مصادفة ذكرى 11 سبتمبر شهر رمضان ماذا تعني؟
لعل مصادفة ذكرى 11 أيلول (سبتمبر) شهر رمضان فرصة تتطلب منا مراجعة تأثير هذا الحدث في النظرة نحو الإسلام. فالدعوة الإسلامية منذ نشأتها سلكت مسلكا واضحا في ترغيب الناس في الدين الإسلامي عبر السلوك المرغب للدين وتجنب بعض القرارات وإن كانت مشروعة لتجنب تأثيرها السلبي نحو الصورة العامة للإسلام. فحماية صورة الإسلام والمسلمين أولوية من أولويات نبي الرسالة والرحمة ـ صلى الله عليه وسلم. لذا لم يقتل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض المنافقين مع معرفته بهم من أجل حماية الصورة العامة نحو الإسلام والمسلمين"خشيته أن يعتقد الناس أن محمدا يقتل أصحابه".
عند مراجعة التراث الإسلامي من أجل تحديد النمط السلوكي للمسلمين نجد أن سلوك وأخلاق رسول الأمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ اختزلت وصفه أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر في ثلاث كلمات حين قالت "كان خلقه القرآن"، بل إن بعض من وصف خلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر "أنه قرآن يمشي على الأرض". فشهر رمضان فرصة للمسلمين من أجل مراجعة السلوك النبوي بالتخلق بأخلاق القرآن في شهر القرآن. كما أن ذكرى 11 من أيلول (سبتمبر) فرصة لمراجعة أولويات خطابنا الديني. فمن المؤسف أن خطابنا الديني ركز على بعض المواضيع التي لا تعد ركيزة حقيقية للالتزام الحقيقي بالإسلام أو التدين. فمفهوم التدين من المفاهيم التي تحتاج إلى تمحيص حقيقي من أجل تحقيق مفهوم التدين وفق المنهج النبوي. فإذا كان مفهوم الإرهاب من المصطلحات التي لم يتم الاتفاق على تعريف موحد له، فإننا في حاجة ماسة إلى اتفاق علماء الدين من مختلف بلدان العالم الإسلامي على تعريف محدد للتدين حتى لا يلصق التدين والإسلام بالإرهاب.
من الجميل جدا اعتبار حسن الخلق من أهم المعايير لقياس التدين الحقيقي. فعلى الرغم من كثرة اختلاف العلماء في عديد من القضايا إلا أن حسن الخلق من القضايا المجمع عليها بين علماء الدين على اختلاف مذاهبهم. ولعلي أستشهد بقول لجعفر بن أبي طالب عندما اختاره المسلمون الممثل الشرعي لهم للإجابة عن أسئلة النجاشي التي بدأها بسؤاله عن "الدين الذي فارقتم فيه قومكم واستغنيتم به عن ديننا؟" نهض جعفر بن أبي طالب وقال:"يأيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان.. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء.. ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات.. فصدّقناه وآمنّا به، واتبعناه على ما جاءه من ربه، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا، إلى آخر حديثة مع النجاشي.
فهل من الممكن اعتبار القضايا التي عبر عنها جعفر بن أبي طالب أساسا في تحديد مقياس التدين الحقيقي؟
نحن في حاجة ماسة إلى تحقيق إحدى الغايات التي من أجلها بعث رسول صلى الله عليه وسلم حينما قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
لعل خطابنا الديني يحتاج إلى التركيز على القضايا غير المختلف عليها بحيث تكون ركيزة أساسية للتدين. فقضايا حسن الخلق والتخلق بأخلاق القرآن من أهم ما ينقص المسلمين اليوم. فنفي تهمة الإرهاب عن المسلمين لا يكون بمجرد التصريحات النافية بل بتعزيز السلوك الإسلامي, الذي بدوره يبرهن عمليا على أننا ضد الإرهاب. فإذا استطعنا إحداث تغيير حقيقي في مفاهيم المسلمين اليوم للعودة بهم للتخلق بأخلاق الإسلام نكون قد دحضنا تهمه الإرهاب عنا كمسلمين عمليا. لذا فإن الخطاب الديني مطالب بتعزيز التخلق بأخلاق القرآن كمعيار حقيقي للتدين.
القرآن الكريم نزل ليكون منهجا للحياة بما فيها المنهج السلوكي والمنهج الدستوري. من المؤسف أن المنهج السلوكي لم يتم التركيز عليه بدرجة التركيز نفسها على المنهج الدستوري، ما أسهم في اجتزاء النظرة للقرآن. فالجماعات السياسية, خصوصا ممن رفعت شعارات إسلامية كجماعة الإخوان المسلمين التي ركزت على النظرة الدستورية للقرآن من أجل تحقيق مكاسب سياسية وشعبية, خصوصا بعد مشاركتها الانتخابية البرلمانية. فشعار تطبيق الشريعة والحاكمية أسهم بشكل كبير للتسويق للمشروع الإخواني بعيدا عن الاهتمام بتعزيز السلوك الإسلامي داخل المجتمع.
مع الأسف أن منهج البعض منا في التعامل مع القرآن ينطبق عليه الوصف النبوي لأحد الخوارج عندما قال "إن ناسا من متى سيماهم التحليق - حلق شعر رؤوسهم - يقرأون القرآن لا يجاوز حلوقهم, يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية, هم شر الخلق والخليقة".
فقراءة القرآن ليست الفيصل بين أهل الإيمان وأهل الأهواء، فالخوارج يشتركون مع أهل الإيمان الحق في قراءة القرآن لكنهم لا يتعاملون معه وفق الإطار النبوي الصحيح.
فالنظرة للقرآن في جانب دون آخر هي السمة المشتركة بين أهل الأهواء جميعا. فالخوارج تم وصفهم في الأحاديث السابقة الذكر وكيفية تعاملهم مع القرآن، كما أن الإخوان المسلمين رفعوا شعارات متعددة بل إن رفع المصحف أحد ما يميز جماعة الإخوان المسلمين دون غوصهم بالتخلق بأخلاقه.
لذا فإننا في حاجة إلى دعم السلوك القرآني من أجل تحقيق أفضلية الأمة الإسلامية على غيرها من الأمم. فالخطاب الديني مطالب بإعادة النظر في ترتيب أولوياته, خصوصا بعد أن اتهمنا كداعمين للإرهاب. فالتخلق بأخلاق القرآن هو ما نحتاج إلى تصديره للعالم.
على الرغم من كثرة الخلافات بين العلماء في قضايا المعاملات والعبادات لكن قضية التخلق بأخلاق القرآن من القضايا غير المختلف عليها. فمثلا لا يوجد خلاف بين العلماء على وجوب طاعة الوالدين والأمانة والصدق واحترام الكبير والتواضع وغيرها. كما لا خلاف بين العلماء على حرمة الحسد والغيبة والنميمة والغش في التعامل.
أجد أن مصادفة أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) شهر رمضان فرصة مواتية لمراجعة أولويات خطابنا الديني بحيث يرفع شعار حسن الخلق كأولوية للخطاب الديني.