تحليل: ثبات سعر الريال يضبط السيولة ويدعم المستثمرين ويشجع الادخار
اعتبر تحليل مالي أن نظام سعر الصرف الثابت في السعودية (عدم التسرع في تغيير السعر أو علاقة الريال بالدولار), يمثل مرساة لسياسة مالية مستقرة وذات مصداقية، ويساعد على خفض الضغوط التضخمية المقترنة بخفض سعر صرف العملة. ويقول التحليل الذي أعده الدكتور خالد البسام الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، إن وجود نظام سعر صرف ثابت – كما هو الحال في المملكة – تتلاشى معه مخاطر الصرف، وهذا يحافظ على ثقة المستثمرين بالعملة المحلية مما يشجع على الادخار والاستثمار ويحفز تدفق الرساميل من الخارج. ومن ضمن مزايا ثبات سعر الصرف أنه يحد من التوسع العشوائي للسيولة.
لكن المحلل المالي يضع في المقابل عددا من النقاط السلبية التي تنتج عن سياسة ارتباط الريال بالدولار, ومن بينها أن مؤسسة النقد لا تستطيع تبني سياسة نقدية تتواءم مع المتغيرات والتطورات التي تحدث في الاقتصاد السعودي.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
تقوم أسعار الصرف بدور مهم على مستوى الاقتصاد ككل، حيث تؤثر التقلبات في أسعار الصرف على التضخم المحلي وأسعار الفائدة والاستثمار المحلي والأجنبي والأسواق المالية باختلافها وميزان المدفوعات، فيؤثر كل ذلك في مجمل النشاط الاقتصادي.
ومن سوء الحظ فقد شهد العالم منذ ثلاثة عقود درجة كبيرة في التقلبات في أسواق الصرف الأجنبي وبالذات أسواق صرف العملات الرئيسة، الأمر الذي أدى إلى قدر كبير من الشكوك في الأسواق المالية على إطار العالم, ما زاد في تكلفة الاستثمار في مختلف الدول، كما شجع المضاربات في الاستثمارات قصيرة الأجل على حساب الاحتياجات طويلة الأجل لأغراض الاستثمارات المنتجة.
وعلى ضوء ما تقدم أعلاه، فإن سعر الصرف يعد أداة مهمة من أدوات السياسة الاقتصادية، لذا فمن الأمور المهمة لتطور واستقرار وسلامة أي اقتصاد أن يحدد سعر صرف لعملته على مستوى مناسب، وأن يبقى هذا المستوى للمدى المتوسط على الأقل فهذا يقتضي رسم سياسات سعر صرف مناسبة وصحيحة تعمل على تحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي لأي اقتصاد على حد سواء.
من المفيد إعطاء خلفية تاريخية للتطورات التي مرت بها أسعار الصرف من خلال إلقاء الضوء على بعض النظم النقدية العالمية التي مرت على العالم وصولاً إلى النظام النقدي العالمي الحالي الذي يشهد العالم فيه حالة تقلبات واسعة ومتكررة في أسعار صرف العملات وبالذات العملات الرئيسة، وهذا يساعدنا على فهم التطورات التي مر بها الدولار كعملة دولية رئيسة، حيث يعد المكون الرئيس للسيولة العالمية والعملة الرئيسة المستخدمة في تمويل التجارة والاستثمار الدوليين، كما يعد العملة الرئيسة المكونة للاحتياطي الأجنبي في كثير من الدول.. كل ذلك سيساعدنا على فهم التطور الذي مر به الريال والعلاقة بينه وبين الدولار.
إن الغاية الرئيسة للنظام النقدي عبر التاريخ تجسدت في الحرص على تحقيق أكبر قدر من استقرار أسعار الصرف والعمل على تجنب التقلبات في أسواق الصرف الأجنبي، إلا أن التجربة الفعلية للنظم النقدية الدولية التي مر بها العالم خلال فترات متعاقبة وصولاً إلى النظام النقدي الحالي كانت مزيجًا من النجاح والفشل.
هل لاتفاقية "بريتون وودز" دور في ظهور الدولار كعملة عالمية؟
ونتيجة للتجربة بين الحربين العالميتين فقد اجتمع في عام 1944 وزراء مالية 44 دولة في مصيف "بريتون وودز" (Bretton Woods) الأمريكي، حيث نتج عن هذا الاجتماع اتفاقية "بريتون وودز" أو ما يسمى "بنظام بريتون وودز". وبموجب هذه الاتفاقية فقد أسس المجتمع الدولي نظام سعر تبادل ثابت، حيث قررت هذه الدول ربط عملاتها بنسب محددة مع الدولار الأمريكي, وربط الدولار بقيمة محددة من الذهب، حيث كانت كل أوقية ذهب تساوي 35 دولارًا أمريكيًّا.
الارتباط العالمي بالدولار
يعود قرار ربط سعر صرف العملات الدولية بالدولار الأمريكي لعدد من الأسباب هي:
يعد الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم، حيث برزت الولايات المتحدة الأمريكية كأقوى قوة اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية.
تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مخزون من الذهب في العالم.
يعد الدولار العملة الرئيسة المستخدمة في تمويل التجارة والاستثمار الدوليين.
وقد بدأ هذا النظام عمله بعد إنشاء صندوق النقد الدولي في كانون الأول (ديسمبر) 1945 حيث كلف بمسؤولية تعديل أسعار صرف العملات عند الحاجة كأحد مهامه، كما يعمل الصندوق بموجب نظامه على تشجيع استقرار أسعار الصرف والمحافظة على أسعار الصرف باستخدام الاحتياطات الرسمية للتدخل في أسواق الصرف الأجنبي.
نظام بريتون
ونجح نظام " بريتون وودز" الذي استمر من عام 1946 حتى عام 1973 في:
تحفيز النمو الاقتصادي في مناطق كثيرة من العالم.
تقليص القيود على التجارة والعملات الأجنبية، وكمثال على هذا النجاح فقد حققت التجارة العالمية متوسط معدل نمو سنوي بلغ 6 في المائة بين عامي 1953 و1963 و9 في المائة سنوياً بين عامي 1963 و1973.
وسار نظام "بريتون وودز" الذي شكّل الدولار الأمريكي فيه العمود الفقري سيرًا حسنًا طالما كان الدولار قويًّا وحظي بثقة العالم، وكما أسلفنا أعلاه فإن الولايات المتحدة الأمريكية برزت بعد الحرب العالمية كأقوى قوة اقتصادية في العالم، كما كان لديها نحو ثلثي الذهب النقدي العالمي في نهاية الحرب العالمية الثانية، لذلك فقد كان بإمكانها ضمان قابلية تحويل الدولار إلى ذهب. فارتباط جميع العملات بالدولار وارتباط الدولار بالذهب كان مصدر استقرار مهما. وقد ارتأى البعض أفضلية الدولار على الذهب بحجة أنك إذا أردت ذهبًا يمكن أن تحول الدولار الذي بيدك إلى ذهب وفق السعر المعتمد وهو 35 دولارا للأوقية . من هنا فقد شكل الدولار الجزء الأكبر من الاحتياطات الأجنبية لمعظم الدول.
وفي أواخر الخمسينيات بدا واضحًا أن النمو في مخزون العالم من الذهب النقدي غير كاف لتوفير السيولة من الدولارات التي يحتاج إليها لتمويل النمو في الاستثمارات والتجارة الدوليين، كما أن العجز المتواصل في ميزان المدفوعات الأمريكي, وكذلك العجز في الميزانية الفيدرالية أسهم في إحداث نمو متسارع في حجم السيولة من الدولارات في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.
هل إلغاء اتفاقية "بريتون وودز" إيذانًا ببداية أزمة الدولار؟
وتأسيسًا على ما تقدم أعلاه فقد بات واضحًا أن الخزانة الأمريكية لا تستطيع تغطية الحجم المتزايد من سيولة الدولار بالذهب، فقد أدرك العالم أن الدولارات المتراكمة في الخارج (السيولة العالمية في الدولارات) تفوق مخزون الذهب الأمريكي إذا ما أراد العالم تبديل دولاراته بذهب الخزانة الأمريكية، فستفرغ هذه الخزانة خلال فترة قصيرة جدًّا. واستشعارًا بخطورة الموقف فقد سارعت إدارة الرئيس نيكسون في شهر آب (أغسطس) 1971 بفك الارتباط بين الدولار والذهب أو إلغاء اتفاقية "بريتون وودز".
وبعد انهيار اتفاقية "بريتون وودز" فقد أصبحت جميع الدول حرة في اختيار نظام سعر الصرف المناسب لها لتتأرجح بين قطبين أحدهما التعويم والآخر الربط. أما أكبر خمس دول صناعية (الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، إنجلترا، وفرنسا) التي تشكل عملاتها الغالبية العظمة للاحتياطيات الدولية فقد اختارت منذ مطلع السبعينيات ترتيبات أسعار الصرف وفق نظام العملات العائمة (نظام سعر الصرف العائم أو الحر) أي أنها تدع عملاتها تعوم مقابل بعضها كعملات رئيسة فيتحدد سعرها حسب آليات السوق (العرض والطلب). كما أن هذه الدول لا تقوم بأية جهود تذكر لتطويع سياساتها الاقتصادية بغرض تقيد تقلبات أسعار صرف عملاتها ضمن حدود ضيقة فهي تسمح بحدوث تقلبات في أسعار صرف عملاتها ضمن هوامش واسعة، وذلك لأن سياساتها الاقتصادية وعلى رأسها السياسات النقدية والمالية موجهة بصفة رئيسة نحو خدمة الاقتصاد الداخلي لهذه الدول. فالسلطات النقدية والمالية في هذه الدول عندما تضع سياستها النقدية والمالية لا تضع استقرار صرف عملاتها بين أولوياتها.
انهيار الاتفاقية
ويمكن القول إنه منذ انهيار اتفاقية "بريتون وودز" شهدت أسواق الصرف الأجنبي تقلبات حادة في أسعار صرف العملات وبالذات الرئيسة منها، كما شهدت الدول الصناعية والكثير من دول العالم ارتفاعات متسارعة وغير مسبوقة في معدلات التضخم ؛ إضافة إلى حدوث اختلالات واضحة في ميزان المدفوعات للدول الصناعية الرئيسة والكثير من دول العالم.
أما ما يتعلق بمعظم الدول الصغرى، فقد اختارت ربط عملتها بعملة واحدة من العملات الرئيسة مثل الدولار أو بسلة من العملات الرئيسة.
إن أزمة الدولار الدائمة المتمثلة في التقلبات الحادة في سعر صرفه مقابل العملات الرئيسة والمصحوبة بانخفاض طويل الأمد في قيمته ليست حديثة العهد، وإنما تعود إلى ما قبل ثلاثة عقود.
أزمة الدولار
ويتفق الاقتصاديون على أن أزمة الدولار تعزى بشكل رئيس إلى عوامل اقتصادية من أهمها:
العجز الكبير والمتواصل في الميزان التجاري الأمريكي والميزانيات الفيدرالية للحكومة الأمريكية، وهذا العجز يعد المصدر الرئيس للنمو المتسارع في سيولة الدولار داخليًّا وخارجيًّا ما يعني أن هناك نموًّا سريعًا ومتواصلاً في عرض الدولار.
السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسها السياسات النقدية والمالية موجهة بصفة رئيسة نحو خدمة الاقتصاد الأمريكي. ولعل أحد أهم المشكلات لتحقيق التنسيق اللازم بين السياسات الاقتصادية الموجه نحو خدمة الاقتصاد الأمريكي والسياسات اللازمة لتحقيق استقرار سعر صرف الدولار هو وجود تعارض في معظم الأحيان بين السياسات الاقتصادية الموجهة نحو الاقتصاد الأمريكي والسياسات الاقتصادية اللازمة لاستقرار سعر صرف الدولار.
وقد لا تضع السلطات النقدية والمالية في الولايات المتحدة استقرار صرف الدولار بين أولوياتها عند وضع سياساتها النقدية والمالية. والجدير بالذكر أن الكثير من الاقتصاديين يؤكدون أن واضعي السياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية يتبعون ما يسمى بسياسة الدولار الضعيف. ويمكن الدفاع عن هذه السياسة من حيث إن الدولار الضعيف يجعل الصادرات الأمريكية أكثر تنافسية من ناحية الأسعار (أي تنخفض أسعار السلع الأمريكية الموجهة للتصدير), ما يزيد من معدلات نمو الصادرات الأمريكية.
ومن ناحية أخرى فإن سياسة الدولار الضعيف تؤدي إلى رفع أسعار السلع المصدرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ ما يجعل السلع الأمريكية أكثر قدرة تنافسية داخليًّا، الأمر الذي قد يساعد على الحد من نمو الواردات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضًا قد تسهم هذه السياسة في خلق ضغوط تضخمية. ويعتقد واضعو هذه السياسة (سياسة الدولار الضعيف) أنها قد تساعد على تقليص العجز في الميزان التجاري, ودفع عجلة نمو الاقتصاد الأمريكي، كما قد يسهم الدولار الضعيف في زيادة التدفقات الرأسمالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
شهد الاقتصاد الأمريكي تباطؤًا ملحوظًا في أدائه في فترات طويلة ومتكررة وارتفاعًا متسارعًا في معدلات التضخم خلال العقود الثلاثة الماضية.
كل هذه العوامل أسهمت مجتمعة في إحداث تقلبات في سعر صرف الدولار اتجاه العملات الرئيسة مصحوبة بانخفاض طويل الأمد في قيمة الدولار، كما لا يمكن أن ننسى تأثيرات الأحداث السياسية التي في الغالب تؤدي إلى إحداث تقلبات قصيرة الأمد في سعر صرف الدولار.
ما الأسباب التي أدت إلى ربط الريال بالدولار؟
لقد ارتبط الريال خلال عقد الخمسينيات والستينيات بعلاقة ثابتة مع بقية العملات الرئيسة التي كانت جميعها مرتبطة بالدولار من خلال ارتباط الريال بالدولار، حيث كان سعر صرف الريال بالنسبة للدولار هو (3.5) ريال لكل دولار. ولكن بعد انهيار نظام "بريتون وودز" في شهر آب (أغسطس) 1971 بعد خروج الولايات المتحدة عن قاعدة الذهب بدأ سعر صرف الدولار في الانخفاض، فقررت مؤسسة النقد العربي السعودي تخفيض سعر صرف الدولار بالنسبة للريال بمقدار 8.57 في المائة وذلك في كانون الأول (ديسمبر) عام 1971م فتم تخفيض الدولار من 4.50 إلى 4.14 ريال (جدول رقم 1) إلا أن استمرار تدهور الدولار في أسواق الصرف الأجنبي دفع مؤسسة النقد إلى تخفيض سعر الدولار مجددًا في شباط (فبراير) عام 1973م بنسبة 11 في المائة وفي آب (أغسطس) عام 1973 بنسبة 5 في المائة فأصبح يساوي (3.55) ريال (جدول رقم 1) وفي آذار (مارس) 1975 ومع استمرار انخفاض الدولار وجدت مؤسسة النقد أنه من الأفضل ربط الريال بوحدة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي IMF’s Special Drawing Right بسعر تعادل يساوي 4.28255 ريال لكل وحدة سحب خاصة مع استخدام هامش تقلب مقداره 2.25 في المائة على جانبي سعر التعادل، وذلك بدلاً من الدولار (جدول رقم 1). وكانت حقوق السحب الخاصة قد أنشئت عام 1969 من قبل الأعضاء في صندوق النقد الدولي لتوسيع حجم السيولة الدولية.
يذكر أن قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة SDR تحدد يوميًّا من قبل صندوق النقد الدولي على أساس سلة مكونة من عملات وهي: (الدولار، المارك الألماني، الين، الفرنك الفرنسي، الجنيه, والإسترليني) تحدد أوزانًا لهذه العملات في السلة تعكس أهمية العملات في التجارة والتمويل الدوليين. والجدير بالذكر أن الريال ظل مرتبطا بالدولار بحكم الواقع.
لقد احتفظت مؤسسة النقد بحق تحديد سعر صرف الريال مع الدولار الأمريكي بشكل رسمي, وذلك للمحافظة على قيمة الريال من التذبذب اليومي وأصبحت المؤسسة من حين لآخر تحدد قيمة الدولار بالنسبة للريال حسب الظروف التي يمر بها الاقتصاد الوطني دون التقيد بأي هامش. ولكن تلت عمليات تخفيض قيمة الدولار الأمريكي تجاه الريال عمليات عكسية بتخفيض قيمة الريال تجاه الدولار بدأت لأول مرة في عام 1983 حيث شهدت هذه السنة أربعة تخفيضات متتالية (جدول رقم 1)، عندما تنوعت الأسباب بين القوة غير العادية للدولار وبين بدء انخفاض عائدات النفط، كما أجرت السلطات النقدية السعودية بعد عام 1983 عدة تخفيضات لسعر صرف الريال منها ثلاثة عام 1985م خفضت سعر صرف الريال تجاه الدولار من (3.58) ريال. إلى (3.65) ريال (جدول رقم 1) . وظل ربط الريال السعودي عند معدل 3.75 مقابل الدولار ساريًا منذ عام 1986، وكانت سياسة الربط هذه قد تم تبنيها بغرض الحفاظ على استقرار قيمة العملة داخليًّا وخارجيًّا، وتم اختيار الدولار دون غيره لأسباب عدة أهمها:
يعد الدولار عملة المعاملات التجارية الأهم بالنسبة للمملكة, وبالتالي عملة التدخل وعملة الاحتياط الرئيسة للبلاد. أما على المستوى العالمي فيعد الدولار العملة الرئيسة المستخدمة في تمويل التجارة والاستثمار الدوليين، كما أن الدولار يعد المكون الرئيس للسيولة العالمية.
تقييم عائدات النفط بالدولار التي تشكل المورد الرئيس للدولة وللميزانية العامة, مما يترتب على ذلك أن الدولار يعد المحدد الرئيس للإيرادات العامة والعملة الرئيسة المكونة للاحتياطي الأجنبي في المملكة.
القوة غير العادية التي اكتسبها الدولار في أعقاب التحسن الكبير الملحوظ في سعر صرفه مقابل العملات الرئيسة المكونة لوحدة حقوق السحب الخاصة (المارك، الين، الجنيه الاسترليني، والفرنك الفرنسي).
يعد الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد وأكثر تطورًا في العالم، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد من أكبر الشركاء التجاريين للمملكة العربية السعودية.
ما المساوئ والمزايا الناجمة عن سياسة ربط الريال بالدولار؟
يتفق معظم الاقتصاديين والمحللين على أنه لا يوجد نظام سعر صرف واحد مناسب لجميع الدول أو للأوقات كافة. فاختيار أي دولة لنظام سعر صرفها يجب أن يحقق استقرار قيمة عملتها وأن يعمل كمنطقة عازلة لامتصاص الصدمات والهزات الناجمة عن تقلبات أسواق أسعار الصرف الأجنبي, وأن يحقق أيضًا للسلطة النقدية والمالية قدرًا كبيرًا من الاستقلالية عند وضع سياساتها النقدية والمالية التي يجب أن تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية عن تأثير العوامل والمتغيرات الاقتصادية كي تتواءم مع التغيرات والتطورات التي تحدث في الاقتصاد المحلي.
وقد اختار عدد من الدول النامية خلال العقدين الماضيين, خصوصًا بعد الأزمة التي حدثت في جنوب شرق آسيا عام 1997 التحول من نظام أسعار صرف ثابتة إلى ترتيبات تتسم بقدر أكبر من المرونة، إذ إن 55 في المائة من الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي تتبع نظام أسعار صرف عائمة، بينما 36 في المائة منها تتبع نظام أسعار صرف ثابتة، في حين اختارت 9 في المائة منها نظم أسعار صرف أخرى تشمل مثل مجالس العملة والدورة الكاملة، كما أن أكثر من نصف الدول التي لها نظام سعر صرف حر (عائم) تتبع التعويم الموجه, وتسمح ببعض التدخل في سوق الصرف الأجنبي لتخفيف التقلبات في سعر العملة المحلية.
ووسط نقاش محتدم يرى خبراء ومحللون وماليون متعاملون مع الاقتصاد السعودي أن قرار فك ربط الريال بالدولار ليس بالقرار السهل وأنه يحتاج إلى دراسة معمقة لكيلا تظهر تأثيرات سلبية في الاقتصاد السعودي، لذلك فإن تسليط الضوء على مساوئ وفوائد اتباع سياسة ربط الريال بالدولار قد يساعد على الإجابة على سؤال جوهري هو: "هل أن الاستمرار في سياسة ربط الريال بالدولار لا تزال ملائمة لوضع الاقتصاد السعودي والتطورات التي يمر بها؟" أم أن "فك الارتباط بين الريال والدولار واتباع نظام سعر صرف آخر كأن يربط الريال بسلة من العملات يكون أكثر ملاءمة للاقتصاد السعودي في الوقت الحاضر والمستقبل"؟
سأقوم أولاً بحصر المساوئ الناجمة من اتباع سياسة ربط الريال بالدولار في النقاط التالية:
إن سياسة ربط الريال بالدولار لا تسمح لمؤسسة النقد تنفيذ سياسة نقدية مستقلة, حيث يمثل ذلك قيدًا كبيرًا على مقدرة مؤسسة النقد في تغيير (رفع أو خفض) سعر الفائدة على الريال، إذ يتعين على سعر الفائدة الأساسي على الريال المستخدم في المملكة (سعر إعادة الشراء) أن يقتفي بصورة لصيقة سعر الفائدة الأساسي الأمريكي The Fed Fund Rate، لذلك نرى أنه عندما يرتفع أو ينخفض سعر الفائدة الأمريكي, فإن سعر الفائدة الأساسي على الريال يتغير, وفقًا لذلك (جدول رقم 2) ولكن إذا تجاوز سعر الفائدة الأساسي على الريال نظيره سعر الفائدة الأمريكي بهامش كبير تنشأ حينها فرصة لتحقيق عوائد (أرباح) دون تحمل مخاطر من خلال الاقتراض بالعملة ذات الفائدة الأقل (الدولار) أو قيام المستثمرين بتحويل أرصدتهم من العملة ذات الفائدة الأقل (الدولار) إلى العملة ذات الفائدة الأعلى (الريال)، وذلك للاستثمار في العملة ذات الفائدة الأعلى، والعكس صحيح عندما يكون سعر الفائدة الأمريكي أعلى من سعر الفائدة الأساسي على الريال بهامش كبير. في كلتا الحالتين, فإن حجم السيولة المحلية من الريال سيتأثر. ومن خلال الواقع العملي نرى أن سعر الفائدة الأساسي على الريال أعلى من سعر الفائدة الأساسي على الدولار بهامش قليل في الأحوال الطبيعية؛ أي عندما لا يكون هناك مضاربات على الريال أو تقلبات حادة في حجم السيولة المحلية.
وباختصار في ظل سياسة ربط الريال بالدولار لا تستطيع مؤسسة النقد تبني سياسة نقدية مستقلة تتواءم مع التغيرات والتطورات التي تحدث في الاقتصاد السعودي.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن مؤسسة النقد ليس في حوزتها أداتان نقديتان مهمتان هما:
عمليات السوق المفتوحة Open Market Operations.
سعر التضخم Discount Window.
الأمر الذي يؤكد أن مؤسسة النقد ذات سيطرة محدودة على سعر الفائدة على الريال والسيولة المحلية (عرض النقود 3ن). وهذا يعني أن السياسة النقدية في المملكة العربية السعودية ذات فعالية محدودة في التأثير في النشاط الاقتصادي والسيولة المحلية والتضخم.
في ظل نظام سعر الصرف الثابت فإنه لا يمكن استخدام أسعار الصرف كإحدى أدوات السياسة المالية لمواجهة الاختلالات في الموازين الخارجية (الميزان الجاري وميزان رأس المال).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإيرادات البترولية لا تزال تشكل النسبة العظمى في إجمالي إيرادات الحكومة السعودية على الرغم من النمو الملحوظ للإيرادات الحكومية (الإيرادات غير النفطية) الأخرى خلال العقدين الماضيين، وهذا بدوره يؤدي إلى التقليل من فاعلية تأثير السياسة المالية في النشاط الاقتصادي والطلب الكلي والتضخم. وفي ضوء ما تقدم أعلاه يعد الإنفاق الحكومي في المملكة العربية السعودية الأداة الرئيسة والفعالة المتوافرة لدى صانعي السياسة المالية في الوقت الحاضر، وهذا يعكس عدم فعالية السياسة المالية في المملكة العربية السعودية.
في ظل سياسة ارتباط الريال بالدولار التي تعني ضمنيًّا غياب آلية سعر الصرف المرنة التي تعمل كمنطقة عازلة لامتصاص الصدمات والهزات الخارجية. وبما أن الاقتصاد السعودي اقتصاد مفتوح حيث لا توجد فيه قيود تذكر على حركة السلع والأموال.
يمكن القول على ضوء ما ذكرنا أعلاه إن تقلبات سعر صرف الدولار تنعكس على الاقتصاد السعودي من خلال تأثيرها في سعر الفائدة على الريال والسيولة المحلية والمستوى العام للأسعار (التضخم) وميزان المدفوعات والاحتياطيات الأجنبية. فعلى سبيل المثال فقد شهد سعر صرف الدولار انخفاضًا ملحوظًا مقابل معظم العملات الرئيسة، ما يعني انخفاض قيمة الريال مقابل هذه العملات؛ الأمر الذي أسهم في خلق الضغوط التضخمية محليًّا خلال السنوات القليلة الماضية، وقد يسهم أيضا في استمرار هذه الضغوط في المستقبل. فمنذ نهاية عام 2003م حتى نهاية آب (أغسطس) 2007 تراجعت قيمة الريال بنسبة 20 في المائة مقابل اليورو، العملة التي تستخدمها أكبر مجموعة مصدرة إلى المملكة (جدول رقم 3)، كما تراجعت قيمة الريال أمام الين والجنيه الاسترليني للفترة نفسها بنسبة 20 في المائة, و22 في المائة على التوالي؛ على الرغم من أن الدولار (وبالتالي الريال السعودي) ظل في مسار هابط لعدة أعوام مقابل العملات الرئيسة الأخرى.
ويتنبأ كثير من المحللين باستمرار تراجع الدولار حتى تتمكن الولايات المتحدة من تضييق العجز في ميزانيتها الفيدرالية وميزان مدفوعاتها والابتعاد عن شبح الركود الاقتصادي بتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة؛ ما يعني أن التضخم المستورد سيظل يشكل هاجسًا للمملكة.
وجود نظام سعر صرف ثابت كما هو الحال في المملكة يشجع على المضاربة بالعملة المحلية. فعلى سبيل المثال في عام 1993 أدى تضافر أسعار النفط المتدهورة مع المخاوف بشأن الميزانية العامة والميزان التجاري إلى خلق موجة من المضاربات راهنت على انخفاض قيمة الريال في أسواق الريال، كما حدثت موجات مضاربة مشابهة على الريال في أواخر عام 1997 وأوائل عام 1998 تزامنت مع تراجع أسعار النفط والأزمة الاقتصادية في آسيا التي نتج عنها انخفاض كبير في أسعار صرف معظم العملات في المنطقة. وقد نجحت مؤسسة النقد حينها عندما تدخلت في أسواق العملات للمحافظة على استقرار الريال باستخدام احتياطياتها الضخمة من الموجودات الأجنبية، كما حدثت موجة من المضاربات خلال 2006 ومعظم 2007 سببها التوقعات برفع قيمة الريال مقابل الدولار.
أما ما يتعلق بالمزايا الناجمة عن ربط الريال بالدولار فيمكن حصرها في النقاط التالية:
يعد نظام سعر الصرف الثابت مرساة لسياسة مالية مستقرة وذات مصداقية، إذ إنه يحد من التوسع العشوائي للكتلة النقدية (عرض النقود 3ن) ويساعد على تقليص الضغوط التضخمية المقترنة بتخفيض سعر صرف العملة.
في ظل نظام سعر صرف ثابت, حيث تتلاشى مخاطر سعر الصرف يحافظ ذلك على ثقة المستثمرين بالعملة المحلية ما يشجع على الادخار والاستثمار ويحفز تدفق رؤوس الأموال من الخارج.
نظام سعر الصرف الثابت هو بمثابة ملاذ آمن لسياسة نقدية مستقرة لحد ما، إذ إنه يحدد من التوسع العشوائي للكتلة النقدية (عرض النقود 3ن) ويساعد على خفض الضغوط التضخمية المقترنة بتخفيض سعر صرف العملة.
من المفيد أن نذكر هنا أن سعر صرف الدولار ارتفع بشكل ملحوظ مقابل العملات الأجنبية (أي ارتفاع سعر صرف الريال مقابل هذه العملات) خلال معظم عقد الثمانينيات؛ الأمر الذي أسهم بوضوح في خفض معدلات التضخم في المملكة إلى مستويات متدنية طوال تلك الفترة. على العكس مما حدث منذ نهاية العقد الماضي إلى الوقت الحاضر، حيث شهد سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسة انخفاضًا ملحوظًا (أي انخفاض سعر صرف الريال مقابل هذه العملات)؛ الأمر الذي أسهم بوضوح في رفع معدلات التضخم في المملكة خلال السنوات القليلة الماضية.
لماذا تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة لرفع قيمة الريال أو حتى فك ارتباط الريال بالدولار؟
لقد تعالت الأصوات وازدادت الضغوط في الآونة الأخيرة لرفع قيمة الريال بالنسبة للدولار أو حتى فك ارتباط الريال بالدولار، ويعتقد الكثير من الاقتصاديين أن قيمة الريال مقابل الدولار يجب أن تكون أعلى مما هي عليه، وقد عزز هذا الاعتقاد الارتفاع المطرد في سعر النفط والانتعاش الذي يشهده الاقتصاد السعودي وارتفاع معدلات التضخم المحلية ووجود فائض كبير في الحساب التجاري الذي تخطى 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2006. هذا بالإضافة إلى التزايد الملحوظ في الاحتياطي الأجنبي. كل ما ذكرنا أعلاه يعبر بصورة عامة على أن قيمة الريال منخفضة بالنسبة للدولار(هذا يعني أن قيمة الريال منخفضة بالنسبة للعملات الرئيسة الأخرى).
والجدير بالذكر فقد أثار "مؤشر بيغ ماك" الذي تشرف عليه وتعده مجلة إيكونومست إلى أن قيمة الريال أقل مما يجب أن تكون عليه بـ30 في المائة بالنسبة للدولار. كما يشير "سعر الصرف الفعلي الاسمي للريال" الذي يقيس تغيرات سعر صرف الريال مقابل عملات دول مختارة ومنطقة اليورو (عملات الشركاء التجاريين الرئيسين للمملكة) إلى أن قيمة الريال (سعر صرف الريال) مقابل هذه العملات مجتمعة في انخفاض مستمر منذ عام 2001م (جدول 3 و4), حيث انخفض هذا المؤشر (سعر الصرف الفعلي الاسمي للريال) بمعدل 15 في المائة للفترة من سنة 2001 إلى 2006. كما أن "سعر الصرف الفعلي الحقيقي للريال" الذي يقيس تأثير التضخم في المملكة وفي دول مختارة ومنطقة اليورو (التضخم لدى الشركاء التجاريين الرئيسين للمملكة) في قيمة الريال يشير أيضًا إلى أن قيمة الريال الفعلية في انخفاض مستمر منذ عام 2001 (جدول 4)، حيث انخفض هذا المؤشر "سعر الصرف الحقيقي الفعلي للريال" بمعدل 20 في المائة للفترة من عام 2001 إلى 2006.
هذا بالإضافة إلى التراجع الملحوظ الذي مني به الدولار أمام بقية العملات الرئيسة (اليورو، الين، الاسترليني)، حيث حقق الدولار تراجعًا لم يشهده منذ عام 2002 مع بدء العمل بالعملة الأوروبية الموحدة (جدول رقم3) وهو ما يلقي بظلاله على اقتصاد المملكة العربية السعودية حيث إن هذا التراجع يعني تراجعًا في القيمة الشرائية للإيرادات النفطية المقومة أصلاً بالدولار وكذلك تراجع في القيمة الشرائية للاحتياطي الأجنبي للمملكة, والذي هو مكون في معظمه من الدولار. والأهم من ذلك ارتفاع في معدلات التضخم الذي تشهده المملكة حديثًا، وأصحاب هذه الأصوات يتوقعون استمرار أزمة الدولار في المستقبل.
ويؤكد كثير من الاقتصاديين أنه لو كان الريال يعمل في ظل نظام سعر صرف عائم (حر) مع وجود فائض كبير في الميزان التجاري لسنوات متتالية وتزايد ملحوظ في حجم الاحتياطي الأجنبي, فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع قيمة الريال مقابل معظم العملات الرئيسة.
كما أشار صندوق النقد الدولي أخيرا إلى أن القيمة الفعلية للريال يجب أن تكون أعلى مما هي عليه. إن كل ما ذكر أعلاه يعزز آراء الكثير من الاقتصاديين بأن قيمة الريال الفعلية (الحقيقية) بالنسبة للدولار هي أقل مما يجب أن تكون عليه رغم المؤشرات الإيجابية التي يشهدها الاقتصاد السعودي منذ مطلع العقد الحالي والتي ذكرنا معظمها سالفًا.
