اللقطاء: ما مدى التأثير الاجتماعي والاقتصادي للمشكلة؟ (1)
في يوم الاثنين 4/8/1429هـ الموافق 3/8/2008م ألقت جريدة "المدينة" الضوء على موضوع حيوي له أهميته الاجتماعية والاقتصادية والصحية ونواح أخرى قد يعلمها الجميع. لقد تناولت الجريدة الموضوع بطريقة أثارت كثيرا من التساؤلات التي تؤكد أن إعلامنا حجز فعلا مقعده في رحلة الإعلام الهادف. الآن نحتاج إلى تناول الموضوع بشيء من العمق لتتمكن الجهات المعنية حتى البحثية من الاطلاع والتأمل، ومن ثم القيام بمسؤولياتها لوأد مثل هذه المواضيع المقلقة أو تحجيمها بهدف انحسارها. إن تسجيل 280 حالة طفل أو طفلة لقيط في العام الماضي (2007م)، يعني أن كل حالة منها يجب أن تخضع لدراسة مستفيضة حتى نتمكن من حل هذه المعضلة من جذورها, كما لابد أن لا ننخدع بالإحصائيات، ونطمئن بصورة ما أو بأخرى نتيجة تقدير خطأ في هذا العام أو الأعوام الماضية، فنقلل من شأن هذا الموضوع وهو مهم جدا, فشرطة منطقة المدينة المنورة أكدت أنها تعثر على ستة لقطاء أسبوعياً، وكشفت عن تجارة "الإجهاض بطريقة غير شرعية أو نظامية" بين الأطباء الآسيويين والإفريقيين، حيث يسعرون قيمة إجراء العملية حسب وضع المرأة المادي, وحيث تتزايد أعداد الوافدين من كل أرجاء الأرض وتتجدد الأزمات المعيشية بين فترة وأخرى مع ضعف الوازع الديني .. إلخ, لذلك فالتقديرات الأولية لحجم المشكلة قد يكون (10 أضعاف) ما نناقشه هنا, وهو ما يستدعي وقفة جماعية عاجلة تأخذ في الحسبان إشارة المختصين بوجود حالات أخرى لم تصل أو لم يبلغ عنها.
لا شك أن نشر الدوريات الأمنية في المناطق الطرفية للمدن وتوزيع الكاميرات في المدن وتكثيف المراقبة في المرافق الصحية والخدمية الأخرى، وإحكام القبضة على تسجيل المراجعين للمستشفيات للعلاج أو الولادة وقفل المساجد بين الصلوات وتدقيق إجراءات استئجار الأعيان بمختلف أنواعها، ومتابعة تحديث البيانات وغيرها من الإجراءات الجيدة كفيلة بحفظ الأمن واحترام النظام وحفظ الحقوق, إلا أن هذه الإجراءات عادة ما يقابلها اختراقات من ضعاف النفوس والضمائر تستدعي تحديث التشريعات والأنظمة وتقنين تنفيذ الإجراءات تبعا للمستجدات. لذلك فهناك حاجة إلى طرح الموضوع لتبادل المعرفة والخبرات, ولكن قبل مناقشة الموضوع يحق للجميع التساؤل عن: ما أهمية مناقشته إعلاميا وبشكل علني؟. الجواب يكمن في إيصال الرسالة للمعنيين بمراجعة التنظيمات وتحديث القوانين والأنظمة، ولمن بيده صنع القرار، وإفادة المجتمع من كيفية تجنب هذا الصنيع الشنيع. إضافة إلى التوعية وجذب الانتباه بتبني وسائل الإعلام نشره، فمن فوائد النشر: التعريف بالمصطلحات التي يستخدمها المختصون والمسؤولون, ماهية الجهات المعنية بالأمر, التعريف بالحقوق والواجبات والحدود الشرعية, إبراز الضرر الاجتماعي الناتج عن العلاقة خارج الزواج, تحديد التأثيرات الاقتصادية والثقافية على المجتمع قولبة الحلول الممكنة علميا وعمليا وتوعويا لوقف هذه الممارسة, اتخاذ المرافق الصحية المختلفة الحيطة بالإجراءات اللصيقة والمحدثة, الاهتمام بالمتشوِّهين خلقيا أو المعوقين بأي إعاقة كانت أو المولودين ببعض الأمراض العصرية المستعصية, تفريغ شحنات الشباب ومعرفة ما يؤرقهم في الحياة, تقريب الصلات بين الوالدين وأبنائهم وبناتهم, تعويد المجتمع على تجنب إلقاء الآراء جزافا، وإدخال أكبر عدد ممكن من الرموز المؤثرة بالحديث فيه، وإضفاء الأهمية على المعلومات الخام والمحللة, وأخيرا تكثيف الدراسات التي يمكن أن تسهم في تأطير المفاهيم في مواضيع عدة من ضمنها هذا، والتعامل مع حياتنا بشفافية أكثر.
بصفة عامة تعتقد دول أوروبا وأمريكا الشمالية، ولا تجزم أن الفقر والعزلة في المعيشة والضغوط النفسية المختلفة من قسوة الحياة هي أهم مسببات انتشار هذا السلوك غير الإنساني لديهم, ولكن في مجتمعاتنا قد يضاف لهذه الأسباب ضعف الوازع الديني وغياب الضمير الإنساني عند الرغبة في المتعة وتكرار الزيجات التي استحدثت لها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، إضافة إلى حداثة تبني عمل الفحوصات الكاملة للجميع. مع تعدد الأسباب نجد أنفسنا نختصر المسؤولية في ثلاث جهات ولا نقوم جميعنا بطرح أفكار تسهم في تقريب وجهات النظر، ومن ثم نحسن بها أسلوب معيشة أفراد المجتمع. من هذه الأفكار المعرفية قد نستوحي بعض الأفكار، ولكن لا نتبناها بشكل كامل مثل برنامج Let's Talk Adoption الذي تقدمه وتعتبر المؤسسة لهذا الأسلوب من البرامج Mardie Caldwell، حيث استمر منذ عام 1986م. كما أن منظمة Missionfinder قد تضيف لنا شيئا عن كيفية تعامل المجتمعات الأخرى والأديان المختلفة مع هذه الحالات، الأمر الذي يقود المختصين و الباحثين إلى وضع تصوراتهم حول تعديل ما يمكن لتحسين آلية التعمل مع مثل هذه القضايا وتحجيمها.
قد نبرز أهمية الموضوع بطرح أسئلة تجعلنا أكثر استعدادا مثل: هل اكتشاف 488 وكر دعارة أو أكثر مؤشر لزيادة أحد الأسباب أم انحساره؟ هل 280 حالة لقيط سجلت على مستوى المملكة أم منطقة واحدة؟ وهل توجد قاعدة بيانات يمكن أن تؤكد لنا هوية اللقيطة؟ هل قواعد ونظم التأجير للشقق والغرف تعد كافية؟ لماذا يعثر دائما على اللقيطة عند مكبات القمامة أو بوابات المستشفيات؟ هل يمكن أن تكرر اللقيطة أو اللقيط الخطأ الذي ارتكبه الوالدان؟ كيف نتمكن من إخراجهم من هذا الهم الكبير؟ في سن الـ18 عاما سيترك اللقيط الدار أو حتى قبل ذلك فهل تأهل للصدمة الأكبر؟ بالنسبة للقيطة فتود كغيرها أن تتزوج وتكوّن أسرتها الخاصة بها, فهل هذا من مسؤولية الدولة أم المجتمع؟ أحياناً تنقلب الاضطرابات النفسية من نار هامدة إلى نار مشتعلة فهل المجتمع مستعد لها؟ ثم ما مدى سرية البيانات المحفوظة في محاضر الضبط وتسجيل الوقائع؟ أسئلة كثيرة ولكن لتناولها لابد أن يكون للحديث بقية.