الإصرار على السعي للتميُّز وسط عشوائية الأداء والتحيُّز

[email protected]

إذا وضع المتميز بقدرات إدارية معينة تحت المجهر وكلف بمهمة إنقاذ إدارية هي صعبة في أدائها، حيث بدا أنها وصلت من التعقيد ما وصلت فسيجد المنغصات ويفتقد المحفزات. هذا سيجده مترجما في عدم وجود سياسات وإجراءات فاعلة، ولن تكون هناك تجهيزات كاملة ولا المخصصات شاملة وبالتالي فالقوى العاملة خاملة. ما الذي يمكن أن يقوم به للنهوض بمثل هذا الكيان المتهالك؟. هل تكون الدعوة للسعي الحثيث إلى التميز معقولة ومقبولة في الاجتماع الأول بمنسوبي هذه الجهة؟. هل تمارس مسألة دراسة الواقع التي يمكن أن تستغرق شهورا وسنين فتحال للتقاعد كل الرموز أو تستقيل مفاتيح العمل قبل أن تُحل أي مشكلة؟. قد تمكن هذه الآليات من كشف كثير من الوجوه والتوجهات ويمكن تلمس مواقع مراكز الثقل في هذه الجهة، ولكن سيكون من الصعب جدا وضع التصور النهائي لبدء المشروع المأمول. هذا ما أثبتته الدراسات العلمية أن هناك شبه استحالة في الإبحار بهذه المجموعة لتحقيق الأهداف بغض النظر عن كون الإدارة أكاديمية أم خدمية, تشريعية إشرافية أم تنفيذية, لأن الخلل أصاب العظم، ولابد من حلول للخروج سالما بأقل الضرر وأقل التكاليف.
لو أخذنا الأجهزة الحكومية لدينا بما فيها الجامعات فإن أول ما يجده المدير معضلة أمام تبني أو تنفيذ أي توجه أو دعوة للتميز هو أنواع الموظفين واختلاف مشاربهم وثقافاتهم ومستويات تعليمهم, فهو يجد نفسه أمام مسؤولية تحتاج إلى جهد كبير ليس لأن العمل المطلوب من الجهاز كبير ولكن لأن من أهم عناصر النجاح اختيار الأسلوب الذي يمكنه من تحقيق المطلوب مع فئات حولت البيئة المحيطة بها لما يناسبها لا ما يناسب مدخلات ومخرجات العمل وبالتالي أهداف هذا النشاط أو ذاك. لقد تكونت بيئة عمل تناسب أبناء العاملين وذويهم، وقد يكون خدمهم أيضا ولكن ليست لتحقيق أهداف هذه الجهة. في الأوساط الأكاديمية قد يضاف مصطلح "المنطق العلمي" ومطاطية عبارة "حاجة سوق العمل" لتصبح معادلة الإصلاح سرابا يصعب تمييز الأهداف من خلالها. قد يحرص المسؤول على أن تسير الأمور في سياق مستقيم ويتغاضى عن نسبة (5 في المائة) كخطأ مقبول لأن الكمال لله وحده، ولكن المشكلة أن الجهاز الرقابي به من العناصر من يعتبرون ذات المعدن أو قد تتلمذوا على أيديهم فوضعوا شروط اللعبة لتعود الأمور لما يجب أن تكون عليه قبل قرن. ما يفوتنا دائما هو عدم لجوء المسؤولين منا للتساؤل: هل يشعر الموظف بالأمان الوظيفي أم بالإحباط الإداري؟, هل يقدر للفني مهاراته وشغفه بتحسين مستواه العملي؟, هل نُعِد العناصر للتصحيح التدريجي ويكون للموظف المشاركة في الرأي لتنمية روح المبادرة؟, هل نطبق مبدأ الثواب والعقاب بمعايير مدروسة وثابتة؟, هل تحديد الزمن وإهمال المتقاعسين والاهتمام بالنشيطين سيغير من المنظور؟. هل إشغال الجميع في مهام صغيرة ومحددة متكاملة ومترابطة يحفزهم على الأقل أداء مهامهم في تناغم كبير؟, هل يمكن تبني طريقة سنغافورية أو هندية أو صينية أو فلبينية للتغلب على أسلوب العمل البطيء الذي نشتهر به في هذا الجزء من العالم (آسيا)؟, هل همنا تطبيق النظام أم تنظيم ما نقوم به من تطبيقات تخرج عملا متكاملا ومنظوما؟. وفي المؤسسات التعليمية الأكاديمية هل للطلاب قدرة على تعويض النقص في الكوادر البشرية الإدارية والتنفيذية في بعض المهام؟.
المشكلة الآن ماذا بعد التساؤل؟, فالتعامل المباشر دون سابق إعداد وإعادة تأهيل سيولد صدامات والإعراض عن الجلوس للمشاكل إيغار للاجراح ويؤدي إلى زيادة الإحباط. كما أن إبداء الاهتمام الصوري يزيد القلق والتوجس ويخلق حالة من الضياع, أما فرض الدكتاتورية فيعني بداية الترصد والانشغال عن تحقيق الأهداف باللمم. في كل هذه الأحوال وأخرى غير خلاقة فكريا قد يلوح في الأفق أننا سلكنا الطرق التي تقود لغرق السفينة!!. لذلك قد أميل هنا إلى تبني أو اتخاذ أسلوب عصري جدا قد يكلف الوقت ويحتاج إلى تمويل بسيط لئلا نصف الوضع بالمحال. قد نستنبط من بعض الكتب والأبحاث أفكارا تدلنا للحلول مثل التي نشرت في عام 2006م وعام 2008م. أن مؤلفي كتاب Project Management in Practice الأربعة هم أساتذة متخصصون شرحوا فيه أساليب التعامل مع ظروف العمل أو المشاريع المختلفة التي يمكن أن تطور من قدرات هذا المسؤول وتزيد من حنكة ذاك الموظف. كما أن في الكتاب تحليقا بالمواضيع على الفترة الانتقالية عندما تتكالب الظروف ضد الإصلاح بهدف تعطيله أو إيقافه. أما كتابThe Challenge: Managing in the Information Age الذي كتبه "دين دكر" في العام نفسه وكتاب A Whole New Mind الذي كتبه "دانيل بينك" وصدر هذا في عام (2008م) المناقشان لكيفية جذب المسؤول للموظف للقيام بواجباته في عصر أصبحت الثقة في المسؤول معدومة فهما منهاج لكيفية الاستفادة من التقنية في خضم الأهواء البشرية المختلفة. قد تكون هذه الكتب نظرية التوجه لدى البعض ولكن في صفحاتها أفكارا ومفاهيم متجددة تتناسب وأوضاعنا تساعد أي مسؤول لتبني سبل جديدة بدلا من الوقوف كالمتفرج أو اللجوء للزعم بأنه متحرج أو الإكثار من التصاريح وكأنه مهرِّج!. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي