المتغيرات تعيد تشكيل السوق النفطية وتُبرز دور الشركات الوطنية

المتغيرات تعيد تشكيل السوق النفطية وتُبرز دور الشركات الوطنية

تعرض أخوان روسيان إلى اتهامات بالتجسس الصناعي لصالح شركة "بي. بي"، وهي الشركة الأجنبية الوحيدة التي تملك حصة غالبة في مشروع مشترك هو "تي. إن. كيه ـ بي. بي"، خاصة بعد المتاعب التي تعرضت لها "رويال داتش ـ شل" ودفعتها إلى التخلي عن حصتها الغالبة في مشروع سخالين 2. وبعيدا عن الجانب الفردي في الاتهام، فإن ما جرى اعتبر رسالة إضافية حول المتاعب المتنامية التي تتعرض لها الشركات النفطية في سوق متقلبة مع تقليل لهامش الخيارات أمام هذه الشركات، فالضغوط التي تتعرض لها "بي. بي" ينظر إليها في إطار مسعى الحكومة الروسية إلى تحويل حصة كبيرة إلى شركة غازبروم وذلك في إطار استراتيجية الكرملين لإحكام سيطرته على الصناعة النفطية.
فرغم أن سعر برميل النفط وصل إلى معدلات قياسية بارتفاعه من نحو عشرة دولارات قبل عقد من الزمان إلى التأرجح في حدود 100 دولار، إلا أن الشركات النفطية تعيش حالة من المعاناة مختلفة الأشكال مع تحقيقها أرباحا قياسية وعائدات أكبر لحملة أسهمها. فشركة إكسون موبيل، التي تعد أضخم شركة في العالم تتداول أسهمها في البورصة، حققت أرباحا صافية بلغت 40.6 مليار دولار، وذلك بزيادة 31 في المائة عما حققته في العام الأسبق, ومن مبيعات مالية للعام الماضي في حدود 404 مليارات. "شيفرون تكساكو"، الشركة الأمريكية الثانية من ناحية الحجم، بلغت أرباحها 18.7 مليار، بزيادة 9 في المائة عن أرباحها في العام الأسبق من مبيعات في حدود 220 مليار دولار. أما "رويال داتش شل" فقد سجلت زيادة في أرباحها 23 في المائة إلى 31 مليار دولار. وفي المقابل فإن "بي. بي" تعد الوحيدة التي سجلت تراجعا في أرباحها بنسبة 5 في المائة إلى 20.8 مليار دولار، وذلك من مبيعات بلغت 291 مليار دولار.
إحدى المتاعب التي تعاني منها الشركات وضع الاحتياطيات، خاصة أنه يفترض في كل شركة أن تعوض عما تقوم بإنتاجه خلال العام، لكن لوحظ في الآونة الأخيرة تزايد معاناة الشركات الأجنبية، أو الغربية تحديدا في هذا الجانب.
وتمثل شركة شل النموذج الأبرز في هذا المجال بسبب تسليط الضوء على وضع احتياطياتها بسبب الفضيحة التي طالتها قبل أربع سنوات وأدت إلى استقالة عدد من كبار المسؤولين فيها. وذكرت الشركة أنها تمكنت العام الماضي من إحلال 17 في المائة مما استخرجته خصما على احتياطياتها من النفط والغاز، ولو أن ما أنتجته يقل 4.5 في المائة عما استخرجته في 2006. وبجانب البعد التاريخي فيما يتعلق بوضع احتياطيات "شل"، فإن المتاعب التي تعرضت لها في روسيا ونتج عنها خسران مشروع سخالين 2 لصالح "غازبروم" أدت إلى خسارتها 402 مليون برميل من الاحتياطيات المؤكدة.
وفي مسعى لتهدئة المخاوف حول وضع الاحتياطيات الخاص بها، قالت "شل" إنها تخطط للدخول في 50 مشروعا ستحقق لها نموا ملحوظا في إمداداتها خلال عقد من الزمان، لكنها لم تكن قاطعة في بيانها هذا، إذ أشارت فقط إلى أن حجم إنتاجها سيبدأ في التصاعد بعد عام 2010. واتساقا مع حالة الغموض هذه وإرسالها رسالة إلى دوائر الاستثمار والصناعة النفطية، قالت "شل" إن نجاحها في التعويض تجاوز توقعات المحللين بأكثر من 100 في المائة. وأضافت أنها استثمرت في مشاريع يمكن أن تدر عشرة مليارات برميل من النفط المكافئ، وهو معيار يقل عن الاحتياطيات النفطية المؤكدة، ويمكن في حال النجاح الحصول على مليون برميل من النفط والغاز يوميا خلال العقد المقبل، ما يعني تحقيق نمو إنتاجي بين 2 و3 في المائة سنويا بعد عام 2010.
واستجابة لهذا الوضع الذي يشكل تحديا قامت كل من "إكسون" و"شيفرون" بزيادة مخصصاتهما الاستثمارية على التنقيب والإنتاج. فالأولى رفعت موازنتها الخاصة بهذا الجانب لهذا العام بمقدار 20 في المائة إلى 25 مليار دولار، كما أضافت "شيفرون" 3.8 مليار دولار.

أحد مصادر المتاعب التي تواجهها الشركات الغربية الكبرى المنافسة المتزايدة التي تواجهها من قبل شركات النفط الوطنية، التي يتزايد وجودها على مسرح الصناعة العالمية. وهذه الشركات لا تسيطر فقط على الاحتياطيات من النفط والغاز في بلدانها، الأمر الذي يشكل تضييقا في الفرص المتاحة أمام الشركات الغربية، وإنما أصبحت لاعبا لا يحتاج إلى خبرة الشركات العملية ولا إمكاناتها المالية أو التقنية.
ففي السابق كانت هذه الشركات الكبرى تتبنى منهجا تكامليا يقوم على إدارة الصناعة النفطية من فوهة البئر إلى تزويد المستهلك بالمنتجات المكررة، لكن التقلبات الأخيرة التي شهدتها الصناعة خاصة خلال العقد الماضي دفعت إلى بروز لاعب جديد يتمثل في شركات الخدمات مثل المسح والحفر وغيرهما من الخدمات، وبرزت شركات مثل "شلومبيرجر" و"هاليبرتون"، وهي مستعدة لتقديم خدماتها إلى "إكسون" بقدر استعدادها لتقديم الخدمات ذاتها إلى شركات النفط الوطنية في الدول المنتجة.
والمعاناة لا تقتصر على الشركات الغربية الكبرى، فحتى لاعب جديد مثل الشركة الصينية الكبرى "بتروشاينا" له ثقله في الميدان بسبب إشرافها على شركتي "صينوبيك" والشركة الصينية الوطنية للعمل في المناطق المغمورة، حققت زيادة طفيفة في عائداتها تقل عن 4 في المائة، ويعود هذا بصورة جزئية إلى حجم الضرائب المتصاعد ودفعها أكثر من ستة مليارات دولار، لكن رغم ذلك تخطط الشركة لزيادة إنتاجها بضخ أكثر من 18 مليار دولار.
لكن هذا الوضع ليس شاملا، إذ لا يزال هناك بعض الفرص التي تتاح للشركات الأجنبية للعمل في بلدان منتجة. وأبرز مثال على هذا ما حدث في مطلع هذا العام بحسم الخلاف المستمر لفترة طويلة في كازاخستان والسماح للشركة الوطنية هناك بمشاركة كونسورتيوم من الشركات الغربية الكبرى بقيادة "إيني" الإيطالية وتطوير حقل كاشاقان، وهو أضخم حقل يتم اكتشافه خلال فترة 30 عاما. وبموجب الاتفاق ستتم مضاعفة نصيب للشركة الوطنية في كازاخستان إلى أكثر من 16 في المائة، رغم أنها لن تدفع مقابلا ماليا مماثلا. ويضم الكونسورتيوم إلى جانب "إيني" كلا من "إكسون موبيل"، "توتال" الفرنسية، "رويال داتش شل"، "كونوكو فيليبس" إلى جانب مجموعة أنبيكس اليابانية القابضة. وسيدفع الكونسورتيوم ما بين 2.5 إلى 4.5 مليار دولار إلى حكومة كازاخستان وفق معادلة تضع سعر البرميل السائد في الاعتبار.
وبسبب هذه المتغيرات، فإنه لم تعد هناك شركة بمأمن من ضغوط السوق. ورفع الكثيرون حواجبهم دهشة في نهاية العام الماضي عندما أعلنت شركة أرامكو السعودية وبصورة غير معهودة عن تأخير البدء في تشغيل مشروع الخرسانية الذي يفترض أن ينتج نصف مليون برميل يوميا. فالتعاقدات الخاصة بالمشروع تمت ترسيتها قبل أكثر من عامين وبتكلفة تصل إلى ستة مليارات دولار، وهناك مشروع الشيبة في الربع الخالي يتعرض هو الآخر إلى ضغوط تتعلق بمواعيد إنجازه. و"أرامكو" ليست وحدها في هذا الجانب، فشركة قطر غاز القطرية أعلنت عن تأجيل لفترة أربعة أشهر على الأقل بالنسبة لبدء مشروع نقل الغاز الطبيعي. أحد أسباب ذلك أن الطلب على الفنيين والمهندسين في تصاعد. وفي أحد التقديرات أن الطلب على خدمات المهندسين في مشاريع السعودية ارتفعت إلى 50 مليون ساعة عمل العام المقبل، وذلك بارتفاع 40 في المائة في خلال فترة عامين، هذا إلى جانب تصاعد أسعار المواد المستخدمة من حديد وصلب وغير ذلك. لكن هذا التأخير لن يؤثر بصورة ملحوظة في هدف السعودية رفع طاقتها الإنتاجية إلى 12.2 مليون برميل يوميا بحلول عام 2012 وذلك عبر خمسة مشاريع في مراحل مختلفة من التنفيذ ولإضافة نوع من الخام يتوزع بين الخفيف عالي الجودة إلى الخفيف، فالمتوسط والثقيل من 10.8 مليون العام الماضي.
على أن بعض المحللين يرون أن في هذه التطورات ما يشير إلى حجم المتغيرات التي طالت الصناعة النفطية خلال فترة طفرتها الأخيرة المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات. فلم تعد تكساس ولا شركات مثل "إكسون موبيل" هي التي تتحكم في قواعد اللعبة كما كان الأمر سابقا. فرغم حجمها الكبير في السوق الذي يصل إلى 500 مليار دولار، إلا أن بروز الشركات الوطنية، وهناك قرابة 12 منها ذات ثقل معتبر مثل "أرامكو" و"بتروشاينا"، يعود إلى سيطرتها على احتياطيات أكبر من احتياطيات النفط والغاز.

الأكثر قراءة