سوق الأسهم.. المستثمر الأجنبي يدخل من النافذة

[email protected]

في خطوة متوقعة ضمن سعيها لتطوير السوق المالية وتنظيمها، فتحت هيئة السوق المالية السعودية للمستثمرين الأجانب من أفراد ومؤسسات غير مقيمين في المملكة نافذة للاستثمار في سوق الأسهم السعودية بطريقة غير مباشرة تعتمد على أسلوب إبرام اتفاقيات المبادلة مع شركات الوساطة والبنوك الاستثمارية المرخص لها بهدف نقل المنافع الاقتصادية لأسهم الشركات السعودية المدرجة في السوق المالية السعودية للمستثمر مع احتفاظ الأشخاص المرخص لهم في المملكة بالملكية القانونية للأسهم بتاريخ 18/8/2008.
بداية، إن هذه الخطوة المهمة ستسجل في تاريخ تطور السوق المالية السعودية لسببين، الأول يتعلق بمدلولاتها وتأثيراتها المتوقعة على السوق وإجماعها في المدى الطويل، والثاني يرتبط بتوقعات وجهة قرارات هيئة السوق المالية التنظيمية والتشريعية المستقبلية. بتناول السبب الثاني نظراً للأهمية التاريخية لهذا القرار، فإن السماح بفتح السوق السعودية للمستثمر الأجنبي بطريقة غير مباشرة يشير إلى توجه طويل المدى يهدف إلى فتح السوق أمام الاستثمار الأجنبي المباشر ليتداول المستثمر الأجنبي في السوق السعودية كحال المستثمر السعودي، حتى وإن تم استثناء قطاعات معينة لارتباطها بأمور شرعية أو أهداف وطنية كقطاع النفط ومشتقاته وحق الأجيال القادمة في ثرواتنا الناضبة، وهو استثناء محمود بلا ريب.
إن قراءة متأنية لهذا القرار الحذر بالسماح للمستثمر الأجنبي بالدخول من النافذة يدل على قناعة هيئة السوق أن السوق المالية السعودية ليست في حاجة أبداً إلى سيولة خارجية بل إلى مؤشر وتغذية معلوماتية عكسية من المستثمرين المؤسساتيين المحترفين في الأسواق العالمية لتقييم السوق السعودية وإعطاء انطباعهم عنها مقاساً بحجم استثماراتهم واهتمامهم، وأنا أتفق مع الهيئة تماماً في هذا القرار إن كان هذا توجهها وهذه فلسفتها. ففتح السوق للمستثمر الأجنبي ليس هدفا في حد ذاته، ولكنه وسيلة تلجأ لها الأسواق لتحقيق أهداف معينة كالحصول على رأس المال، الأساليب الإدارية المثلى، حوكمة الشركات، الوصول لتقنيات معينة، وغير ذلك من الأهداف الخاصة بكل سوق والتي تنبع من خصوصية الاقتصاد الكلي وهيكليته.
فسماح مشرع السوق المالية للاستثمار الأجنبي، ولو كان من خلال وسطاء، يحمل تبعات كثيرة، منها قيام الوسطاء والشركات المدرجة بإتباع أعلى درجات الشفافية والأساليب المثلى للتعامل وحوكمة الشركات بما يتفق مع المعايير العالمية ومتطلبات المستثمر الأجنبي للدخول في السوق بناء على تقارير وأبحاث الوسيط المالية ومصداقيتها. فحين يقوم المستثمر الأجنبي بانتقاء الأسهم التي سيستثمر بها، فإن القرار يعتمد على مدخلات معظمها سيتم توفيره من قبل تقارير وأبحاث الوسيط بجانب أبحاث السوق المصدرة من الجهات ذات الارتباط بالسوق المالية، وكل هذه الأبحاث والتقارير تعتمد على شفافية ومصداقية وجودة البيانات والإفصاح من قبل الشركات المستهدفة بالاستثمار والمدرجة عموماً.
وتبعاً لتقرير صدر حديثاً من شركة أبحاث المحافظ والصناديق الناشئة الأمريكية، فقد بلغت الأموال المغادرة لأسواق الأسهم الناشئة التقليدية كالآسيوية والهندية منذ بداية العام ولمنتصف تموز (يوليو) من العام الحالي نحو 22 مليار دولار لتراجع توقعات المحافظ والصناديق الهادفة للنمو بالدرجة الأولى عن تقديراتها السابقة لنمو الأسواق الناشئة التقليدية. وأشار التقرير، دون تحديد، إلى أن أسواق إفريقيا وبالذات شمال إفريقيا وأسواق الشرق الأوسط تشكل الوجهات الناشئة الجديدة المستهدفة من قبل المحافظ والصناديق الاستثمارية المؤسسية الدولية بالاعتماد على توقعات النمو في هذه الأسواق. إذن، هناك صناديق ومحافظ استثمارية دولية تبحث عن أسواق جديدة واعدة وقد دخلت السوق السعودية بعد قرار السماح بالاستثمار الأجنبي في مرمى استثماراتها.
ويعد توقيت اتخاذ القرار ممتازاً إذا كان الهدف هو استشعار تقييمات المستثمر الدولي للسوق السعودية ضمن استراتيجية تهدف لتحسين هيكل السوق وخفض مستويات التذبذب ورفع مستوى الكفاءة. بيد أن خطوة فتح السوق للمستثمر الأجنبي يجب أن يتم متابعتها عن كثب لتقييم حجم الاستثمارات الاستراتيجية التي ستقتطع حصة من الأسهم الحرة حين يقوم المستثمر المؤسسي الاستراتيجي بالاستثمار بها. فإذا كان حجم حصة المستثمر الأجنبي كبيراً في شركات أسهمها الحرة قليلة نسبياً، فسيرتفع مستوى التذبذب وتبدأ فقاعة الأصول في التكون لأسهم معينة ثم تنتقل إلى السوق بناء على حجم العرض والطلب على الأسهم الحرة وليس اعتماداً على الأساسيات المالية والاقتصادية البحتة. لذا، يجب متابعة تأثير المراكز الاستراتيجية التي يأخذها المستثمر الأجنبي ومدى تأثيرها في الأسهم الحرة ومستويات السيولة التي قد تتأثر عند اختلال مستويات العرض والطلب وإعداد سيناريوهات للتعامل مع هذه الحالات.
وأخيراً، إن قرار السماح بالاستثمار الأجنبي بصيغته الحالية يعد قراراً إيجابياً للسوق على المديين المتوسط والطويل خصوصاً أنه سيقوم بتوفير رسائل عديدة تتعلق بثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد السعودي وتوقعاته المستقبلية التي ستقاس بتغيرات حجم المراكز الاستثمارية وأماكن تركزها. ويظل المأمول من هيئة السوق المالية السعودية وشركة تداول، الاستمرار في ترسيخ نهج الشفافية من خلال توفير بيانات كافية ومفصلة عن حجم الاستثمار الأجنبي في مختلف الشركات والقطاعات ليتمكن المستثمر المحلي والأجنبي من رؤية صورة السوق بكل وضوح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي