رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


انعكاسات الأزمة المالية الأمريكية على اقتصادنا

[email protected]

تفاقمت الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بتسارع شديد بعد إفلاس بنك ليمن براذرز، وقيام بنك ماريل لنش ببيع نفسه لبنك أوف أمريكا بسعر متدن، واضطرار الخزانة الأمريكية للاستيلاء على أكبر شركتي رهن عقاري في الولايات المتحدة وهما شركتا فني مي وفريدي ماك بتكلفة قد تصل إلى 200 مليار دولار، وتدخل بنك الاحتياطي الفدرالي بدعم شركة AIG بمبلغ 85 مليار دولار، وأخيراً الاتفاق المبدئي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة على وضع خطة شاملة مكلفة جداً لمنع انهيار نظامها المالي.
هذه الأزمة المالية بدأت كما نعرف جميعاً بانفجار فقاعة القروض العقارية متدنية الملاءة، وهي القروض العقارية المقدمة لأفراد ملاءتهم المالية ضعيفة تم إقراضهم لشراء منازل أسعارها مرتفعة بفوائد عالية، ما جعلهم غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية وتسبب في تفشي ظاهرة سحب البيوت من المقترضين وبالتالي تراجع أسعار العقارات، الذي بدوره كبد المؤسسات المالية الأمريكية المتورطة في هذه القروض خسائر مالية كبيرة.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فمع تزايد حالات الإفلاس في قطاع القروض العقارية قليلة الملاءة تراجعت أسعار العقارات الأمريكية بشكل حاد، الذي كان من نتيجته أن أصبح حتى المقترضين عالي الملاءة مدينين للبنوك بمبالغ أكبر بكثير من القيمة السوقية الحالية لعقاراتهم المرهونة، بالتالي أصبح من مصلحتهم هم أيضا التوقف عن السداد لتسحب منازلهم، ما فاقم من مشكلة الديون العقارية المتعثرة وبالتالي تسبب في مزيد من الخسائر للمؤسسات المالية نتج عنه إفلاسها، أو تهديدها بالإفلاس ما لم تتدخل الحكومة لإنقاذها بالسيطرة المباشرة عليها أو إقراضها مبالغ هائلة.
ولو أن المشكلة توقفت عند هذا الحد لكن الوضع أهون، إلا أنه مع تزايد المخاوف من قدرة المقترضين عالي الملاءة على الوفاء بالتزاماتهم المالية تحولت أزمة الرهن العقاري إلى أزمة ائتمان خانقة، فامتنعت البنوك عن الإقراض بما في ذلك حتى امتناع البنوك عن إقراض بعضها بعضا فلا أحد يعلم أي بنك سينهار في اليوم التالي، وأصبح المستثمرون والمستهلكون يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على تمويل، ما يعني أن الأزمة تهدد بالانتقال من مجرد أزمة مالية فقط إلى أزمة اقتصادية تؤثر سلباً في الاستثمار والاستهلاك والتوظيف وعلى مجمل الاقتصاد الحقيقي، وهو ما أعاد إلى الأذهان الأزمة المالية التي حدثت في الولايات المتحدة عام 1929 والتي تطورت إلى أزمة اقتصادية هائلة تمثلت بالانحسار العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، لذا فقد وجدت الحكومة الأمريكية أنها مضطرة إلى التدخل بقوة ومهما كانت التكلفة المالية لذلك.
ورغم أنه لم تتضح بدقة معالم الخطة الأمريكية لإنقاذ مؤسساتها المالية، إلا أن ما ظهر حتى الآن يشير إلى أن الخطة تتمثل في إنشاء جهاز يتولى شراء الديون المضمونة بعقارات من البنوك الراغبة في بيعها، ما يخرج هذه الديون المتعثرة من القوائم المالية لتلك البنوك وبالتالي يُتفادى إفلاسها. ثم يتولى هذا الجهاز بعد ذلك مهمة إعادة تمويل هذه القروض بصورة تشجع المقترضين على السداد، ما يوقف تدهور أسعار العقارات، وبالتالي ينهي أزمة الرهن العقاري وأزمة شح التمويل المتفاقمة في الاقتصاد الأمريكي. إلا أن هذا الحل ليس بهذه السهولة التي يبدو عليها، فبالإضافة إلى تكلفته المالية الهائلة، والتي تشير التقديرات الأولية إلى أنها قد تصل إلى ما يزيد على 500 مليار دولار، فإن هناك مشكلة أخرى تقف أمام تنفيذ هذه الخطة بالسرعة الكافية وهي أن القروض العقارية متدنية الملاءة تم تداولها مرات عديدة بين البنوك والمستثمرين في أنحاء كثيرة في العالم الأمر الذي يجعل إعادة تجميعها من جديد أمر في غاية الصعوبة.
الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة على اقتصادنا، والتي يعرفها الجميع، تتمثل طبعاً في الخسائر التي يمكن أن تلحق باستثماراتنا الخارجية سواء كانت رسمية أو للمصارف التجارية ومستثمري القطاع الخاص، كما تتمثل أيضا في إمكانية تحول هذه الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية يترتب عليها انكماش اقتصادي في الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي بشكل أعم، ما يؤثر سلباً على سوق النفط العالمية وبالتالي إيراداتنا النفطية.
إلا أن أهم التأثيرات السلبية لهذه الأزمة على اقتصادنا، والذي قد لا يدركه الكثير منا، هو التراجع الكبير المتوقع في صرف الدولار، فهذه الأزمة بدأت بانهيار أسعار العقارات الأمريكية ولن تنتهي إلا بمعاودة أسعارها الارتفاع من جديد، وأفضل وسيلة تحقق ذلك هو تراجع سعر صرف الدولار، الذي يترتب عليه نمو الصادرات الأمريكية وتحسن أداء الاقتصاد الأمريكي، ما يجنبه انكماش اقتصادي يفاقم من أزمة الرهن العقارية والأزمة الائتمانية. فالنمو الاقتصادي المدفوع بارتفاع الصادرات نتيجة انخفاض سعر صرف الدولار يعني أن هذا الانتعاش سيكون أيضا مصحوباً بضغوط تضخمية نسبية، ما يرفع من مستويات الأسعار بما في ذلك أسعار العقارات لتنتهي معه أزمة الرهن العقاري. وعلينا عدم الاغترار بصحوة الدولار الحالية فهي مؤقتة وتمشي في عكس مصلحة الاقتصاد الأمريكي وغير مبررة في ظل التدهور الشديد الذي يعانيه النظام المالي الأمريكي، ما يجعل إعادة تقييم الريال ثم ربطه بسلة عملات أشد إلحاحاً الآن من أي وقت مضى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي