رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السياحة في بلادنا تسير عكس التيار

[email protected]

بدأت فكرة السياحة في بلادنا قبل سنوات معدودة وهي في نمو نتمنى أن يكتب له النجاح حتى نستمتع بما حبا الله به بلادنا من طبيعة خلابة وهواء عليل ونحفظ أموالنا وأبناءنا من السفر والترحال إلى مناطق مشبوهة وغير آمنة. وقام المهتمون بهذا القطاع الواعد بالعمل المتواصل لتوفير الخدمات السياحية للمواطنين بكل جد ومثابرة يحدوهم الأمل في تنمية هذا القطاع حتى يكون مصدرا رئيسا من مصادر الدخل الوطني.
ما دفعني لكتابة هذا المقال مغالاة بعض الفنانين السعوديين في أجورهم عندما يتم التفاوض معهم للغناء في المهرجانات المحلية والإقليمية. فبعض الفنانين يشترطون في الليلة الواحدة ما يقارب 200 ألف ريال سعودي والبعض الآخر لا يثق بالريال فيستبدل تقييم جهده بسلة عملات كالدولار ونحوه. وما أدهشنا أن بعض منسقي البرامج السياحية يتباكون على هذا الوضع لدرجة أن أحدهم يتوسل للفنانين ويناجي حسهم الوطني لعلهم يرضون بتخفيض أجورهم وكأن صيفنا أبتر ومعدوم البركة إذا لم يختتم بسهرة غنائية يتحفنا فيها شحرور النفود أو بلبل الدهناء. ومن هذه المعلومات السطحية نستطيع تقدير تكلفة إقامة حفلة غنائية واحدة يشارك فيها عدد من الفنانين تبدأ من بعد صلاة العشاء إلى قبيل صلاة الفجر بمليون ريال. والسؤال الآن: أما كان من الأصلح صرف هذه الأموال في استكمال البنية التحتية للسياحة الوطنية لتكون عونا على انطلاق البرامج السياحية التي سيستفيد منها الجميع؟

لا شك أن الفنون تنشط فعاليات الصيف ولكن ليس لدرجة أن نخطب ود فنان من الدرجة الثالثة أو الثانية أو حتى الأولى ليشاركنا فعاليتنا، فبإمكاننا أن نقدم برامج صيفية وسياحية قمة في الإتقان والمتعة والروعة من دون مشاركة أهل الفن. وفطن بعض الدول لهذه الحقيقة فتعرفت في البداية على نوعية السياح، ثم صممت برامجها وفقا لرغباتهم. ومن أمثلة ذلك ما أقدمت علية إمارة الشارقة التي أدركت مبكرا فكر ورغبات مواطني دول مجلس التعاون فصممت برامجها وفقا لهذه الفئة كما أبدعت في إيجاد البديل المناسب، وما "منشد الشارقة" إلا دليل على عبقرية منظمي الحفلات الترفيهية في إمارة الشارقة.
الشركات السياحة, ومن ضمنها شركات الترفيه والوجبات السريعة, عندما تهم بغزو الأسواق فإن أول ما تبدأ به التعرف على عادات البلاد وثقافة الناس. فعلى سبيل المثال: شركة ماكدونالدز للوجبات السريعة تقدم الخنزير كوجبة رئيسة في أمريكا ودول أوروبا والشرق الأقصى، لكنها تتحرج أن يكون ضمن أصنافها في البلاد العربية والإسلامية. ولو قدر لشركة والت ديزني) للترفيه أن تستثمر في بلادنا فهل تتوقع أن تتبع أسلوبها نفسه في باريس وتنزانيا؟ لا أظن داهية كـ "والت ديزني" ترتكب حماقة كهذه، لأنها تعلم أن أبناء الجزيرة العربية يهوون القنص، والتطعيس، والتسوق، وكرة القدم، وهذا لعمري سبب بطء تطور السياحة في بلادنا.

إنني أنادي منظمي برامجنا السياحية أن يقدموا ما يريده الناس والحذر من السير عكس التيار. ولا يكونون كالذين استغرقوا وقتا طويلا حتى تعلموا هذا الدرس. فالبنوك الوطنية على سبيل المثال أدركت بعد عقود من التخبط والإفلاس أن الاستمرار في تقديم قروض ربوية ومضادة معتقدات المتعاملين لن يكتب لها النجاح فكيفت معاملاتها المالية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. كما غاب هذا الدرس عن بعض الشركات السعودية التي طرحت جزءا من رأسمالها للاكتتاب العام، فأظهرت نفسها كقوة اقتصادية كبرى ومركزا ماليا ضخما وأغفلت ثقافة البلد ورغبات المساهمين فكان الفشل حليفها.

المواطنون والخليجيون الذين يقصدون مصايفنا لا يمكن أن يكون من أولوياتهم الترفيهية البحث عن الفن بأشكاله، ولا نحتاج إلى عقلية (أينشتاين) لندرك حقيقة كهذه. فالذين يرغبون في ذلك يولون وجوههم شطر مدن ومهرجانات عربية ودولية سبقتنا إلى هذا الترف كمهرجان "جرش" في الأردن ومهرجان "قرطاج الدولي" في تونس. السائح الذي يقصدنا له خصائص فريدة مستمدة من موروثنا الثقافي. كما أن طموحاته الترفيهية بسيطة ومعقولة وفي متناول اليد ومن السهولة تحقيقها. إنه يأنس برؤية الطبيعة الخلابة والهواء العليل والسهرات البريئة واحتساء القهوة العربية والشاي على الأراك تحت ظلال الأشجار. السائح الذي يقصدنا مضياف تبهره الموائد الفاخرة والمأكولات والمشروبات الخالية من الأوبئة. إنه يشتاق لزيارة صديق حميم أو قريب ودود ويشد الرجال من أجل هذا أو ذالك. السائح الذي يقصدنا تستهويه المحاضرات والأمسيات الشعرية, ولا نقصد المحاضرات والأمسيات الشعرية التي تقام على استحياء في بعض المراكز والنوادي الأدبية يحضرها من يعاني الأرق فما هي إلا لحظات حتى ينغمس في نوم عميق. نقصد محاضرات تثقيفية ترفيهية يعد لها بعناية تتخللها استراحات وعروض مسرحية وأفلام وثائقية تكون مزيجا بين ثقافة وحوار ومتعة، خليط بين الجد واللهو. فالصيف فرصة لترويض وتهذيب وتثقيف المجتمع على الطريقة التي يريدها وليست على الطريقة التي نفرضها حتى يسهل قيادته وتوجيهه.

فلنصمم برامج تليق بعقلية وطموح السواد الأعظم من الناس ثم نترقب النتائج، وإن عجزنا فما العيب في أن نطلب العون من أشقائنا وأصدقائنا في الدول الأخرى؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي