خبراء: قرارات "هيئة المحاسبة" قد تؤدي إلى عمليات بيع للصكوك وذوبان الصناعة الناشئة
أثار تصريح خرج من إحدى شركات الاستشارة المالية الغربية نوعا من البلبلة لدى حاملي الصكوك الخليجية التي تم إصدارها قبل نحو أربعة أشهر, وذلك بعد أن أكد أحد كبار مسؤولي الشركة البريطانية أن الخطوط الإرشادية الجديدة التي أصدرتها هيئة المحاسبة والمراجعة المالية الإسلامية في البحرين أخيراً حول الصكوك , قد تسهم في إشعال فتيل مبيعات واسعة النطاق لحاملي هذه الصكوك "القديمة" من جراء عدم مطابقتها للإرشادات الجديدة التي لم يتطرق أي قرار فيها إلى شرعية الصكوك "القديمة القائمة".
وساهم في تعزيز تلك المخاوف تصريح رئيس المجلس الشرعي في الهيئة الذي أخلى فيه ساحة مجلسه من الإفتاء حول شرعية تلك الصكوك القديمة القائمة, وألقى بالثقل حول مدى تحديد شرعيتها على فقهاء البنوك.
ونقل على لسان الشيخ محمد تقي عثماني في تصريح له لبلومبرج خلال إجابته عن الفترة التي ستسري فيها تلك القواعد الجديدة , قوله "إن الأحكام الشرعية شاملة لكل زمان ومكان، ولذلك فإنها تنطبق على الإصدارات القديمة والجديدة. ولكن حيث إن الإصدارات القديمة وافِق عليها من قبل المجالس الشرعية في المؤسسات المصدرة، فإنه يقع على عاتق هذه المجالس أن تقرر كيفية التعامل معها".
وقال ستيفين بيرد, مراسل الشرق الأوسط لإذاعة marketplace الأمريكية
"لقد أصدر مجلس الفقهاء خطوطاً إرشادية أكثر تشدداً من ذي قبل، وعمل هذا على إظهار كثير من السندات القائمة وكأنها لا تلتزم بالأحكام الشرعية".
بينما قال الدكتور أندرو هيلتون, مدير شركة CSFI للأبحاث المالية التي تتخذ من لندن مقرا لها "ربما لن يسمح للكثير من المؤسسات العالمية التي تحمل الصكوك بعد الآن بحملها، وربما تجد لزاماً عليها أن تبيع الصكوك لأنها لن تعود صالحة كأدوات استثمارية لتلك المؤسسات."ويتابع المحلل الاقتصادي السابق للبنك الدولي خلال حديثه للإذاعة الأمريكية "إن ما يحدث الآن يذكرنا بتفكك أسواق الائتمان التقليدية، حين جُرِّدت عمليات السندات، بما فيها القروض السكنية لضعيفي الملاءة، بصورة مفاجئة من تقييمها الإتماني الممتاز".
وفي حالة حدوث عمليات البيع, أضاف قائلاً "من الممكن أن يؤدي ذلك إلى ذوبان الصناعة المالية الإسلامية، وهو أمر كان الناس يشعرون بالقلق منه منذ فترة، وهو أمر مرعب تماماً بالنسبة للمؤسسات التي استثمرت في تلك السندات".
ولاستشفاف حقيقة الأمر تحدثت "الاقتصادية" مع بول ووترز أحد المستشارين القانونيين في الصرافة الإسلامية في تركيا وبالتحديد في مكتب " بينير" للمحاماة، والذي حذر من حدوث ذلك السيناريو. حيث قال" يجب أن نضع في اعتبارنا أن معظم الإصدارات السابقة للصكوك، إن لم تكن كلها، أجيزت من قبل فقهاء مسلمين لهم مكانتهم".
وأضاف "إن آراء هؤلاء الفقهاء الأفاضل، وإن كانت لا تتفق مع آراء الشيخ عثماني وهيئة المحاسبة، لم تصبح باطلة بين عشية وضحاها، كما أن اختلاف الآراء أمر مقبول، ومقبول بالتأكيد في الصناعة المالية الإسلامية الناشئة، التي بعد فترة البداية هي الآن على أعتاب طور الابتكار".
وزاد " إن وقوع عمليات بيع للصكوك على نطاق هائل سيضر إضراراً كبيراً بهذه الصناعة الجديدة التي تسعى للعثور ما أمكن على توازن بين اقتسام المخاطر، ومعايير التقييم التقليدية، والمتطلبات العامة للسوق".
إلى ذلك, قللت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية من التصريحات القادمة من لندن, وأكدت لـ "لاقتصادية" أن الوكالة لا تتفق مع آراء هيلتون.
وقال فيليب لوتر, نائب الرئيس، مسؤول ائتماني أول في موديز" صحيح أن الالتزام بالأحكام الشرعية سيظل دائماً موضوعاً للجدل، وربما يتخذ بعض الفقهاء موقفاً أكثر تحفظا من الفقهاء الآخرين، وهذا أمر معروف وهو من طبيعة الجدل الديني، وبالنسبة لأثر ذلك على المستثمرين وهل سيؤدي إلى بيع أية أدوات مالية في السوق الثانوية، فإن هذا يعود إلى كل مستثمر وفق ما يراه هو".
وحول مسألة قيام مؤسسات التصنيف بتجريد الصكوك السابقة من تقييماتها الائتمانية من جراء الإرشادات الجديدة, يقول فيليب "إن التقييم بشكل عام هو دلالة على صحة مصدري الصكوك أو موجودات الصكوك أو الاثنين معاً، كما أن بعض المستثمرين ربما يقررون بيع ما لديهم في السوق الثانوية، فإن هذا بحد ذاته لا يشكل أية مخاطر ائتمانية لهذه الأدوات، وبالتالي فليس من المتوقع إجراء تغيير في التقييمات نتيجة لهذا الجدل".
واستبعد خالد هولادار، وهو محلل لدى موديز, وجود علاقة ربط بين تبعات الجدل القائم حول الصكوك و أزمة الرهن العقاري حيث قال " إن الوضع الشرعي للصكوك لا علاقة له بما يحدث في أزمة القروض السكنية لضعيفي الملاءة في الولايات المتحدة، لكونها مشكلة متعلقة بالائتمان، وملخص المشكلة أن أصحاب المساكن يعجزون عن سداد القروض السكنية، وتزداد مخاطر الخسارة بالنسبة للبنوك صاحبة القروض والمساهمين، وهذا هو السبب في الأثر السلبي على تقييمات مؤسسات الإقراض".
أما بالنسبة لملاحظات هيئة المحاسبة والمراجعة المالية الإسلامية - والحديث لخالد- فإن رأي الهيئة ليس ملزماً لجميع الفقهاء، ربما تكون لفقهاء آخرين آراء مختلفة، فهذا مفهوم في غاية الأهمية في الإسلام، كذلك فإن كثيراً من الصكوك تباع لمستثمرين غربيين ومحليين من الذين يهتمون بمقدار الخطورة الائتمانية والأرباح وليس بمدى التزامها بالأحكام الشرعية".
وترى "موديز" أن التمويل من خلال الصكوك لا يزال حديث العهد في شكله الحالي، وأنه من الطبيعي أن تكون هناك تغيرات وتطورات كثيرة مع مرور الزمن، مشيرة إلى أن النقاش "أمر مفيد للسوق".
وكانت "الاقتصادية" قد نشرت الأسبوع الماضي القرارات الستة التي أصدرتها هيئة المحاسبة والمراجعة المالية الإسلامية حول السندات الإسلامية. وعلق مراقبون حينها بقولهم إن الفقهاء بقراراتهم هذه قد وضعوا و سنوا شروطاً " أشد من ذي قبل" على مبيعات الصكوك بعد أن ذكروا أن معظم إصدارات الأوراق المالية ربما لا تكون ملتزمة تماماً بالأحكام الشرعية. و زادوا بأن القواعد الجديدة من مجلس هيئة المحاسبة والمراجعة، ستجعل من الصعب على الشركات إصدار سندات دين إسلامية في وقت تقل فيه عمليات الاقتراض بسبب أزمة الائتمان العالمية. وقد هبطت مبيعات السندات حتى الآن في هذا العام إلى 856 مليون دولار بعد أن كانت 4.7 مليار دولار في الربع الأول من عام 2007، كما تشير بيانات بلومبيرج.إضافة إلى ذلك, أن من شأن تلك القرارت أن تزيد من تكاليف إصدارات الصكوك.
و قال مصرفيون غربيون إن "قرارات الصكوك " تعد "تحولاً أساسيا" لهذه الصناعة .و ستكون بمثابة الأمر " المزعج" لكبار الإداريين الماليين الذين اعتادوا على الهياكل الموجودة حاليا
وتابعوا بأن تلك القرارات تعني أن البنوك الخليجية والغربية بدأت " بالابتعاد عن العوائد المضمونة وتتجه نحو هياكل تتسم بقدر أكبر من اقتسام المخاطر".
موجة من الفرص
تعتبر وكالة ستاندارد آند بورز أن الصكوك تنطوي على إمكانيات عظيمة للمساعدة في تمويل القروض السكنية عن طريق الصكوك المدعومة بالموجودات.
فخلال العامين الماضيين شهدت سوق القروض السكنية طفرة كبيرة في دول الخليج، و نتيجة لذلك فإن المؤسسات المالية في الخليج تشهد تبايناً متزايداً بين مواعيد استحقاق القروض طويلة الأجل التي تُصرَف للمقترضين، وبين مواعيد استحقاق التمويل قصير الأجل الذي تحصل عليه البنوك في سبيل دعم القروض السكنية. وبالتالي فإن البنوك بحاجة إلى الحصول على موارد أكبر للتمويل طويل الأجل. وعليه تبدو بيئة الأعمال الآن أكثر خصوبة نظراً لظهور التوريق بنوعيه الإسلامي والتقليدي.
وقد كانت هناك بعض التعاملات الإسلامية المدعومة بالموجودات، مثل صكوك شركة كرافان 1 المحدودة التي صدرت في السعودية عام 2004 وكانت مدعومة بمحفظة من عقود إجارة السيارات. ومع ازدياد الألفة في تقنيات التوريق في المنطقة، فإن من المتوقع أن تستفيد سوق الصكوك من موجة الفرص والابتكار.
أنواع الصكوك
في عام 2007 كان نحو ثلاثة أرباع الصكوك الصادرة عالمياً على شكل هياكل الإجارة والمشاركة. يذكر أن هناك 14 طريقة لهيكلة الصكوك، وفقاً لتعليمات هيئة المحاسبة والمراجعة المالية الإسلامية ‘. ولكن حتى الآن لم يستخدم المصدرون إلا سبعة هياكل فقط. وهذه الهياكل هي: الإجارة، والمشاركة، والمضاربة، والمرابحة، والاستصناع، وبيع السلم (أي البيع المسبق لتسليم بضائع أو سلع)، والمنفعة (بيع موجودات بملكية مؤقتة).
وكان الدولار الأمريكي هو العملة المفضلة بالنسبة لمصدري الصكوك من عام 2002 حتى عام 2007، ولكن شعبيته هبطت لصالح الصكوك الصادرة بالعملات المحلية. وقد هبطت نسبة الصكوك الصادرة بالدولار لتصل إلى 41.8 في المائة في عام 2007 بعد أن كانت 85 في المائة في عام 2002. والعملات الرئيسية الأخرى التي صدرت بها الصكوك في عام 2007 هي الرينجيت الماليزي والدرهم الإماراتي والريال السعودي.
وتتوقع "ستاندرد" أن يواصل قسم لا بأس به من مصدري الصكوك الاعتماد على الدولار الأمريكي، وذلك بالدرجة الأولى لكونهم يمولون المشاريع، خصوصاً مشاريع البنية التحتية، في منطقة الخليج حيث التكاليف في معظم الحالات تتم بالعملات الأجنبية، خصوصاً فيما يتعلق بالمواد الخام.
كما رجحت "ستاندرد" حدوث المزيد من الإصدارات بالعملات المحلية في الحالات التي تكون فيها مجموعة الموجودات التي تقوم عليها الصكوك بالعملات المحلية، خصوصاً حين يشتد ساعد الصكوك المدعومة فعلاً بالموجودات.