العرف والعقد

العرف والعقد

عند القراءة فيما كتبه أهل الفقه والأصول تحت قول الله تعالى: ?لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله?، وقوله، صلى الله عليه وسلم، لهند بنت عتبة رضي الله عنها: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، ترى تعليقا لهم يذكرون فيه الاستدلال بمثل هذه النصوص على اعتبار العرف في الأحكام الشرعية، وهذا المعنى متقرر عند عامة أهل العلم، وجار في استعمالهم ولا سيما في مقام العقود والمعاملات، سواء في ذلك كانت العقود عقود معاوضات، أو تبرعات أو استيثاق، فترى لهم سطرا من ذلك عند الكلام في صيغ العقود القولية أو الفعلية، وعند الكلام في الأثمان والمعتبر منها، وما يدخل في الإجارة من المرافق وما لا يدخل، وما يعد في حرز الوديعة، وما يغتفر من يسير الغرر، واعتبار ألفاظ الموصي في وصيته، واعتبار المعروف في النفقة بين الزوجين، وفي ألفاظ الطلاق والفسخ والخلع ونحوها، إلى صور لا تحصى في هذا الباب، حتى إنك تراهم ينصون على أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وتحت هذا فإن العرف تارة يكون عرفا عاما لا يختلف فيه وتارة يكون عرفا خاصا ببلد أو فئة، فمثل هذه الأعراف الخاصة لابد من النظر فيها ولا سيما مع تجدد كثير من المسائل المعاصرة التي يصطلح فيها على مصطلحات خاصة بأهلها قد لا يدركها أحد طرفي العقد عند التعاقد، ثم لا بد من أن يكون العرف عرفا مطردا غالبا، فلا يصار إلى اعتبار عرف أفراد الناس في العقود، ولا إلى اعتبار الأعراف الطارئة بعد زمن النطق والتعاقد، بل المعتبر في هذا المقام هو العرف المقارن السابق.
والكلام في اعتبار العرف لا يعني بالضرورة اعتباره على وجه من الإطلاق، فمن المعلوم أن من الأعراف ما هي صريحة في مخالفة ما جاءت به الشريعة، فمثل هذه الأعراف الفاسدة ليست محلا للنظر والاعتبار، ومنها ما هو محل نظر وتأمل من الفقيه من جهة المخالفة الشرعية، أو من جهة الاعتبار به وتحقيق كونه عرفا من عدمه.
والحاصل أن الناظر فقه الشريعة، ومن له اشتغال بالنظر في العقود والمعاملات لا بد له من فقه مقام العرف وأثره في العقود، ولا سيما إذا علم أن جملة مما تعارف الناس عليه في تعاملاتهم داخل تحت مقام المروءة وحسن التأتي، فلا يصار إلى الغض منه تحت اعتبار مجرد لفهم عارض لقاعدة فقهية، والله الهادي.

الأكثر قراءة