لبنان والصيرفة الإسلامية (3)
في ختام منتدى الصيرفة الإسلامية الذي عقد في بيروت أول الشهر الجاري تحت عنوان التوسع نحو الأسواق العالمية، دعا المشاركون المصارف الإسلامية إلى تقوية إمكاناتها التنافسية في الأسواق المحلية والإقليمية والدولية، وتعزيز التوجه لتطوير مجالات تعاون جديدة فيما بينها. وأكدوا أهمية تعبئة الموارد المالية والبشرية، وابتكار صيغ مصرفية جديدة باستخدام أساليب الهندسة المالية بغرض توفير الأدوات اللازمة لتشغيل أموال المصارف وتنمية استثماراتها، وهو الأمر الذي سيعزز من قدرتها على تبني استراتيجية التوسع نحو الأسواق الداخلية والخارجية. ولأن القطاع المصرفي الإسلامي المنظم والناجح سيكون أقدر على دعم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، طالب المشاركون بضرورة اعتماد الضوابط الشرعية والقانونية الكفيلة بتنظيم أعمال المصارف الراغبة في تقديم خدمات التمويل الإسلامي، باعتماد التدقيق الشرعي الخارجي، وتقنين التدقيق الشرعي الداخلي. وأوصوا بتقليص دور هيئات الرقابة الشرعية للمؤسسة الواحدة، وتوسيع دور هيئات الرقابة الشرعية الموحدة على مستوى الدولة أو القطاع.
وعرج المنتدون بالطبع على موضوع الصكوك الإسلامية وهي البديل الإسلامي للسندات التقليدية الربوية، التي أصبحت من أهم الأدوات الاستثمارية في الصيرفة الإسلامية. ورأوا ضرورة استمرار الحكومات في تشجيع ودعم الاعتماد على الصكوك الإسلامية في مجال استقطاب وتوظيف موارد المصارف.
والواقع أن تنوع وتعدد أساليب وصيغ إصدار الصكوك الإسلامية غدا مهما لتوفير حلول متنوعة للشركات والحكومات الراغبة في الاستفادة من تقانة التصكيك الإسلامي. إن تجارب إصدارات الصكوك الإسلامية يبين أن هذه الأداة صارت ذات قيمة مضافة أعلى وأن استخدامها يعد أفضل نسبيا من استخدام أدوات التمويل التقليدية، وأنها أضحت وسيلة مهمة ومفيدة لتمويل مشاريع البنى التحتية والمشاريع التنموية الكبرى. وقد حققت هذه الصكوك في السنوات الخمس الماضية قفزات نوعية من حيث كمية الإصدارات ومستوى العوائد، وحازت اهتمام الأسواق المحلية والدولية.
ومع أن هذه الإصدارات أحيطت دوما برقابة شرعية تضمن سلامة الإجراء والتنفيذ من حيث موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، إلا أن هذه الصكوك ما زالت تعاني بعض الصعوبات والتحديات التطبيقية والشرعية التي تحتاج إلى مزيد من جهود الفحص والمراجعة والتطوير. ولعل من أهم التحديات التي تواجهها هو غياب وجود سوق ثانوية متكاملة لها بسبب قلة عدد الصكوك الأولية المصدرة في الوقت الراهن مقارنةً بسوق السندات التقليدي. لكن المتابع لتطور سوق الصكوك الإسلامية يمكنه أن يستنتج أنها مقبلة على طفرة كبيرة في الإصدارات لم تعدها من قبل، وهو ما ينبئ بمستقبل واعد أيضا لسوقها الثانوية على مدى السنوات العشر المقبلة، الذي سيؤول مع الوقت لظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق لتجعل من هذه الصكوك أداة ممتازة لعمليات الخزانة والمبادلة في صناعة الصيرفة الإسلامية.
في بداية العام الجاري، ارتفعت حدة الجدل الفقهي حول صحة بعض هذه الصكوك من الناحية الشرعية، حتى خشي وقتها أن يؤدي هذا الجدل في نهاية المطاف إلى تعطل هذه السوق وانتكاسها. لذا فإن تطوير هذا القطاع لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة ومستمرة من جميع الفقهاء والمختصين من أجل ضبط طريقة إصدار هذه الصكوك لكي تحظى بالقبول الشرعي، ومن ثم تنهض بدورها المأمول في خدمة حاجات الصيرفة الإسلامية وغايات التنمية الاقتصادية في المجتمعات الإسلامية.
الصناعة المصرفية في لبنان تلملم نفسها لتحجز لنفسها مكانا وتلحق بالتطورات والتغيرات المصرفية التي تجرى في المنطقة، من خلال اهتمامها وتركيزها على تقديم خدمات الصيرفة الإسلامية. بيد أن نجاح لبنان سياحيا ومصرفيا يعتمد في الدرجة الأولى على استمرار استقراره السياسي والأمني.