أحكموهم قبل فوات الأون

[email protected]

حالة اللاستقرار والحذر والترقب التي بدأت في السوق المالية السعودية خلال الفترة الماضية لم تعهدها السوق منذ زمن. حالة من الأهمية بمكان الوقوف معها في محاولة الوقوف بصورة أكثر وضوحا عن مسببات تفاعل السوق المالية السعودية مع التطورات ليس تلك التي تعيش معها فحسب، وإنما أيضا تلك المحيطة بها سواء على الأصعدة المحلية، أو الإقليمية، أو الدولية.
سجل مؤشر السوق المالية السعودية أدنى مستوياته منذ بداية العام الميلادي الحالي. تزامن هذا التسجيل غير المسبوق لهذا العام مع مجموعة من التطورات في السوق المالية السعودية. من هذه التطورات وحدة تغير سعر السهم الجديدة، وإعلان قوائم كبار الملاك،... إلخ من التطورات التي لا يهمل المحركين الفعليين إلى السوق المالية السعودية استثمارها إعلاميا بما يخدم أهدافهم الاقتصادية.
ما يهمنا في هذا السياق الدور الذي تسهم فيه السلطات المالية التنفيذية السعودية في توجيه مركبة السوق بقية العام الميلادي الحالي. حيت تهمل هذه السلطات ضمن منظومة الاقتصاد السعودية التي تتفاعل بدورها هذه المنظومة مع منظومة الاقتصاد العالمي وتتأثر وتؤثر فيه. فهناك تطورات اقتصادية عالمية من الصعب تأثير السلطات المالية السعودية فيها. وبالمثل على الصعيد الإقليمي مع وجود تركيز أكثر على التطورات العسكرية الإقليمية.
ولكن ما تستطيع السلطات المالية السعودية التأثير فيه هو دور السوق المالية السعودية في الحفاظ على مستوى الثقة التي بنيت طيلة الأشهر الثمانية الماضية.
ونقصد في هذا الجانب تطورين اثنين تعايشت السوق المالية السعودية معها. التطور الأول ما سينفذ منذ يوم الغد ـ إن شاء الله ـ من تعديل وحدة سعر السهم. يأتي هذا التنفيذ بعد قرابة الشهرين من أول إعلان لهذا المشروع من قبل السوق المالية السعودية. بدأ هذا المشروع بإجراء السوق المالية السعودية الاختبارات الفنية والتنسيق مع شركات الوساطة ومزودي خدمات معلومات السوق ضمن خططها لتطبيق تعديل وحدة تغير سعر السهم الجديدة.
يحمل هذا المشروع في حجم ليس بالقليل من الأهمية كونه سيعكس بشكل أفضل وعملي كفاءة التغيرات السعرية في أسهم الشركات المدرجة وكذلك زيادة السيولة وكميات الأسهم المتداولة. وعلى الرغم أن السوق المالية السعودية قد طرحت فكرة تعديل وحدة تغير سعر السهم في وقت سابق لاستطلاع مرئيات المستثمرين والمختصين في السوق، إلا أن إعلان التنفيذ بشكل مفاجئ وخلال فترة افتتاح السوق أدى إلى مجموعة من السلبيات تمثلت في زيادة وتيرة حدة البيع (العرض) عن الشراء (الطلب).
أتى بيت القصيد في المسببات من واقع التقرير الأخير إلى السوق المالية السعودية الصادر الأسبوع الماضي. حيث أوضح التقرير صغر نسبة المستثمر المؤسسي (8 في المائة) مقارنة بالمستثمر الفردي (92 في المائة). ومثل هذه النسبة الكبيرة للمستثمر الفردي تدعو إلى التساؤل حول المساواة في حجم المحافظ الاستثمارية للمستثمرين الأفراد وبالتالي تعريف المستثمر الفردي.
حيث هناك نسبة ليست بالقليلة من محافظ المستثمرين الأفراد تفوق أحجام أصول عشرات الصناديق الاستثمارية. ومثل هذه المحافظ تعمل بأسلوب المستثمر المؤسسي ولكن تحت مسمى المستثمر الفردي مبتعدة عن أعين الرقيب في ممارساتها التجارية خلال فترة التداول.
حيث تكتسب هذه المحافظ مرونة تداول المستثمرين الأفراد في كونها لا تخضع بشكل مباشر لرقابة هيئة السوق المالية، وغير ملزمة بأخذ موافقات الهيئة عند حدوث تطورات في أصولها الاستثمارية. وهذا على العكس من متطلبات المستثمر المؤسسي في تقديم عدد ليس بالقليل من الوثائق لهيئة السوق المالية عند إحداث أي تطور رئيس في محفظته الاستثمارية.
أدت هذه التفرقة بين التعامل مع المستثمر الفردي والمستثمر المؤسسي، من جهة، إلى تواصل كبار المستثمرين الأفراد على محافظهم الفردية تفاديا لطريق الحصول على تراخيص هيئة السوق المالية الممهد للمستثمر الفردي. كما أدت هذا التعريف الشمولي، من جهة أخرى، للمستثمر الفردي (الصغير والكبير في تصنيف واحد) إلى إغفال متطلبات المستثمر الفردي الصغير على حساب المستثمر الفردي الكبير.
النتيجة النهائية في نهاية المطاف أتت وتأتي في صالح المستثمر الفردي الكبير على حساب المستثمر الفردي الصغير والمستثمر المؤسسي. حيث أصبح المستثمر الفردي الكبير يتنقل بين شريحتي المستثمر الفردي والمؤسسي عندما يلوح في الأفق تطور في السوق المالية السعودية بهدف استثماره قدر المستطاع لخدمة أهدافه الاقتصادية. بطبيعة الحال هذا المستثمر الفردي الكبير هو حر في ماله إلا أن استمرار هيئة السوق المالية في هذا التصنيف (فردي ومؤسسي) أتاح المجال للمستثمر الفردي الكبير أن يغدو في البستان كيفما أرد.
وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان إعادة النظر في تعريف المستثمر الفردي وإعادة بناء على النتائج تصنيف أنواع المستثمرين في السوق المالية السعودية إلى أكثر من صنفين. السبب الرئيس في هذا الجانب إتاحة الفرصة للسلطات المالية السعودية في تطبيق أنظمة وقوانين الالتزام الاستثماري على معظم فئات المستثمرين بهدف زيادة فاعليته على المدى القريب ودعمه إلى مصاف الأسواق المتقدمة على المدى البعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي