رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العشوائيات .. العقل أمام العاطفة

[email protected]

يُهزم العقل أمام العاطفة ما لم يكن عقلا راجحا بنى قراراته على قاعدة متينة وصلبة من المعلومات والتحليلات والاستنتاجات, وهو ما يجعلنا نرى كثيرا من القرارات العقلانية التي تحظى بدعم رسمي وشعبي تقف ضعيفة أمام الصرخات العاطفية لفئة قليلة تدعي التضرر من تلك القرارات, ما يؤدي إلى تلاشي تلك القرارات بمرور الزمن بالشكل الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلات بشكل يصعب معه معالجتها مستقبلا وإن بذلنا أضعاف الجهد والمال والوقت.
العشوائيات هي مناطق نشأت لأسباب عديدة دون مخططات تقسيم أراض معتمدة من البلديات على أملاك عامة أو أملاك خاصة أدت إلى توسع عمراني عشوائي غير مخطط, وهو ما أدى إلى تجمع سكاني كثيف متدني التعليم والدخل يعاني مشكلات اجتماعية ومشكلات أمنية خطيرة ومتفاقمة حيث ارتفاع معدل البطالة والجريمة والانحراف الاجتماعي والأخلاقي وانتشار الوافدين المخالفين لنظام الإقامة والعمل, والمقرون ببنية تحتية ضعيفة تعجز عن خدمة المباني كافة, إضافة إلى شبكة طرق متباينة العرض وغير ممهد ولا تسمح بمرور السيارات, إضافة إلى المشكلات البيئية, حيث تدني مستوى النظافة ما يجعلها تشكل بؤرة لانتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة.
وفي تقرير مصور لـ "العربية" قبل بضعة أيام قال المراسل إن العشوائيات تشكل نصف الأحياء في منطقة جدة حيث تزيد على 50 عشوائية وهو كم كبير لا يمكن السكوت عن معالجته في حال من الأحوال وإلا تفاقمت الأوضاع حتى تصبح مشكلة كبيرة تنعكس سلبا على منطقة مكة المكرمة وسكانها من ناحية وعلى سمعة المملكة بشكل عام من ناحية أخرى, خاصة أنها أصبحت ملجأ لمخالفي نظام الإقامة الذين يقطعون جوازاتهم ويدعون أنهم من سكان المملكة ومحرومون من الهوية السعودية التي يستحقونها, والكل يعرف أن معظمهم من دول إفريقية دخلوا بطرق غير نظامية أو جاءوا للحج أو العمرة ومكثوا فيها.
وضع العشوائيات الاجتماعي والأمني والثقافي الخطير أفضى إلى رغبة رسمية وشعبية لمعالجة العشوائيات بأسرع وقت ممكن بتضافر جهود القطاعين الحكومي والخاص, إضافة إلى جهود مؤسسات المجتمع المدني, وهو ما أدى إلى صدور مرسوم ملكي لتشكيل لجنة وزارية انبثقت عنها لجنة تحضيرية لمعالجة تنامي المناطق العشوائية في المدن الرئيسة في منطقة مكة المكرمة, وتم تدعيم هذا المرسوم بمرسوم آخر يحث الوزارات لإعطاء الأولوية في الموازنات لتنفيذ المهام المنوطة بها لمعالجة العشوائيات والمخاطر المترتبة عليها, ومرسوم ثالث لتأسيس شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني بملكية كاملة لأمانة منطقة لمشاركة القطاع الخاص في معالجة العشوائيات على أسس استثمارية دون الحاجة إلى موازنات حكومية قد تأخذ فترة طويلة لتوفيرها.
عشوائية قصر خزام التي تشتمل على أحياء السبيل والنزلة اليمانية وأجزاء من حي البلد وحي القريات كانت العشوائية الأولى في خطة المعالجة لكونها الأكبر (3.720.000 م2 ) ولكونها تقع في الجنوب الشرقي من وسط مدينة جدة, ولديها مقومات استثمارية تحفز القطاع الخاص على المشاركة في تطويرها, حيث تم تأسيس شركة قصر خزام للتطوير المحدودة مشاركة بين شركة جدة للتنمية والتطوير المحدودة (المملوكة لأمانة محافظة جدة) وشركة دار الأركان للتطوير العقاري, التي بدأت بالتعاون مع أمانة منطقة جدة في تنفيذ مراحل التطوير بمرحلة المسح العقاري وآلية تعويض الملاك حيث تقوم لجنة تقدير التعويضات بتقدير أقيام جميع الوحدات العقارية من أراض وإنشاءات وتعويض ملاكها حسب الخيارات الثلاثة المتاحة (مساهمة, تعويض نقدي, وبيع للغير)، ولكن ما الذي حصل؟!
خرجت علينا الأصوات العاطفية التي أغمضت عيونها عن كل المشكلات والمخاطر والمخالفات وعن خطط تطوير منطقة مكة المكرمة وعن عدم ملاءمة تلك المناطق للسكن الآدمي الكريم, وعن تأثر الأحياء المخططة المجاورة لتلك العشوائيات, وعن الأضرار التي لحقت حتى بأهالي المناطق الأخرى حيث هروب العمالة والسائقين والخادمات إلى جدة حيث الملجأ الآمن لكل مجرم ومتخلف, أغمضت عيونها عن كل ذلك وأكثر لتركز بؤرة رؤيتها على أرملة ستفقد بيتها التي عاشت به أكثر 30 عاما, أو يتيما لن يجد له مسكنا بديلا, أو شيخ كبير لا يعلم كيف ينتقل مع أفراد أسرته العشرة إلى حي آخر, وجار لا يريد أن يفارق جاره إلى غير ذلك من الأحاديث والقصص العاطفية المدرة للدموع والموقفة للعقول بهدف إبقاء الوضع على ما هو عليه لتحقيق مصالح ضيقة على حساب الصالح العام وعلى حساب وطن يستحق منا الكثير لنجعله وطن الإنسانية لكل مواطن شريف يتعلم وينتج ويحترم النظام, ولكل مقيم نظامي يريد كسب رزقه بعرق جبينه لا بالتسول والسرقة وتجارة المخدرات والدعارة الممتهنة لكرامة الإنسان.
وأقول لهؤلاء الذين جعلوا من العاطفة عائقا أمام العقل: ليتكم تستدرون العواطف لتعزيز القرارات العقلانية لمعالجة العشوائيات من أجل تنمية الإنسان والمحافظة على كرامته والارتقاء بمستواه المعيشي والتعليمي بدلا من استدرار العواطف ليزداد الوضع سوءا في تلك العشوائيات, فحكومتنا الرشيدة ستأخذ كل الأبعاد الاجتماعية والأمنية والفنية في الاعتبار, فهي تهدف في الأساس إلى تنمية الإنسان بنقله من بؤر التخلف والانحطاط الاجتماعي والجريمة إلى أماكن آمنة تصلها جميع الخدمات وتنتشر فيها القيم والمفاهيم الاجتماعية السليمة ويسود فيها النظام واحترام إنسانية الإنسان ولا تهدف إلى إهانة الإنسان وسلب حقوقه, كما تصورون القضية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي