تصاعد اهتمام الصناعة النفطية ببحر الصين الجنوبي

تصاعد اهتمام الصناعة النفطية ببحر الصين الجنوبي

يكتسب بحر الصين الجنوبي ميزة أنه يتمتع بوجود احتياطيات هيدروكربونية من النفط والغاز، إلى جانب مناخ ملغم بالخلافات بسبب النزاع على ملكية بعض الجزر والمناطق، ويفاقم في الأمر حالة النمو الاقتصادي والكثافة السكانية إلى جانب فقر المنطقة عموما فيما يتعلق باحتياطيات النفط والغاز.
فنهر الصين الجنوبي يضم جزءا من المحيط الباسفيكي ويمتد من سنغافورة إلى مضيق ملقا في الجنوب الغربي ثم إلى مضيق تايوان الذي يقع بين تايوان والصين، وهذه المنطقة تضم أكثر من 200 جزيرة صغيرة تمتد على مساحة لا تبلغ ثلاثة أميال مربعة، وتعتبر مهمة، سياسيا واستراتيجيا، الأمر الذي فاقم من وتيرة النزاعات.
فالصين تطالب تقريبا بكل بحر الصين الجنوبي والجزر الموجودة في محيطه، وتمكنت عام 1974 من إحكام سيطرتها على بعض الجزر التي كانت تابعة لفيتنام وحافظت على سيادتها عليها انطلاقا من حدودها البحرية والسجلات التاريخية التي تحتفظ بها.
ولا تقتصر هذه النزاعات على الجانب النظري فقط، وإنما انسحبت إلى الميدان العملي، فهناك بعض ممارسات القرصنة البحرية التي تشهدها المنطقة خاصة في مضيق ملقا، حيث يتم التعرض إلى القوارب والسفن وتتم سرقة حمولتها التي تتضمن أحيانا نفطا خاما ومنتجات مكررة.
والممر في واقع الأمر يشكل إحدى نقاط العبور التي تمثل عنق زجاجة بالنسبة لصناعة النفط العالمية وتحتاج إلى الاهتمام به، فيبلغ عرضه في أضيق نقطة نحو 1.7 ميل وتمر به نحو 15 مليون برميل نفط يوميا قادمة من دول الخليج وغرب إفريقيا متجهة إلى الدول الآسيوية والباسفيكية بما فيها اليابان والصين، وهما ثاني وثالث أكبر مستهلك للنفط واعتمادهما على الواردات في تزايد، الأمر الذي يجعله منطقة ذات قابلية لتهديد الإمدادات ومن ثم إيجاد أزمة تكون لها انعكاساتها على السوق النفطية.
لكن إلى جانب هذا يتم اللجوء إلى القوة للحصول على الحقوق، فللمنطقة تاريخ من النزاعات الساخنة تصل أحيانا إلى التأثير في نشاط قوارب الصيد. فأحد البلدان يرسل قواربه التي يقوم البلد الآخر باعتراضها عن طريق استخدام السلاح أحيانا، والشركات التي تنقب عن النفط والغاز بتصريح من أحد البلدان يتم وقف نشاطها من قبل بلد ثان. ولهذا فالتحرشات العسكرية ليست غائبة عن الذاكرة، ومن أهمها ما شهده عام 1974 عندما غزت الصين جزر باراسل الفيتنامية وقامت باحتلالها لفرض أمر واقع، وفي 1988 قتل 70 فيتناميا عندما أغرقت الصين بعض القوارب الفيتنامية في مواجهة تمت في جزر سبارتلي.
وسعت رابطة دول جنوب شرقي آسيا إلى توفير منبر للحوار والتعاون بين المجموعة، لكن بما أن كلا من الصين وتايوان ليستا عضوين في الرابطة، فقد استعيض عن ذلك بتأسيس مجموعات عمل لمعالجة بعض القضايا بمشاركة من كل الأطراف المعنية، الأمر الذي يضمن مشاركتهما في الترتيبات الهادفة إلى إيجاد بيئة أكثر سلما وتوفير آلية للحوار تقفل الباب أمام انفلات الوضع وتحول الخلاف إلى نزاع مسلح..
وفي مثل هذه الظروف تتجه الأنظار إلى الخريطة العامة التي ترسم قسمات المنطقة بما في ذلك الاحتياطيات الهيدروكربونية التي تضيف بعدا استراتيجيا وتصبح في حد ذاتها مصدرا لإشعال النزاع.
هذه المنطقة، ووفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن النمو الاقتصادي المتصاعد فيها ضاعف من حجم الطلب على النفط والغاز بنحو 2.7 في المائة سنويا من نحو 14.8 مليون برميل يوميا في 2004 إلى 29.8 مليون في 2030، وستحوز الصين على نصف معدل النمو هذا.
وسعت الأمم المتحدة من جانبها وعبر قانون البحار في تهيئة شيء من الأرضية لتحقيق نوع من التفاهم والاتفاق على بعض المواجهات الخاصة بوضع الجزر والجروف القارية، وهو ما يمكن أن يضع إطارا لمعالجة بعض القضايا الإقليمية، فهناك مطالبات ونزاعات حول مختلف المناطق في بروناي، كمبوديا، الصين، إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، تايوان، تايلاند وفيتنام.
تراوح التقديرات حول حجم الاحتياطيات النفطية والغازية في هذه المنطقة. فبعض الدراسات الصينية تضع حجم الاحتياطيات في حدود 213 مليار برميل، وفي عام 93/1994 قدرت الجمعية الجيولوجية الأمريكية حجم الاحتياطي في المنطقة بنحو 28 مليار برميل، وفي تقديرات صينية جديدة تراجعت تلك الاحتياطيات في حدود 105 مليارات تتوزع في العديد من الجزر التي تعج بها المنطقة. وقد يكون أفضل تواجد لها في إندونيسيا، بروناي، ماليزيا، تايلاند وفيتنام. بينما تحتوي الفلبين على غاز فقط، ولم توجد أي شواهد على وجود النفط.
وترى الجمعية الجيولوجية الأمريكية أن 70 في المائة من الاحتياطيات عبارة عن غاز، وتراوح التقديرات التي تضعه هذه الجمعية في حدود 900 تريليون قدم مكعب، بينما تضع شركة هسكي إينريجي الاحتياطيات بين 4 إلى 6 تريليونات قدم مكعب.
وعندما تتجه النية إلى استغلال أي حقل من حقول النفط أو الغاز يتم تحديد مساحتها ووضعيتها القانونية قبل الشروع في أي عمليات حفر أو تنقيب، ولهذا يراوح التعامل مع بعض المناطق المتنازع عليها في بحر الصين بصور مختلفة. وبصورة عامة يمكن الإشارة إلى أن لائحة الدول التي بدأت في استغلال ثروات النفط والغاز في المنطقة رغم النزاع تضم: إندونيسيا، الفلبين، ماليزيا وبروناي، فإندونيسيا مثلا تطالب بالحقول الغنية بالغاز في جزر ناتونا.
ومنذ بداية هذا العام يقدر حجم الاحتياطي في هذه الجزر بنحو 46 مليار قدم مكعب من الغاز الذي يمكن استرجاعه، ولم تكن ملكية إندونيسيا لهذه الجزر مثار نزاع حتى نشرت الصين خرائط رسمية، ما يعني أنها تتجه إلى المطالبة بها. لكن لم يصل الأمر إلى درجة التدخل العنيف لوقف العمل في الجزر. ولهذا استمرت إندونيسيا في استغلال الغاز وتصدير جزء منه إلى سنغافورة عبر خط يمتد تحت الماء مسافة 400 ميل منذ عام 2001.
بالنسبة للفلبين فهناك حقلا مالامبايا وكاماقو ويوجدان في مياه إقليمية تقول الصين إن سيادتها تمتد عليهم، وهما يحتويان على احتياطيات من الغاز تبلغ 2.3 مليار قدم مكعب و4.4 مليار على التوالي. وتقوم الفلبين بتطوير عمليات إنتاج الحقلين لتزويد ثلاث محطات لإنتاج الكهرباء.
أما ماليزيا، فتوجد معظم حقول الغاز لديها في إقليم ساراواك، التي تضع الصين عينها عليها أيضا، لكنها لم تتحرك بما يوقف استغلال الاحتياطيات الموجودة حتى الآن. من ناحية أخرى، فإن اكتشافات شركتي "رويال داتش شل" و"ميرفي" النفطيتين في جزيرة صباح أسهمت في إشعال النزاع مع بروناي حول الحقول المغمورة، خاصة وبروناي تقول إن حدودها البحرية ببعدها الاقتصادي تتجاوز مائتي ميل.

الأكثر قراءة