تقليعة شبابية .. الملايين تنفق على مزايين السيارات

تقليعة شبابية .. الملايين تنفق على مزايين السيارات

تقف بسيارتك عند الإشارة وتقف إلى جانبك مركبة عجيب شكلها لا تدري أهي سيارة أم غرفة أم لوحة إعلانات أو هي من كوكب آخر؟! تستغرب من لونها الصارخ ويشد انتباهك كثرة الإكسسوارات المزينة لها, وتقف حائرا في فك طلاسم الكلمات والرموز المكتوبة عليها أو يشرد ذهنك بالتفكير في كيفية صنع ذلك وهل هو مسموح به أم هي مغامرة من شاب طائش ؟!

لعبة أم سيارة

لم يعد تجميل السيارات وتزيينها موضة أو تقليعة لبعض الشباب بل تحول إلى حرفة وشغف للبحث عن التميز ولفت الأنظار! وكأن صاحبها سيدخل بها مسابقة لمزايين السيارات, فأشكال وألوان السيارات لم تعد كما عهدناها وتعودنا عليها. بل تحولت إلى أشبه ما يكون بلعبة الطفل. ومع انتشار هذه الموضة سارع الشباب وخاصة طلاب الجامعات والعاطلين عن العمل بالتسابق على محال التزيين والتجميل للبحث عن كل ما هو جديد وغريب في عالم تزيين السيارات غير عابئين بأوقاتهم وأموالهم.

المزيونة

عندما يمتلك الشاب سيارة لأول مرة يحاول جاهداً جذب الأنظار إليها وإليه من خلال الاستعراض بالتفحيط أو التزيين! فيلجأ إلى ابتكار عبارات ورسوم وألوان يجد فيها متعته وتلبي رغبته في تمييز سيارته وجعلها محط الأنظار . كالتغبيرة بأنواعها المختلفة وصوت السيارة وتنزيل هيكل السيارة وجعله يكاد يلامس الأرض أو رفع عجلاتها الأمامية بشكل يدعوها للقفز! ونفخ الهيكل بواسطة إكسسوارات جانبية وتركيب جنوط عريضة ومروحية ذات أشكال مدعاة للاستغراب وتظليل زجاج السيارة بالكامل سواء باللون الأسود القاتم أو بألوان مطابقة لألوان السيارة ووضع أنوار مضيئة أسفل السيارة واستخدام ميكرفونات خارجية ووضع الكشافات المتعددة الألوان وأنوار "الزينون", هذا غير النقوشات التي تزين السيارة من الداخل بالفرش الوثيرة والجلد وشاشات العرض لـ "الدي في دي" والإضاءة الخافتة الداخلية والاستريو الكبير بسماعاته الضخمة !

عبارات غزل

وكما هو مشاهد في الطريق تزينت السيارات بكتابات وعبارات وملصقات تحمل حروفا ورسوما يحتار الإنسان في فك رموزها ولاشك أنها تعني الكثير لأصحابها وعادة ما تكتب تلك على الزجاج الخلفي و باللغة الإنجليزية وللأسف بعضها يكون خادشا للذوق العام كعبارات الغزل وكلمات الأغاني العاطفية, والبعض يضع ملصقات كبيرة وصغيرة تحمل شعارات لأندية رياضية محلية وعالمية تعبيرا عن مدى تشجيعهم وتعلقهم بها. أو وضع صور لشخصيات كرتونية شهيرة ومنهم من يضع ملصقا باسم مدينته أو مسقط رأسه أو اسم ورمز قبيلته كنوع من تأكيد الولاء والانتماء للمنطقة أو القبيلة ! .وأخيرا انتشرت ظاهرة استخدام شعارات الماركات العالمية التي تحمل أسماء كبار المصممين.

عروستي سيارتي

وفي بعض مناطق المملكة انتشرت ظاهرة تزيين سيارة زفة العروس والعريس, ومعها تنافست المحال المتخصصة بتزيين سيارة العروسة بالورود الطبيعية والزهور وقلوب الحب وكتابة عبارات الفرح والتهاني على كامل هيكل السيارة باستخدام تظليل الزجاج بألوان فاتحة وأشرطة ورقية وصور وتصاميم خاصة حيث تتنوع الأزهار والرسومات وتوزع بطريقة فنية جميلة تلفت الانتباه وتعطي تفاؤلا حسنا عن مستقبل الزواج ووسيلة لإظهار الفرح, وتبدأ أسعار التزيين من 500 ريال وأكثر, بحسب حجم ونوع السيارة ونوعية الزينة. وأكثر من يطلب ذلك هن الفتيات اللاتي يعتبرنه موضة وذكرى جميلة للعروس ويراه غيرهن وسيلة للتباهي والتفاخر ومبالغة ومظهرا من مظاهر التبذير.

صبغة بخمسة ألوان

عبد الرحمن الرميح من القصيم جاء لمحل زينة السيارات لتركيب تظليله لسيارته عبد الرحمن يقول إن الشاب يحب أن يلعب ويغير في شكل سيارته بين فترة وأخرى فالبعض تعجبه سيارة فخمة وغالية الثمن ويعجز عن شراء مثلها فيذهب لشراء سيارة رخيصة ويعدل فيها ويزينها بحيث تصبح أقرب شبها بالأولى! وخاصة أن الناس لا ينظرون إلى الشركة المصنعة أو الماركة بقدر اهتمامهم بالشكل الخارجي . بعض الأحيان يشتري الشاب سيارة ويجد بعد فترة غيره الكثير امتلك نفس السيارة هنا يحاول التغيير والتميز عن غيره بتزيين سيارته بتركيب جنوط أو تركيب زينون وجناح خلفي أو بصبغ السيارة بألوان ساطعة وملفتة للنظر كاللون الأصفر واللون الوردي! وهناك صبغة جديدة اسمها (ماجيك) تعطي خمسة ألوان بكل زاوية رؤية للسيارة تعطيك لونا مختلفا عن الزاوية الأخرى. لكل شخص ذائقته فليس كل ما أشاهده يعجبني لكني احترم اختيارات الناس.

مجرمون في الحياة !

محمد النعيم وصالح الطعيمي وعبد المجيد العبيد أعضاء من مجموعةCriminals for life! ومجموعة MAF تجد اسم هذه المجموعة يأخذ مساحة كبيرة من خلفية السيارة يقول صالح مجموعتنا كما غيرها من (القروبات الشبابية) تضم خمس عشرة سيارة جميعنا أصدقاء ونعرف بعضا ولا نقبل انضمام أحد غيرنا في المجموعة. وليس لنا أي هدف من هذه التسمية إلا أن يصبح هذا الاسم معرّفا لنا عند باقي الشباب, نجتمع مع بعض ونستعرض بسياراتنا بآخر الصيحات في عالم السيارات وتزيينها. أما محمد يقول اشتريت قبل سنة سيارتي "التاهو" 2007 وأول ما أخذتها من الوكالة ركبت عليها "شنابر" ثم غيرتها وركبت جنوط 26 وبعد فترة ركبت الموضة الجديدة وهي تركيب system وهو نظام صوتي مكبر للصوت يركب خلف السيارة له سماعات ضخمة ويشع أنوارا ملونة عديدة تعطي جمالا للسيارة. وكلفني هذا النظام الصوتي وملحقاته ما يقارب الـ 15 ألف ريال. وبعض الأنظمة تصل إلى سعر 30 ألف ريال. عبد المجيد يشتكي من المرور وخاصة في منعه لتظليل السيارة وكل مرة يطلبون منا تمزيق التظليلة نعاود تركيبها من جديد بعد ما نتجاوز نقطة التفتيش!

لوحة بمسمار واحد!

الشباب يبحث عن كل ما هو جديد وغريب كما يقول أبو حسين بائع في محل زينة سيارات ونحن نوفر لهم ما توفره لهم الشركات المهتمة بالزينة. وأكثر ما يطلبه الشباب التغبيرة الخاصة بالسفر لمقدمة السيارة وحتى لو لم يرغب الشاب في السفر فقط للتغيير نجد بعض زبائننا يأتون كل أسبوع لتغيير لون التغبيره! ولاشك أن هدف الشباب من ذلك هو لفت الأنظار. والبعض يطلب تظليل كامل السيارة مع مخالفته لنظام المرور فكل ممنوع مرغوب ! والذي يشجع الشباب على الاهتمام بسياراتهم أن أسعار غالبية مواد الزينة في متناول اليد فبعض الصبغات لا تتجاوز 60 ريالا كما أن أغلى أنوار الزينون تصل إلى ثلاثة آلاف ريال. وآخر موضة الآن يطلبها الشباب هي تثبيت لوحة السيارة بمسمار واحد حتى يجعلها تتدلى وتهتز!

أيد ناعمة

ولكثرة الطلب على تزيين السيارات في جدة أنشأت إحدى الشركات المتخصصة ورشة تزيين السيارات خاصة بالنساء يعمل بها فتيات تدربن على التصميم الفني بواسطة (الايربريش) تصاميم يتم رسمها من قبل المصممة باليد على هيكل السيارة الخارجي في حين يتم عمل ديكورات داخل السيارة تناسب طبيعة ووظيفة المرأة , حيث قدرت الإحصاءات أن 40 في المائة من السيارات في المملكة مسجلة بأسماء نساء .

تفسير الظاهرة

الأستاذ الدكتور عبدالله سلطان السبيعي أستاذ الطب النفسي في كلية الطب جامعة الملك سعود يفسر هذه الظاهرة بقوله: أولاً لا أتصور أننا أمام ظاهرة فريدة.  ما نتحدث عنه خاصية سلوكية تكثر في مرحلة المراهقة وتتناقص تدريجياً خلال مرحلة الشباب. هذه الظاهرة تعكس رغبة الشاب في عدة أمور:
    1. الانسجام مع أقرانه الذين يفعلون الشيء ذاته.
2. إظهار القوة وذلك من خلال بعض الإضافات وكتابة بعض العبارات أو الصور التي توحي بذلك. وفي هذا السياق يأتي التفاخر بالقبائل وهو ما كرسته بعض البرامج مثل شاعر المليون وبعض الفعاليات مثل مزاين الإبل... وخلافه
3. إخفاء الشعور بالضعف. وكلنا نعرف أن مرحلة المراهقة هي انتقال من مرحلة الطفولة التي تتسم بالتبعية إلى مرحلة الرشد التي تتسم بالحرية والتفرد في الرأي وممارسة اتخاذ القرار.
4. التمرد. وهذه المرحلة أيضاً تتسم بالتمرد على السلطة بكل أشكالها (الوالدين، المعلم، الشيخ، النظام...الخ.  لذلك يحب المراهق أن يشع على سياراته بعض الممنوعات مثل التظليل الكثيف وتغيير الجنوط والإطارات وخلافه مما قد يكون خطراً على مواصفات السلامة بالسيارة.
   5. الرغبة في لفت الأنظار. وفي هذه المرحلة يبدأ اهتمام المراهق بالجنس الآخر أو حتى ببعض من يفتتن بهم من بني جنسه، ليظهر لهم أنه عمل هذا من أجلهم أو أن ذوقه متوافق مع ذوقهم أو أن لديه ما ليس عند غيره...الخ.
خلاصة الموضوع أن هذه خاصية سلوكية طبيعية.  قد تتساءل: إذن لماذا لا نراها في البلدان الغربية مثلاً؟ الجواب هو أنها موجودة ولكن ليس في السيارات بل في الملبس وقصة الشعر وغيره مما يمكن أن يمتلكه المراهق.  في بلدنا لا يكاد الطفل يضع رجليه على أولى عتبات المراهقة حتى يحصل على أحدث جوال (إن لم يكن قبل ذلك) ويليه الحاسب المحمول المجهز بدخول الإنترنت عن طريق الشبكات، ثم السيارة قبل أن يكمل عامه الخامس عشر.
أقول ذلك ولعلي أمارس بعضه... ولكننا نستجيب لضغط أبنائنا... وضغط أبنائنا جاء من التركيبة المعقدة للمجتمع الذي انفتح على العالم وأصبح التباهي بالمظاهر والشكليات من أهم سماته.  ببساطة إنني أنا وأنت من صنع هذا بأبنائنا لأننا علمناهم الاهتمام بالمظهر دون المخبر.  وهانحن نحكي عن ظاهرة انجراف الشباب وراء تزيين سياراتهم والاهتمام بها وصرف الأموال الطائلة عليها... وهي أموالنا نحن بالطبع وليست أموالهم.

الأكثر قراءة