لا خوف من بدائل الطاقة على مستقبل النفط
لا نزال نقرأ لكثير من الكتاب ونسمع من بعض المهتمين بشؤون النفط عند ما يتحدثون عن إمكانية إيجاد وتطوير بدائل جديدة لمصادر الطاقة من أجل أن تحلَّ مكان المصادر النفطية التي مصيرها إلى النضوب، يشيرون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أن ذلك أمر غير مرغوب في الوقت الحاضر، خشيةً أن يزيح المصدر الجديد النفطَ عن الساحة ويصبح الأخير لا قيمة له، فنفقد نحن المنتجين مصدر دخلنا وهو لا يزال يملأ المكامن تحت سطح الأرض، وهذا دون شك تصور مبني على إرث إعلامي قديم، ربما أنه كان مقبولاً قبل عدة عقود.
وقد تربع النفط على عرش مصادر الطاقة لأكثر من قرن من الزمان دون منازع، نظراً لتدني تكاليف إنتاجه مقارنة بالمصادر الأخرى ولسهولة نقله وتخزينه واستعماله. ولكن ارتفاع مستوى الإنتاج الذي بلغ أكثر من 86 مليون برميل في اليوم، صار عامل ضغط على ما تبقى من الاحتياطي العالمي، وهو ما سيؤدي حتما إلى سرعة استنزافه.
ومضى ما يقارب 30 عاماً دون أن يسجَّل في العالم اكتشاف حقول نفطية جديدة متوسطة الحجم مثل حقل بقيق القريب من الظهران أو حقل شيبة في الربع الخالي، اللذيْن تم اكتشافهما في أواخر الأربعينيات والستينيات الميلادية على التوالي، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الشركات العالمية العملاقة والشركات الوطنية المتحمسة للبحث عن تجمعات هيدروكربونية ذات أهمية اقتصادية تضيف إلى الاحتياطي المعروف حالياًّ.
في الوقت الذي كان الإنتاج يرتفع بنسبة سنوية عالية لتلبية الطلب العالمي المتزايد، ما أدى إلى الوصول إلى ما يسمى الذروة، وهي في نظرنا، " تَسَاوي كمية الإنتاج مع كمية الاستهلاك "، وبعدها يحافظ الإنتاج على مستوى ثابت لفترة زمنية قصيرة قبل أن يبدأ رحلة الهبوط، مع استمرار تنامي الطلب، وهو ما سيثير الهلع والارتباك عند المستهلكين الذين لن يستطيعوا الحصول على ما يحتاجون إليه من الطاقة.
إذاً نحن الآن على أبواب عصر جديد، يحتاج فيه العالم إلى مصادر أخرى لتوليد الطاقة، إلى جانب المصادر النفطية الحالية، التي من المؤكد أنها ستظل المصدر الأهم لسنوات طويلة.
ومبعث القلق عند بعض منتجي النفط من إمكانية تطوير مصادر جديدة، مبنيُّ على فرض أن أي مصدر جديد للطاقة سيلغي الحاجة إلى النفط في غضون فترة قصيرة، وهذا ما لا يقبله العقل لعدة أسباب منها:
أولاً: إن تطوير أي مصدر كان، ومن ثم وضعه في الخدمة سيستغرق وقتاً طويلاً، ويكون ذلك بطبيعة الحال بالتدريج، ربما لعشرات السنين.
ثانياً: ليس من المتوقع أبداً، في المدى المنظور، أن نجد مصدراً لتوليد الطاقة بالقدر الذي يحتاج إليه الإنسان في جميع شؤون حياته، مع الأخذ في الحسبان زيادة عدد السكان وتقدم الحضارة التي تستهلك طاقة أكبر.
ثالثاً: تبلغ القيمة المالية للبنية التحتية للصناعة النفطية والصناعات التي تعتمد عليها، أي جميع ما لدينا من وسائل النقل والصناعات البتروكيماوية وتوليد الطاقة الكهربائية مئات التريليونات من الدولارات. فمن الذي سيفكر في التفريط في هذه الثروة ويرميها جانبا من أجل أن يقدِّم مصدراً جديداً للطاقة مع وجود النفط؟ فإذاً نحن لا نتحدث هنا فقط عن منافسة أسعار النفط المطلقة، بل أسعاره وتكلفة منشآته التي سنضطر إلى بناء ما يماثلها.
رابعاً: من المؤكد أن أسعار وحدات مصادر الطاقة الجديدة لن تكون أقل من أسعار النفط، حتى لو بلغت الأخيرة مستويات قياسية، إلا ربما بعد سنوات طويلة من الاستخدام والتطوير.
خامساً: من المحتمل، مع التقدم التكنولوجي والاتصال العلمي بين الدول ألا تكون صناعة مصادر الطاقة الجديدة حكراً على بلد دون آخر، باستثناء من لا يملكون المال اللازم لبناء البنية التحتية للمنشآت الجديدة.
والأفضل لمستقبل البشرية، هو أن يتعايش النفط مع المصادر الأخرى حتى يصل إلى نهايته بعد عمر طويل، إن شاء الله, وذلك لصالح الجميع. ونقترح أن تكون سياستنا النفطية مبنية على تشجيع تطوير مصادر الطاقة المتجددة، ونبدأ نحن باستخدامها قبل غيرنا، جنباً إلى جنب مع المصادر النفطية، حتى نثبت للعالم أننا فعلا نريد أن نحافظ على ما تبقى من الثروة النفطية من أجل أجيال المستقبل.
أما إذا لم يستخدم العالم بديلاً مناسباً ومنافساً لمصادر الطاقة النفطية في وقت مبكر، وهو ما يتمناه الذين أشرت إليهم آنفاً، واستمرَّ الوضع الحالي في الاعتماد على النفط، فذلك حتماً لن يخدم مصالحنا القومية ولن يؤمِّن مستقبل أجيالنا. فمن الواضح والمعلوم لدى المهتمين بشؤون النفط أن الطلب العالمي على مصادر الطاقة في زيادة مستمرة.
وكما ذكرنا، سنصل قريباً إلى مرحلة لا يستطيع الإنتاج الحالي من النفط خلالها تلبية كامل الطلب، وذلك يعني أن الضغوط العالمية ستُوجَّه نحونا من أجل زيادة الإنتاج إلى مستويات عالية، قد تصل إلى 20 مليون برميل في اليوم، وهي كمية مرهقة لحقول النفط وتعجِّل بنضوبها، فهل هذا ما يتمناه أولئك الذين يظنون أن البدائل الجديدة لمصادر الطاقة غير مرغوب فيها، وقد أوضحنا استحالة إقصاء النفط عن ساحة مصادر الطاقة خلال عشرات السنين؟
ومن مبدأ المنطق السليم، لا يمكن أن نتصور أن العالم في يوم ما سيستغني عن النفط، سواء كمصدر للطاقة أو كمادة أولية للصناعات البتروكيماوية التي سيكون لها شأن كبير في المستقبل.
ونحن نتمنى أن تكون كمية إنتاج النفط معتدلة، تُدرُّ علينا بقدر ما يصلح حالنا دون إفراط أو تفريط، بدلا من أن نقترض من حساب الأجيال المقبلة، ونحن نعلم علم اليقين أننا لن نستطيع إعادته إليهم. فلا أضمن لهم أن يبقى نصيبهم في باطن الأرض، ونبقى نحن حماته وليس مستهلكيه. ثم إنَّ رفع الإنتاج إلى مستويات عالية في ظل أسعار النفط الجديدة والمتوقع استمرار صعودها، سيجلب إلينا دخلاً كبيراً لا ندري كيف نتصرف فيه، ولا يزيدنا إلا رفاهية نحن في غنى عنها وخمولاً يقتل طموح أولادنا.
وعلى الرغم من بوادر توجه تكلفة مصادر الطاقة إلى الارتفاع المخيف، واحتمال حدوث نقص في الإمدادات قد يشعل حرباً اقتصادية تكون ضحيتها الدول الفقيرة، إلا أنك لا تشاهد ولا تسمع عمنْ يتحدث بجدية عن هذا الأمر الخطير ويعدُّ له العدة المناسبة. ولا نجد تفسيراً لعدم المبالاة إلا ربما الاعتقاد بأنه في علمهم المؤكد أن الدول المصدِّرة، وعلى وجه الخصوص دول الخليج، ستزيد من إنتاجها في أي وقت وبأي كمية لتلبية الطلب، وهو أمر لا نود حدوثه لأنه لا يخدم مصالحنا على المدى البعيد. و لذلك فمن مصلحة العالم، قبل مصلحتنا، أن نحدد نحن سقفاً ثابتاً لإنتاجنا لا نزيد عليه مهما كانت الضغوط والمبررات، حتى يتحمل العالم كامل مسؤولياته ويندفع اندفاعاً إلى استخدام البدائل وتطويرها حتى ولو كانت مبدئياًّ أكثر تكلفة. وسنرى في غضون سنوات قليلة عدم جدية الوعود والتكهنات التي تقول إن النفط لن ينضب خلال المدى المنظور، والمقصود هنا ليس النضوب الكامل بل النقص الكبير مقابل الطلب.
ونتمنى أن يتبنى المسؤولون إجراء دراسات علمية لبحث مدى تأثير بدائل الطاقة في مستقبل الإنتاج النفطي في دول الخليج، وهل ستسبب تحدِّياً سلبيًّاً يقلل من أهمية النفط، أم أن البدائل، وهي متوافرة ومعروفة لدينا اليوم، لا تستطيع تغطية أكثر من النسبة التي سيتخلى عنها النفط؟ وهو الأقرب للواقع. وإذا ثبت ذلك فلن يكون هناك مجال للقلق من تطوير البدائل، بل إنه سيخدم مصالحنا ومستقبل أجيالنا.