خبراء اقتصاديون: قيود الأسعار تأتي بنتائج عكسية والحل الأمثل الدعم المباشر للمحتاجين
حين تولى منصبه في عام 1985 أمر رئيس بيرو الان جارسيا بتقييد أسعار الأرز والسكر وسلع أخرى في محاولة لإبقاء هذه المواد الغذائية الأساسية في متناول أيدي مواطني بلاده الفقيرة. ولكن مع تناقص السلع وظهور السوق السوداء اضطر المواطنون إلى الوقوف في صفوف لساعات للحصول على المواد الغذائية الأساسية وبعد خمس سنوات انهارت رئاسته نتيجة التضخم المفرط.
وفيما تواجه بيرو وبقية دول العالم ارتفاعا جديدا في أسعار المواد الغذائية رفض جارسيا الذي أعيد انتخابه تقييد الأسعار مستفيدا من خبرته السابقة. وقال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالات دولية أخرى إنه يحسن أن تقتدي دول أخرى ببيرو.
ومن الأرجنتين وفنزويلا إلى روسيا والصين وتايلاند تواجه الحكومات تحدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية بتقييد الأسعار - أي تثبيتها دون مستوى سعر السوق - على أمل تخفيف العبء الذي يتحمله المواطنون وتفادي قلاقل اجتماعية.
ويقول اقتصاديون دوليون إن أدلة من أزمات سابقة تشير إلى أن مثل هذه الإجراءات لا تعكس اتجاه الأسعار وقد تنتهي بأثر عكسي. ويفضل هؤلاء الاقتصاديون مساعدة الفقراء عوضا عن ذلك.
ويقول دون ميتشيل الاقتصادي في البنك الدولي "ينبغي على الحكومات أخذ خطوات مركزة بتقديم دعم مباشر للفقراء بدلا من البلد بأسره. تقديم دعم نقدي أو مساعدة غذائية أكثر فاعلية واستمرارية من خطوات عامة على المستوى الوطني".
ورغم أن أسعار المواد الغذائية آخذة في الارتفاع منذ عام 2001 فإن الوضع تزامن في العام الماضي مع ارتفاع حاد في أسعار النفط تاركا الكثير من الحكومات تصارع لإيجاد حلول سريعة أو تتحول إلى أدوات قديمة. ووجدت حكومات كثيرة أن أسرع
وأسهل الحلول وأكثرها شعبية التحكم في الأسعار.
وفي الصين حيث بلغت نسبة التضخم أعلى مستوى في 11 عاما قيدت السلطات أسعار مجموعة من السلع من المكرونة سريعة التحضير إلى الحليب ووصفت الخطوة بتدخل مؤقت لمحاربة ارتفاع نسبة التضخم. وهذه أول مرة في أكثر من عقد تتدخل فيها بكين في سوق الغذاء.
وفي تايلاند تتخذ الحكومة خطوات مماثلة بشأن المكرونة سريعة التحضير وزيت الطعام وفي روسيا تحاول الحكومة وضع حد أقصى لأسعار الخبر والبيض واللبن. وفي المكسيك تحاول الحكومة فرض قيود على أسعار خبز تورتيا المحلي بعدما شهدت احتجاجات وتفرض فنزويلا قيودا على أسعار مواد غذائية رئيسية مثل اللبن والسكر.
وأدرج البنك الدولي 21 دولة على قائمة للدول التي تقيد أسعار المواد الغذائية الأساسية وتشمل أيضا روسيا ومنغوليا وكازاخستان والكاميرون واليمن وجامايكا ومصر وتونس وجزر المالديف وباكستان وبنما.
ويحذر اقتصاديون دوليون من أن قيود الأسعار وأساليب التدخل الأخرى تؤدي إلى مشكلات في السوق مثل نقص الإمدادات لأنها لا تشجع على الإنتاج المحلي والتصنيع والتجارة وتمنع حلول السوق. وبالفعل اكتشفت بعض الدول صحة هذا الرأي.
وكانت الأرجنتين قد فرضت ضريبة على صادرات الحبوب، إضافة إلى التحكم في أسعار المواد الغذائية المحلية إلى أن هزتها احتجاجات المزارعين في جميع أنحاء البلاد على هذه الإجراءات مما أدى إلى نقص في اللحوم ومنتجات الألبان وتوقف صادرات الحبوب.
وفي الوقت ذاته أعلنت حكومة ماليزيا مراجعة القيود على أسعار 21 سلعة غذائية مثل الحليب، اللبن، الملح، الطحين، الدقيق، القمح، والأرز لأنها أدت لنقص شديد وعمليات تهريب.
ويقول خبراء إن القيود يمكن ان تنجح فقط حين تمثل المواد الغذائية الأساسية حصة صغيرة من إجمالي إنفاق الأسرة وعندما تنفد لفترة قصيرة مثلما يحدث في المغرب في شهر رمضان. وإذا فرضت القيود لفترة أطول من اللازم تزيد احتمالات قفزات كبيرة للأسعار وعدم استقرارها.
وفي الدول الفقيرة حيث يمثل الغذاء جزءا كبيرا من مشتريات المواطنين يكون تأثير الزيادة العالمية لأسعار السلع أكبر ويصبح التوصل لسياسة سليمة للتصدي للوضع أمرا حيويا.
ويستورد اليمن نحو مليوني طن من القمح سنويا وقد شهد تضاعف أسعار القمح ومنتجاته ليقع عدد أكبر من المواطنين في براثن الفقر.
ويقول تيرومالاي سرينفاسان الاقتصادي في البنك الدولي في اليمن "ما لم يتخذ إجراء فإنه – الغلاء - قد يبدد ما تحقق من مكاسب للحد من الفقر في البلاد في الفترة من عام 1998 إلى عام 2005 بالكامل". وقد تبدو قيود الأسعار حلا سريعا مغريا إلا أنه ليس هناك ما يثبت نجاحها في الحد من التضخم.
ويقول ديفيد اوردين من معهد أبحاث سياسة الغذاء الدولي "الخبرة التاريخية تفيد بأنها (القيود) نادرا ما نجحت لفترة طويلة".
وأضاف "بالنسبة للدول النامية المستوردة للمواد الغذائية تصبح خطوة مكلفة ماليا للحكومة". وتلجأ الدول ذات الموارد المالية المحدودة لطبع نقود مما يؤدي إلى التضخم.
وفي عام 1971 جمد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الأجور والأسعار لمدة 90 يوما لتهدئة التضخم الذي تجاوز 4 في المائة، وهو مستوى نظر إليه حينئذ على أنه غير محتمل.
وتحولت الأيام الـ 90 إلى نحو ألف يوم وحين ألغيت معظم القيود على الأجور والأسعار في نيسان (أبريل) 1974 كانت نسبة التضخم في الولايات المتحدة قد تجاوزت 10 في المائة.
وبالمثل يرى مسؤولون حكوميون في الصين ودول نامية أخرى أن قيود الأسعار الحالية إجراء مؤقت ويصرون على أنها لن تسبب مشكلات طويلة الأجل.
ففي الصين قالت الحكومة إن تدخلها لا يهدف "إلى تجميد الأسعار" حسب البيان الرسمي الصادر في كانون الثاني (يناير) ولكن لوقف زيادة الأسعار "غير المعقولة" والحد "من توقعات المواطنين للتضخم".
وقالت الحكومة في ذلك الحين إنها "سترفع الإجراءات حين تهدأ الأسعار ولكن في الوقت الحالي من الضروري أن تتدخل الحكومة لأن أسعار بعض المنتجات سجلت زيادة كبيرة".
ويقول البنك الدولي إن السبيل للتعامل مع الأسعار الأعلى أن تحل الحكومات المشكلة بدعم نقدي موجه وبرامج تغذية ودعاها للابتعاد عن دعم اقتصادي كامل أو سياسات تجارية لا يمكن التنبؤ بها.
ويقول سايمون جونسون كبير الاقتصاديين في البنك الدولي "بصفة عامة لا نحب قيود الأسعار. ندرك أن الحكومات تريد في بعض الأحيان توفير الحماية من الصدمات .. وإبطاء تأثيرها في المستهلكين".
وأعيد انتخاب جارسيا بعد 20 عاما من ولايته الأولى وهو يركز هذه المرة على القيود الائتمانية للتحكم في التضخم، وهو اتجاه أكثر تقليدية في أعين صندوق النقد والبنك الدولي.
وصرح جارسيا للتلفزيون المحلي في آذار (مارس) "أسعار المنتجات الأساسية ترتفع ... الغاز والنفط والذرة والدجاج والخبز. هذا ما يستشعره المواطنون وأنا أدرك ذلك ولكن لا يمكنني أن آتي بمعجزة لأحمل العالم على خفض الأسعار".