ويرى معظم أصحاب الأصوات التي تدعو إلى فك ارتباط الريال بالدولار أنه من الأجدى ربط الريال بسلة من عملات الشركاء التجاريين الرئيسين بحيث يتحرك الريال بالتجانس مع هذه العملات, ما يحد من الآثار السلبية لتقلبات أسعار صرف الريال مقابل العملات الرئيسة على الاقتصاد السعودي, وتحقيق الاستقرار لسعر صرف الريال الفعلي؛ الأمر الذي يحد من الضغوط التضخمية المستوردة ويوفر حيزًا لتحديد أسعار الفائدة على الريال بصورة مستقلة وزيادة السيطرة على السيولة المحلية للريال.
لماذا يرى عدد من الاقتصاديين والمحللين إبقاء العلاقة بين الريال والدولار على ما هي عليه دون تغيير؟
يرى محللون واقتصاديون وماليون لهم علاقة بالاقتصاد السعودي أنه يجب ألا يطرأ أي تغيير على العلاقة بين الريال والدولار، وهذا يشمل عدم تغيير سعر صرف الريال مقابل الدولار على الأقل في الأمد القصير والمتوسط. إن بقاء العلاقة على ما هي عليه دون تغيير له إيجابيات كبيرة رغم السلبيات.
وعلل هؤلاء ذلك بنجاح الريال في المحافظة على استقراره على مدى فترة طويلة ما عدا السنوات القليلة الماضية، وتجاوز العديد من هزات العملات الأخرى، كما أنهم يرون أن الاقتصاد الأمريكي قوي، ولا يزال قوة آمنة رغم ما يواجهه من تحديات في الوقت الحاضر.
إن بقاء العلاقة بين الريال والدولار دون تغيير يعزز من ثقة المستثمرين في الداخل والخارج بالعملة المحلية؛ ما يشجع على الادخار والاستثمار ويحفز على تدفق رؤوس الأموال من الخارج، ويعتقد هؤلاء أن رفع قيمة الريال بالنسبة للدولار قد ينتج عنه آثار ضارة على الاقتصاد السعودي في الأمد الطويل؛ لذلك فهم يؤيدون عدم رضوخ مؤسسة النقد للضغوط الداخلية والخارجية الساعية إلى رفع قيمة الريال مقابل الدولار. وأشار هؤلاء إلى عدد من المبررات التي تدعم وجهة نظرهم في عدم رفع قيمة الريال مقابل الدولار أهمها:
أولاً: رفع قيمة الريال مقابل الدولار يؤدي حتمًا إلى خفض الإيرادات النفطية للمملكة، لأن رفع قيمة الريال مقابل الدولار سيؤدي إلى إيرادات أقل بالريال عندما يتم تحويلها من الدولار، وتعد العائدات النفطية أهم مصدر للدخل في البلاد، حيث شكلت في عام 2006 نحو 90 في المائة من إجمالي إيرادات الحكومة السعودية ونحو 89 في المائة من إجمالي الصادرات السعودية.
كما أن رفع قيمة الريال مقابل الدولار يؤدي أيضًا إلى خفض قيمة الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد, والتي يشكل الدولار النسبة العظمى منها. والجدير بالذكر أن إجمالي الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد قد بلغ 240 مليار دولار بنهاية يونيو 2007. وإذا افترضنا أن مؤسسة النقد تمسك بما يعادل 75 في المائة من الاحتياطات الأجنبية لديها بالدولار, فإن رفع قيمة الريال مقابل الدولار بما يعادل 15 في المائة يؤدي ذلك إلى خسارة تعادل 27 بليون دولار من حجم الاحتياطيات الأجنبية ( أي ما يعادل 7.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2006).
كما أن القطاع المصرفي السعودي سيتعرض أيضًا إلى متاعب فيما يتعلق بقيمة موجوداته عندما ترفع قيمة الريال. والجدير بالذكر فقد بلغ صافي موجودات البنوك التجارية من الأرصدة الأجنبية 89.6 مليار دولار بنهاية حزيران (يونيو) 2007. وبما أن البنوك تعلن عن أرباحها بالريال فإن أية أرباح من موجوداتها يدفع بالدولار، ستكون ذات قيمة أقل عند تحويلها إلى الريال.
وأخيرًا, فإن هناك عددًا كبيرًا من الشركات التي تعمل في المملكة لديها موجودات أو إيرادات أو كلاهما بالدولار، وبما أن هذه الشركات تعد قوائمها المالية بالريال، فإن أي موجودات بالدولار أو إيرادات متحصلة بالدولار ستتضرر عند رفع قيمة الريال مقابل الدولار.
ثانيًا: نمت الصادرات غير النفطية بمعدلات مرتفعة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث حققت في عام 2004 و2005 و2006 معدلات نمو تقدر بـ 38.9 في المائة و24.6 في المائة و8.6 في المائة على التوالي. إن أحد الأسباب الرئيسة لهذا النمو المتسارع في الصادرات السعودية غير النفطية هو انخفاض أسعارها بالخارج الناتج عن انخفاض سعر صرف الريال مقابل معظم العملات الرئيسة.
كما أن من شأن رفع قيمة الريال مقابل الدولار أن يؤدي إلى رفع أسعار الصادرات السعودية غير النفطية في الأسواق الأجنبية ما يقوض من نموها. ومن ناحية أخرى, فإن رفع قيمة الريال يؤدي إلى تخفيض أسعار الواردات المقومة بغير الدولار إلى السعودية .. كل ذلك يؤدي إلى تقويض تنافسية السلع المنتجة محليًّا داخليًّا وخارجيًّا.
وكما أسلفنا أعلاه, فإن رفع قيمة الريال مقابل الدولار يؤدي حتماً إلى تقليص نمو الصادرات وزيادة في نمو الواردات, الأمر الذي يؤدي إلى تقليص فائض الميزان التجاري المرتفع الذي تشهده المملكة منذ عام 2001.
ثالثًا: استقرار نظام سعر الصرف وقيمة العملة المحلية أمر في غاية من الأهمية للقائمين على السياسة النقدية والمالية، كما أنه دون هذا الاستقرار يفقد المستهلكون والشركات الوطنية والأجنبية العاملة في الداخل والخارج والمستثمرون المحليون والأجانب ثقتهم ومصداقيتهم بالعملة المحلية حيث تنتابهم حالة من الشك حول استقرار العملة؛ الأمر الذي ينعكس سلبًا على الاستثمار المحلي والأجنبي، ويعد الاقتصاديون استقرار العملة المحلية من العوامل المهمة لنمو الاستثمار المحلي وجذب الاستثمارات الأجنبية.
إن من أحد أهداف الإصلاح الاقتصادي في المملكة وانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية هو جذب الاستثمارات الأجنبية وبالذات المباشرة منها. والجدير بالذكر فقد شهد تدفق الاستثمارات الأجنبية معدلات نمو مرتفعة خلال السنوات القليلة الماضية، ففي عام 2005 و2006 حققت معدلات نمو بنسبة 20 في المائة و18 في المائة، لذلك فإن رفع قيمة الريال مقابل الدولار، سيدعم القوة الشرائية في مجال الواردات، ولكن يجعلها أكثر كلفة بالنسبة للاستثمار الأجنبي.
رابعًا: ظل ربط الريال عند معدل 3.75 مقابل الدولار ساريا عام 1986 إلى وقتنا الحاضر، وخلال هذه الفترة فقد حافظ الريال على استقراره ما عدا فترات محدودة، كما تجاوز العديد من هزات العملات الأخرى، وإذا تم الآن رفع قيمة الريال مقابل الدولار بعدما يزيد على 20 عاماً من الاستقرار، وذلك لتخفيف الضغوط التضخمية بشكل رئيس، فقد تلجأ مؤسسة النقد إلى تخفيض قيمة الريال في المستقبل عندما يستعيد الدولار قوته أو تتدهور أسعار النفط أو يحدث الاثنان معًا. وهذا سيضر حتمًا بمصداقية العملة المحلية (الريال) ونظام سعر الصرف برمته داخليًّا وخارجيًّا.
خامسًا: ارتفعت الأصوات في الآونة الأخيرة تدعو إلى رفع قيمة الريال مقابل الدولار أو حتى تغيير نظام سعر الصرف برمته، والسبب الرئيس خلف ارتفاع هذه الأصوات هو تزايد الضغوط التضخمية في الاقتصاد السعودي خلال السنوات القليلة الماضية.. لقد أشرت في تقرير لي صدر في سبتمبر 2007 إلى أن هناك أسبابا (عوامل) داخلية وخارجية تسهم مجتمعة في خلق الضغوط التضخمية في المملكة العربية السعودية.
ومن الأسباب الداخلية على سبيل المثال: تنامي الطلب الكلي في الاقتصاد السعودي والنمو المتسارع للسيولة المحلية (عرض النقود 3ن) الناتج عن النمو الملحوظ للإنفاق الحكومي والقروض المصرفية للقطاع الخاص (جدول رقم 5)، هذا إضافة إلى أسواق الكثير من السلع (محلية أو مستوردة) في المملكة العربية السعودية لا تتمتع بدرجة كافية من المنافسة.
أما فيما يتعلق بالأسباب الخارجية (أو ما يسمى التضخم المستورد) فهي تتمثل بانخفاض قيمة الريال مقابل معظم عملات الدول الرئيسة (اليورو، الين، والجنيه الاسترليني) وهذه الدول أيضًا تمثل الشريك التجاري الرئيس للمملكة.
أما العامل الخارجي الأخير فهو ارتفاع معدلات التضخم في الدول التي تشكل واردات المملكة منها نسبة كبيرة.
وفي ضوء ما تقدم أعلاه يمكن القول إن انخفاض قيمة الريال يعد أحد العوامل المسببة في خلق الضغوط التضخمية في الاقتصاد السعودي. والجدير بالذكر أن التضخم المستورد بشكل ما يقارب 35 في المائة من إجمالي التضخم في المملكة. وعلى هذا الأساس يمكن القول إنه بالإمكان استخدام وسائل أخرى لمعالجة الضغوط التضخمية دون اللجوء إلى رفع قيمة الريال مقابل الدولار الذي قد يكون له آثار سلبية في الاقتصاد السعودي في الأمد الطويل.
وفي اعتقادي أن قرار فك ارتباط الريال بالدولار أو قرار رفع قيمة الريال مقابل الدولار يعد من القرارات المهمة التي لها أبعادها وآثارها الإيجابية والسلبية في الاقتصاد السعودي في الأجل الطويل، لذلك فإن اتخاذ مثل هذه القرارات يحتاج إلى دراسة معمقة لكيلا تظهر تأثيرات سلبية على الاقتصاد في الأمد الطويل.
ويتفق معظم الاقتصاديين على أنه لا يوجد نظام سعر صرف واحد مناسب لجميع الدول أو للأوقات كافة؛ فاختيار أي دولة لنظام سعر صرفها يجب أن يتلاءم والمرحلة التي يمر بها اقتصادها، كما أن نظام سعر الصرف هذا يجب أن يعمل على استقرار عملتها وأن يشكل منطقة عازلة لاقتصادها لامتصاص الصدمات والهزات الناجمة عن تقلبات أسعار الصرف الأجنبي وأن يحقق للسلطة النقدية والمالية قدرًا كبيرًا من الاستقلالية في وضع السياسات النقدية.
الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد - جامعة الملك عبد العزيز
مستشار اقتصادي بالغرفة التجارية الصناعية في جدة