رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أحجار الدومينوز تتساقط

[email protected]

بيرستيرنز وليمان براذرز وميريل لنش أسماء تغيب عن عالم الاستثمار بعد أن تربعت على قمته في نيويورك لعشرات السنين. بيرستيرنز اختفى عن الخريطة الاستثمارية مطلع العام الحالي على إثر خسائر صناديق التحوط المملوكة له بسبب سندات الرهن العقاري في الوقت نفسه الذي كانت فيه ليمان براذرز تؤكد متانة وضعها المالي. بعد أقل من ستة أشهر لا تجد ليمان براذرز من يشتريها وترفض الحكومة الأمريكية ممثلة في كل من الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية انتشالها وينتهي الأمر بإعلان ليمان براذرز إفلاسها يوم الإثنين الماضي. ميريل لنش والتي يتوقع أن تكون ثالث أحجار الدومينوز سقوطاً تسبق الأحداث وترتب عملية استحواذ مع بنك أوف أمريكا بقيمة تقدر بـ 50 مليار دولار أمريكي. عملاق التأمين AIG رابع أحجار الدينموز يواجه صعوبات تتعلق بمحفظته الاستثمارية وتحديداً في استثماراته في عقود مبادلة الديون CDS’s والتي تمثل في مجملها عملية تأمين ضد الإفلاس. ونتيجة لتزايد حالات الإفلاسات، تجد AIG نفسها مضطرة إلى تسوية حيازاتها من هذا النوع من الأصول مما نتج عنه خسائر كبيرة أدت إلى التهديد بتخفيض تصنيفها الائتماني.
وكما أشرت في مقال الأسبوع الماضي إلى أن هذا التقدم والتعقيد المذهل في عمليات التمويل، وإن ظهر وكأنه يعمل على تنويع القاعدة المالية للاقتصاد، إلا أنه ينطوي على مخاطر كبيرة يكون من الصعب تفادي نتائجها. إذ إن هذا التعقيد يؤدي إلى تقليل الشفافية التي تعد صلب النظام المالي والمصرفي في الدولة، ومن ثم يتيح للمديرين التنفيذيين في تلك المنشآت المالية القدرة على تبني مخاطر عالية تفوق قدرة المنشأة المالية ويصعب على ملاك الأسهم استيعابها ومن ثم تحديد جدواها المالية. وهذا بالتالي يؤدي إلى جر الاقتصاد ككل، وليس تلك المؤسسات المالية فقط، إلى السير على حافة جرف هار، فإذا انهار جزء، اختل معه توازن الاقتصاد وانهار بالكامل، تماماً مثل أحجار الدومينوز التي تتكأ على بعضها البعض. ولأخذ فكرة عن مدى التمادي في استغلال هذه الأدوات المالية خصوصاً المشتقات المالية يمكن النظر إلى القيمة السوقية لعقود مبادلة الديون CDS’s بين عامي 2005 و2007. فقد بلغت قيمة تلك العقود في نهاية 2007 ما قيمته 45 ترليون دولار مرتفعة من 28 ترليون دولار في عام 2006 و13 ترليون دولار أمريكي في عام 2005. أي أنه فيما بين العامين 2005 و2007 تضاعفت قيمة عقود المبادلة بأكثر من ثلاث مرات، مما يعطي فكرة عن ارتباط ذلك بنقطة تشبع لم يستطع بعدها الاقتصاد الأمريكي تحمل أكثر من ذلك.
ومن هنا تنبع أهمية الدور الذي تقوم به المؤسسات التشريعية والرقابية للتأكد من عدم تجاوز تلك المؤسسات المالية لحدود المخاطرة المعقولة والتي لا تهدد الاقتصاد ككل. إذ يلقي الكثير من الاقتصاديين اللوم على هيئة الأسواق المالية الأمريكية SEC بسبب الليونة التي مارستها في التعامل مع تلك المؤسسات وسماحها لها بتجاوز الحدود المقبولة للمخاطر الاستثمارية وعدم عملها على حماية المستثمرين الأفراد، إضافة إلى عدم كفاءة مؤسسات القرار الاقتصادي الأخرى كالاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية في التنبؤ بما حدث على الرغم من توافر عدد كبير الشواهد على المسرح المالي تثير القلق بشأنه. وهنا يشير هارفي بيت الرئيس السابق لهيئة الأوراق المالية الأمريكية إلى أن ما حدث لكل من ليمان بروذرز وبيرن ستيرنز يؤكد على هشاشة الأسواق المالية كما سيشجع صانعي القرار على تبني المزيد من القرارات التي تحد من قدرة تلك المنشآت ومديريها التنفيذيين على تبني مخاطر عالية تهدد الاقتصاد في مجمله.
لكن كيف سيؤثر ذلك في الوضع الاقتصادي في منطقة الخليج؟ ليس هناك من أحد في العالم سيكون بعيداً عن التأثر بانهيارات البنوك الاستثمارية وذلك لارتباط المؤسسات المالية في العالم بشبكة معقدة. فسقوط بنك في اليابان مثلاً قد يتبعه سقوط بنك آخر في المكسيك اعتمادا على علاقة الائتمان المصرفي، فيما بين البنكين. وقد يكون هناك انهيار لبنك آخر ولكن بشكل غير مباشر نتيجة تأثر هذا الأخير بالاضطراب الذي أحدثه البنك الياباني (بسبب كبر حجمه) في أسواق الائتمان. وبسبب انكشاف البنوك الخليجية بشكل كبير على أسواق الائتمان العالمية خصوصاً الأمريكية منها، فإنه لا بد أن يكون هناك تأثير سلبي في أدائها خلال الفترة المقبلة. لكن تحديد درجة هذا التأثر مرهون بمعرفة حيازات تلك البنوك والمؤسسات المالية من المشتقات المالية وسندات الرهن العقاري. والخطر الأكبر الذي يواجه المؤسسات المالية الخليجية هو ارتفاع نسبة الديون العقارية في محافظها الاستثمارية خصوصاً في السنوات الأخيرة، وبسبب عدم سهولة تسييل هذه المحافظ، فإن أي اهتزاز مالي في القطاع المصرفي الخليجي ستكون نتائجه غير محمودة العواقب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي