدينا، من هذه النواحي، بما هو عليه في بعض الدول النامية التي ليس لها علاقة لا بإنتاج البترول ولا بصناعته.
أما إذا التفتنا إلى وضع المحطات من حيث النظافة، فإن الزائر لها سيميز بسهولة أنها أوسخ مكان يمر عليه بين المدن، ويتجنب البعض النزول من سياراتهم كي لا تتسخ ملابسهم، حتى المساجد الملحقة بالمحطات تعج بالروائح الكريهة ومخلفات الزيوت! أما الخدمات المساندة الأخرى مثل توفير ضاغط لقياس وزن الهواء في الإطارات، أو مصادر لمياه نظيفة تزود بها السيارات، فهي معدومة، وغير معترف بها لدينا!
لكن: كل هذه المشكلات تهون أمام مشكلة وضع دورات المياه في المحطات، فليس بوسعك أبدا استخدام دورات المياه أو الاستفادة منها لا في وضوء، ولا في قضاء حاجة، لحالتها القذرة التي تفجع النظر وتزكم الأنوف، ولا يستثنى من ذلك أي محطة من المحطات على الطرق البرية!
كنت قادما من المنطقة الشرقية إلى الرياض في يوم من الأيام، مع عائلتي، ورغم تحذيري لهم بعدم شرب الماء قبل السفر وأثنائه، خوفا من الاحتياج لدورات المياه في المحطات، لعلمي المسبق بحالتها، إلا أنني لم أسلم، فقد احتاج أحد أفراد العائلة لها، فقلت له إنني أعرف أنها غير نظيفة، ولكن لعلك تتصبّر حتى نصل إلى إحدى المحطات التي تملكها تلك الشركة المساهمة العامة، التي حصلت على خمسة ملايين ريال كإعانة حكومية غير مستردة عن كل محطة أنشأتها، فلعلها تكون أكثر اهتماما، بحالة المحطة ودورات المياه فيها! لكن عندما وصلنا ووقفنا على الوضع شعرت بالخجل أمام أطفالي من المنظر الذي شاهدوه، ومن نظراتهم الموجهة لي، وكأنها تلومني، كأحد المثقفين، على السكوت على وضع مثل هذا.
يحسن أن أختم، فالكلام لن يفيد، لأنه سبق الكثير من الشكوى عبر الصحافة من هذا الوضع، لكن لا أحد يتكلم، أو يعترف، أو يغير، رغم أن الكل، حتى الأمراء والوزراء، يمر بهذه المحطات ويعلم وضعها!
فقط دعوني أختم بثلاث ملحوظات لعلها توضح الأمر لمن كان له قلب:
وضع المحطات يسيء إساءة بالغة إلى أي جهود تبذل لتنمية السياحة، إن لم تهدرها بالكامل! تصوروا مثلا، أن حافلة تحمل سائحين أجانب مسافرين إلى زيارة آثار مدائن صالح، تتوقف بالضرورة في إحدى المحطات لحاجتهم إلى دورات المياه، حيث يجدونها كما وجدتها، ويجدها غيري، وكما هي عليه حالها دائما، كيف سيشعرون؟! وما ردة الفعل لديهم؟! وأين يقضون حاجتهم؟! وفيهم نساء!
إن محطات الوقود، وبخاصة على الطرق البرية، لا تخضع لأي نوع من الرقابة والمتابعة، فيما يتعلق بالنظافة وتوفير الخدمات الضرورية، فالبلديات تتبرأ منها لأنها خارج نطاق المدن! ووزارة النقل تتركها للجهة التي رخصت بإقامتها، ووزارة التجارة تترفع عن الاهتمام بأمور مثل النظافة وتوفير الخدمات! لكن ما العمل وضررها يطول الناس كلهم، ويسيء إلى سمعة البلد وأي فرد فيه، بل ويغتال أي جهد يبذل لتطوير السياحة! أقول لعل الهيئة العليا للسياحة تتنبه لهذا الأمر، وتتابع وتلزم كل جهة حكومية بما يجب عليها! أليست هيئة عليا؟!
هذه المحطات تربح أرباحا طائلة، وبإمكانها أن توظف عاملا واحدا براتب ضئيل، لمهمة النظافة فقط، وأولها الاهتمام بدورات المياه، و أنا متأكد أن مبيعات أي محطة ستزيد بمجرد الاهتمام بالحد الأدنى من النظافة، لأن الناس سيتوافدون عليها أكثر من غيرها!.. لكن، من يعلق الجرس؟! والأمر فوضى، كما هو واقع الحال!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي