المدير الخفي لشركاتنا المساهمة؟
تبرز مجموعة من التساؤلات عن الرئيس التنفيذي الفعلي لشركاتنا المساهمة ومدى كفاءة هؤلاء الرؤساء التنفيذيين في تحقيق أهداف شركاتهم ليس من منظور حملة الأسهم فحسب، ولكن أيضا من منظور منظومة الاقتصاد السعودي، عطفاً على دور هذه الشركات في نمو الاقتصاد السعودي واستدامته خلال الفترة المقبلة.
حاولت دراسة الإجابة عن هذه التساؤلات عن طريق دراسة آليات وصول 120 رئيسا تنفيذيا إلى قمة هرم شركاتهم، وطبيعة المنهجيات التي اتبعوها لتحقيق أهداف شركاتهم، وانعكاسات هذه المنهجيات على النتائج التشغيلية لشركاتهم.
هدفت الدراسة بشكل رئيس إلى تطوير إطار عملي يمكن من خلاله رسم الخطوط العريضة لمسار الشركة المستقبلي بهدف تحديد جدوى الاستثمار بها من عدمه. دراسة من الأهمية بمكان قراءة تفاصيلها، والتمعن في نتائجها، وانتقاد توصياتها، والنظر إلى واقع الشركات السعودية الجديدة بهدف استقراء مستقبلها الاقتصادي، ورسم جدوى الاستثمار بها، وتقويم مسارها المقبل بما يتوافق ودورها المناط بها في منظومة الاقتصاد السعودي.
جار في الوقت الحالي نشر الدراسة خلال الربع الثالث من العام الحالي في مجلة أبحاث التقنية المتقدمةJournal of High Technology Management Research تحت عنوان "المنافسة بين أعضاء الإدارة التنفيذية، وأعضاء مجالس إداراتها، والمرشحين الآخرين للوصول إلى هرم الشركة" بعد اكتمال عملية تحكيمها العلمي، وتوافق هيئتها الشكلية مع شروط النشر العلمي في المجلة.
شملت عينة الدراسة 700 رئيس تنفيذي تناوبوا على قيادة 120 شركة خلال الفترة من 1993 إلى 2000. وصل 47 في المائة من عينة الدراسة إلى هرم شركاتهم من خلال التدرج الوظيفي الطبيعي داخل الشركة، ووصل 39 في المائة من خلال ترشيحهم من خارج قطاعات شركاتهم الاقتصادية، ووصل 2 في المائة من خلال عضويتهم السابقة في مجالس إداراتها.
اعتمدت منهجية الدراسة على تحديد قناة وصول كل رئيس تنفيذي إلى هرم الشركة (التدرج الوظيفي، أو الترشيح الخارجي، أو مجلس الإدارة). عقبت العملية مراجعة القوائم المالية للشركات المعنية طيلة الأعوام الثلاثة المالية التي تلت التعيين. ومن ثم النظر بشمولية لتطور الدور الاقتصادي للشركة داخل قطاعها الاقتصادي خلال فترة عمل الرئيس التنفيذي عينة الدراسة.
من الأهمية بمكان قبيل الخوض في نتائج الدراسة وتوصياتها العملية النظر في أدبيات الإدارة الاستراتيجية للبحث في إيجابيات وسلبيات قناة وصول الرئيس التنفيذي إلى هرم الشركة وانعكاسات ذلك على ربحية الشركة وتنافسيتها.
تشير أدبيات الإدارة الاستراتيجية إلى قنوات الوصول الثلاث (التدرج الوظيفي، أو الترشيح الخارجي، أو مجلس الإدارة) التي تحمل في طياتها العديد من الإيجابيات والسلبيات الاستراتيجية، حيث تتميز القناة الأولى، التدرج الوظيفي، بمجموعة من الإيجابيات من أهمها التكلفة، والخبرة العملية، والولاء الوظيفي، والمعرفية الاحترافية.
فتكلفة التعيين تنخفض في الغالب كون أن المميزات المادية يطرأ عليها تعديل طفيف عند تعيين أحد أعضاء الإدارة العليا في منصب الرئيس التنفيذي. والخبرة العملية تصل إلى حد القناعة بمؤهلات ومهارات المرشح كونه تدرج في مناصب مختلفة داخل الشركة خلال فترة عمله الماضية.
وعوامل الولاء، والاندماج في ثقافة الشركة، ومنهجية سير العمل في الشركة جميعها محفزات كون المرشح دأب على التعايش معها في الماضي. تتجه الشركات في الغالب إلى تعيين أحد أعضاء الإدارة العليا في منصب الرئيس التنفيذي عندما يكون مجلس الإدارة راضيا تمام الرضى عن مسار الشركة الشمولي في الفترة السابقة، ولديه الاستعداد الكافي لمواصلة مسيرة الرئيس التنفيذي السابق دون إجراء تغيير جذري في استراتيجية الشركة وإجراءات العمل.
تتميز بالمقابل القناة الثانية، مجلس الإدارة، بمجموعة من الإيجابيات من أهمها الإبداع، والتجديد، واتساع الآفاق، حيث يتميز الرئيس التنفيذي المعين من داخل مجلس الإدارة للشركة بفهمه للاستراتيجية الشمولية للشركة، ومكامن نقاط الضعف التي حالت دون تحقيق الأهداف الاقتصادية.
يسهم في الغالب مثل هذه المعرفة في تنشيط الاستراتيجية العامة للشركة وتعديل سيرها بأساليب وأدوات مقنعة لأعضاء مجالس الإدارة. تتجه الشركات في الغالب إلى تعيين أحد أعضاء مجلس الإدارة في منصب الرئيس التنفيذي عندما يكون مجلس الإدارة غير راض كل الرضى عن منهجية سير الشركة. يسهم عدم الرضى هذا في البحث عن دماء جديدة مقتنعة بثقافة مجلس الإدارة تكون قادرة على إحداث تغيير شبه جذري و ليس جذريا، في استراتيجية الشركة يمكن أن يحقق أهداف الشركة في المستقبل القريب.
تتميز بالمقابل القناة الثالثة، الترشيح الخارجي، بمجموعة من الإيجابيات من أهمها التعلم، و الثقة، واتساع الآفاق، حيث يتميز الرئيس التنفيذي المعين من خارج القطاع الاقتصادي للشركة، كالجامعات أو المنشآت البعيدة عن مجال عمل الشركة، بوجود أفكار جديدة اقتبسها من خلال عمله السابق ويحاول بلورتها على أرض الواقع في وظيفته الجديدة.
تسهم في الغالب مثل هذه الأفكار في تنشيط جانب الإبداع في إدارة الشركة وتعديل سيرها بأساليب وأدوات إدارة جديدة. تتجه الشركات في الغالب إلى تعيين إداري من خارج القطاع الاقتصادي للشركة في منصب الرئيس التنفيذي عندما يكون مجلس الإدارة غير راض عن منهجية سير الشركة.
يسهم عدم الرضى هذا في البحث عن دماء جديدة ذات أفكار إبداعية تكون قادرة على إحداث تغيير جذري في استراتيجية الشركة يمكن أن يحقق أهداف الشركة في المستقبل القريب. تسمى هذه المنهجية بالبحث خارج الصندوق، وهي أحيانا تكون الأداة الوحيدة أمام مجلس الإدارة عندما يريد إحداث تغيير جذري.
من أهم نتائج الدراسة ما يلي:
تزداد مخصصات الأبحاث والتطوير المتوقعة بتعيين رئيس تنفيذي عبر قناة التدرج الوظيفي عن تلك المتوقعة عن طريق التعيين عبر القنوات الأخرى.
تنعكس قوة السلطة الإدارية للرئيس التنفيذي السابق على ترجيح قناة التعيين عبر قناة التدرج الوظيفي.
يتأثر حجم المبيعات بتعيين رئيس تنفيذي عوضا عن سعر سهم الشركة.
يتوقع أن يزيد حجم مبيعات الشركة عندما يتم التعيين عبر قناة التدرج الوظيفي بنسبة أكبر من قنوات التعيين الأخرى.
تفضل الشركات القائمة تعيين رئيسها التنفيذي عبر قناة التدرج الوظيفي بشكل أكبر من قنوات التعيين الأخرى.
كثيرة هي الفوائد عندما ننظر من منظور هذه الدراسة إلى واقع الشركات السعودية وآليات تعيين رؤسائها التنفيذيين، حيث تتباين آليات التعيين من قناة التدرج الوظيفي، إلى تعيين أحد أعضاء مجلس الإدارة، إلى الترشيح من خارج قطاع الشركة.
ينعكس هذا التباين إلى ربحية الشركة في المستقبل المتوسط والبعيد بين فوق المتوقع، أو حسب المتوقع، أو دون ذلك. يساعد هذا التباين المستثمرين على إيجاد معيار جديد يضاف إلى معايير جدوى الاستثمار لديهم للمفاضلة بين الاستثمار في شركة عن الأخرى.