رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


شكراً دبي .. دروس في محاربة الفساد

[email protected]

لا يخلو نظام اقتصادي مهما تفاوتت مراتبه ومرحلة تقدمه من أنواع المنتفعين والذين يقعون في شراك الفساد المالي والإداري والكسب غير المشروع من وراء الوظيفة، المنصب، أو المهمة المسؤول عن إنجازها. ويتفاوت حجم الفساد المالي والإداري من دولة إلى أخرى تبعاً لجودة البيئة المؤسسية الكلية والتي تشمل فعالية مؤسسات الرقابة والتفتيش الحكومية، قوة النظام القضائي واستقلاليته، تطبيق أنظمة وآليات رقابة وتفتيش داخلية ديناميكية حديثة في المنشآت الاقتصادية، وغير ذلك من أنظمة وسياسات لا تستهدف الفساد فحسب ولكن تمنعه قبل أن يأخذ مكاناً.
ويؤثر الفساد المالي والإداري سلباً في البيئة المؤسسية وبالتالي الاقتصادية، حيث يؤدي إلى نتائج غير محمودة تطول مختلف الأنشطة الاقتصادية. فالاستثمار الأجنبي، على سبيل المثال، عالي الحساسية تجاه معدلات الفساد لأن قرار الاستثمار الأجنبي يعتمد على الجدوى الاقتصادية من الاستثمار في بلد معين والتي يدخل الفساد فيها كعامل مخاطرة للاستثمار. لذا نجد أن هناك علاقة عكسية في أغلب الأحيان بين حجم الاستثمار الأجنبي وحجم الفساد في اقتصاد معين. وعلى الرغم من صعوبة قياس حجم الفساد كمياً نظراً لطبيعته التي تتسم بالسرية، إلا أن هناك مؤشرات ومقاييس تقريبية منها مؤشر قياس الانطباع تجاه الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية والذي يقوم بترتيب 180 دولة تبعاً لنقاط المؤشر المحسوبة بتقييمات خبراء ومسوح لوجهات نظر وحدات اقتصادية ذات علاقة.
ورجوعاً إلى مؤشر العام الماضي 2007، فإن قطر تليها الإمارات جاءتا في المرتبتين الأوليين على العالم العربي في المركزين 32 و34، على التوالي. ولكن، وعلى الرغم من هذه المراكز المتقدمة، إلا أن وسائل الإعلام قد فاجأتنا في الأسبوعين الماضيين بقيام الادعاء العام في إمارة دبي بالتحقيق مع مسؤولين يحتلون مناصب رفيعة في الدولة أولهم كان وزير دولة رفعت عنه الحصانة ثم خضع للتحقيقات وأحيل مع ثلاثة متهمين آخرين إلى المحاكمة بتهمة خيانة الأمانة. هذا التحقيق مع الوزير وإحالته إلى المحاكمة كانت مجرد بداية لما يبدو أنها حرب متواصلة ضد الفساد واستغلال النفوذ بدأت تطول مسؤولين كبار في شركات معروفة كشركة "نخيل" العقارية، بنك دبي الإسلامي، شركة ديار، وغيرها. فماذا يحدث في دبي؟
مع ارتفاع العوائد والأرباح، تزيد حالات الفساد نظراً للوفرة المالية خصوصاً حين تكون العوائد كبيرة وتتراكم ضمن فترة زمنية قصيرة. فالنمو وارتفاع العوائد في فترة زمنية قصيرة كما يحدث في السنوات الماضية في دبي كان أسرع من قدرة النظم المؤسساتية والرقابية على التوسع في التفتيش والمتابعة في السنوات الماضية، إلا أن الظاهر حالياً أن القضاء الإماراتي بدأ في التحرك والتحقيق في شبهات الفساد على أعلى المستويات. كما أن الحرب القوية التي بدأت أخيرا والمدعومة من حكومة دبي وبإصرار من القضاء الإماراتي بحسبما ورد على لسان المدعي العام في دبي أن الحكومة ستواصل "انتهاج موقف صارم ضد أشكال الفساد، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق مرتكبيها، وأن محاربة الفساد في صدارة أولويات الحكومة، مشيراً إلى أنها ستعلن نتائج التحقيقات الجارية مع مسؤولين مخالفين فور انتهائها". حقيقة، هذا الموقف القوي المدعوم بشفافية عالية تتيح للمتابعين والمستثمرين الحصول على آخر المعلومات والتطورات المتعلقة بقضايا الفساد سيؤدي دون ريب إلى رفع ثقة المستثمر في البنية المؤسسية للاقتصاد الإماراتي، واقتصاد دبي على وجه الخصوص. فالثقة في قطاع الأعمال تعتمد على إجراءات مكافحة الفساد الحالية والتوقعات المستقبلية لتأثير هذه الإجراءات في مستويات الفساد. وبالنظر إلى الإجراءات التي يتم اتخاذها ضد مسؤولين كبار في الدولة، لا شك أن هذا سيكون رادعاً للمسؤولين والموظفين الآخرين مهما كانت مناصبهم وإجراء وقائياً ضد الفساد واستغلال النفوذ. هذا الإجراء الوقائي هو ما يتطلع إليه قطاع الأعمال عند رسم الخطط المستقبلية لتقليل مستويات المخاطرة التي قد تؤثر في الاستثمارات وعوائدها.
وأخيراً، على الرغم من تناول وسائل الإعلام عددا من حالات الفساد المالي واستغلال النفوذ في الإمارات، إلا أنه من المتوقع أن تؤثر هذه الحالات والإعلان عنها إيجابياً في رفع معدلات ثقة المستثمر وتقدم الإمارات في مؤشر الانطباع تجاه الفساد المالي. فالسكوت عن هذه الحالات والتكتم عليها وكأن شيئاً لم يكن، لن يغير حقيقة وجودها ومعرفة الكثير عنها ما يؤدي حتماً إلى استشرائها وتحولها إلى ظاهرة كما يحدث في الكثير من الدول. فبعد الدروس المتتالية في النمو، العمارة، التخطيط، الانفتاح الجميل، الإدارة الاقتصادية، الإدارة المالية والاستثمارية، النقل والمواصلات، وغيرها من الدروس، تعود دبي مرة أخرى لتعطي درساً رائعاً لتحسين البيئة المؤسسية وضمان تفوقها، شكراً دبي.

كاتب وباحث سعودي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي