تقرير: معدلات التضخم قد تضر بمستويات التدفق الاستثماري للسوق السعودية

تقرير: معدلات التضخم قد تضر بمستويات التدفق الاستثماري للسوق السعودية

أكد أحد أكبر البنوك الأوروبية أن "التضخم والتكاليف المتصاعدة يشكلان تهديداً للاستثمار المباشر الأجنبي في السعودية أكبر بكثير من أي رفع لسعر الصرف".
وفندّ بنك ستاندارد تشارترد الحجة القائلة إن المحرك الرئيسي للتضخم هو سوق الإسكان.
يقول ماريوس ماراثيفتيس, كبير محللي العملات ورئيس قسم الأبحاث في الشرق الأوسط إن سوق الإسكان لا علاقة لها بالسياسة النقدية.
ووجه البنك البريطاني نصيحتا لدول الخليج بأن تقتدي بالتجربة التركية عندما ضبطت التضخم في ظرف ثلاث سنوات واجتذبت خلالها استثمارات مباشرة أجنبية تعادل 20 سنة مجتمعة لها. هنا نص التقرير:
إن الإسكان لا يكون عاملاً محلياً فقط حين تكون مواد البناء مستوردة هناك حجة شائعة في المنطقة تقول إن المحرك الرئيسي للتضخم هو سوق الإسكان، وهو أمر لا علاقة له نهائياً بالسياسة النقدية. ولكن هذه الحجة ليست صحيحة تماماً.
أولاً، إن مواد الإنشاء هي في معظمها مستوردة. وتقدر وكالة موديز أنه في النصف الثاني من عام 2007 ارتفع سعر الأسمنت بنسبة 40 في المائة وسعر الفولاذ بنسبة 25 في المائة. إن ارتفاع تكاليف الإسكان ليس مجرد عامل محلي. فالعملة الضعيفة تجعل واردات المواد أغلى حتى مما هي عليه.
ثانياً، إن تكاليف اليد العاملة هي الأخرى في ازدياد. وإن بلدان منطقة الخليج تعتمد بصورة مكثفة على الأيدي العاملة المستوردة. وقد شهد العمال الأجانب القوة الشرائية لرواتبهم وهي تضمحل شيئاً فشيئاً خلال السنة الماضية، ليس فقط بسبب ارتفاع التضخم وإنما كذلك بسبب ضعف العملات الخليجية في مقابل عملات أخرى مثل الروبية الهندية. والنتيجة هي المطالبة بزيادة الأجور، وهو ما يترجَم حتى إلى المزيد من الارتفاع في تكاليف الإنشاءات والمزيد من الضغط على سوق الإسكان.
أخيراً فإن توافر ما يعتبر ائتماناً مجانياً، حين نقارنه بأسعار الفائدة الحقيقية، هو أمر يعمل بصورة شبه مؤكدة على الضغط على سوق الإسكان من جانب الطلب. إن نمو الائتمان في المنطقة نمو سريع. على سبيل المثال نجد في الإمارات العربية المتحدة أن الدين الاستهلاكي ارتفع تقريباً بمقدار 40 في المائة بالمعدل السنوي في عام 2007.
هناك أيضاَ حجة تقول إن رفع سعر الصرف سيؤذي المنطقة بسبب الدخل النفطي والاستثمارات القائمة بالدولار. ربما تشعر عوائد النفط بضغط أكبر بسبب العملات الضعيفة، ولكن من حيث القيمة فإن الأمر ليس كذاك. فالدخل من النفط ومن العوائد على الاستثمارات بالدولار تقل قيمته الآن دولياً بفعل ضعف الدولار، وتقل قيمته محلياً بفعل التضخم المتصاعد. إن الفكرة القائلة إن العملة الضعيفة يمكن أن تعزز الدخول حين يتعلق الأمر بالقوة الشرائية لهذا الدخل لا تزيد على كونها وهماً من أوهام المال. فالأمر لا يختلف كثيراً عن شعور المرء بالغنى حين يطبع المزيد من الأموال. وتبين دراسة أجرتها منظمة "أوبك" أن 73 في المائة من عوائد النفط ضاعت بين 1970 و2004 بسبب ضعف الدولار وتصاعد التضخم. ليس من المهم فقط أن نرى ما هو مستوى الدخل، وإنما كذلك أن نرى القوة الشرائية لهذا الدخل.

خلق بيئة مستقرة للمستثمرين الدوليين
تريد المملكة العربية السعودية أن تصبح أحد أكبر عشرة بلدان من حيث الاستثمار المباشر الأجنبي بحلول عام 2010. ويجادل أصحاب الوضع الراهن بأن رفع سعر صرف الريال سيهدد التدفقات الاستثمارية. ولكن التضخم والتكاليف المتصاعدة يشكلان تهديداً للاستثمار المباشر الأجنبي أكبر بكثير من أي رفع لسعر الصرف. وبالنسبة لبلد يريد أن يصبح مكاناً تهوي إليه الاستثمارات فإن الاستقرار الاقتصادي الكلي هو أمر في غاية الأهمية في هذا المقام.
خذ تركيا على سبيل المثال. كانت تركيا خلال عدد من السنين من أقل البلدان في العالم من حيث توجه الاستثمارات. وكان ذلك في وقت اتسم بعدم الاستقرار في الاقتصاد الكلي وبالتضخم المرتفع. ولكن خلال السنوات الثلاث الماضية، حين تمكنت السلطات التركية في نهاية الأمر من ضبط التضخم، ارتفعت الاستثمارات الأجنبية إلى معدلات عالية تماماً. وكانت هذه الاستثمارات تزداد في تركيا في وقت كانت فيه الليرة التركية تُظهر مكاسب تبعث على الإعجاب. معنى ذلك أن العملة القوية لم تكن عائقاً أمام الاستثمار المباشر الأجنبي. بل على العكس من ذلك، فإنها كانت علامة على نجاح البلد. وخلال السنوات الثلاث الماضية، وهي السنوات التي تميزت بالقوة الكبيرة لليرة التركية، اجتذبت تركيا من الاستثمار المباشر الأجنبي ما فاق ما اجتذبته خلال 20 عاماً مجتمعة.
في عام 2007 كان أكبر بلدين من حيث الاستثمار المباشر الأجنبي هما الصين والهند. وقد ارتفع سعر صرف العملة في كل بلد من هذين البلدين خلال ذلك العام. والسبب الرئيسي في أن السلطات في الصين والهند تحملتا قوة عملتيهما هو الرغبة في مكافحة التضخم المتصاعد فقد ارتفع سعر صرف اليوان الصيني بمقدار 6.4 في المائة، وارتفعت الروبية الهندية بأكثر من 12 في المائة في عام 2007. وبالتالي فإن من الواضح أن تعديل العملات لم يجعل الصين أو الهند أقل جاذبية من حيث الوجهة الاستثمارية. إن استقرار الاقتصاد الكلي، والبيئة الرقابية، والآفاق المتاحة لاقتصادات بلدان منطقة الخليج ستكون هي السبيل الأساسي حين يتعلق الأمر باجتذاب الاستثمار المباشر الأجنبي، وليس العملة ذات سعر الصرف المتدني.

الأكثر قراءة