قضية التقنية .. الواقع والمأمول
أتابع سلسلة المقالات التي بدأ يكتبها الساكن الجديد معنا في هذه الصفحة الدكتور فهد بن عبد الله المطلق, فحياه الله, التي تركزت على مناقشة قضية التقنية في بلادنا وتحديد معوقاتها كمصدر أيد عاملة لسوق العمل, وترجع متابعتي لما يكتبه أولا لارتباط عملي بالتدريب من خلال المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وإن كنت غير متخصص في مجال التقنية تحديدا, وثانيا لأن طرح الدكتور فهد لافت للنظر لما تضمنه من فكر جديد في هذه القضية وعرض موضوعي, مرتكزا فيه على تأهيل علمي من ناحية وعلى ممارسة عملية في التخصص نفسه من ناحية أخرى, فهو أحد كوادر كلية التقنية في الرياض, كما فهمت, وهو ما جعل طرحه يسهم في إلقاء ضوء على الأسباب الحقيقية والمؤثرة في تعطل عملية السعودة, خاصة في مجال المهن التقنية, التي هي أساس عملية السعودة المطلوبة والمأمولة عبر تبيان الفارق بين الواقع الموجود والمتوقع المأمول.
لقد كتب كثيرا عن معوقات السعودة التي ما زالت قضية مستمرة في ظل عدم نجاحنا في تحقيق نسبة كافية, وذلك رغم مرور أكثر من نصف قرن ويزيد على إنشاء تعليم فني وتدريب مهني, وكثير مما يكتب كان من خارج الصورة, وهو ما جعله يطرح تساؤلات عن غياب اليد العاملة السعودية في سوق العمل وضعف وجودها غير المتناسق مع جهود التدريب وما يصرف عليه من مبالغ إلى حد الندرة في جل قطاعاته, خاصة قطاعي التجزئة والتشغيل, وهما من أهم مقومات سوق العمل, وكنت من ضمن من أسهم في إلقاء الضوء على ذلك من خلال عدة مقالات سابقة لم تجد هي ولا غيرها تجاوبا من أحد, خصوصا من المعنيين بمهام التدريب والسعودة وسوق العمل إلا مرة واحدة أسعدني فيها الدكتور غازي القصيبي وزير العمل بخطاب رقيق كعادته يشكرني فيه على طرحي في مقال لي كان بعنوان "بطالتنا وهمية وحلها سهل", وهو ما لا أرجوه لمقالات الدكتور فهد, التي آمل أن تجد آذانا صاغية وتجاوبا إيجابيا وفاعلا, خصوصا من لدن مسؤولي مؤسسة التدريب التقني والمهني والمعنيين بسوق العمل للاستفادة مما طرحه من آراء متخصصة تشخص بدقة مثالب التدريب ومعوقات السعودة والتي لم يجنح فيها للمبالغة ملتزما الطرح الموضوعي البعيد عن مقصد النقد وتصيد الأخطاء والسلبيات بقدر ما قدم آراء موضوعية تسهم في إيجاد حلول لضعف مخرجات التدريب من خلال تحديد السلبيات المعيقة لكي يتم استثمار الإمكانات الضخمة التي توفرها الدولة لقطاع التدريب, المعول الأول عليه في الإسهام في توسيع نطاق السعودة في سوق العمل, في تأهيل كوادر تقنية ومهنية.
أظن, بل أجزم أنه بعد تجربة طويلة وعريضة للمملكة في التعليم الفني والتدريب المهني تجاوزت نصف قرن دون أن نصل إلى إرساء منهجية تدريبية متكاملة قابلة للتطوير والتطويع وليس للتغير بين آن وآخر, والتي كان يفترض أن تؤسس قاعدة تدريبية فاعلة ومستقرة وإنتاجية بما يجعلها قادرة على سد معظم حاجة سوق العمل من الأيدي المهنية والتقنية الوطنية بدلا من برامج تدريب مؤقتة تعدل وتستبدل كل سنة بما يربك عمليات التدريب, وهو ما يعكسه واقعنا في مجال التدريب, خاصة التقني منه, كما أوضحته سلسلة مقالات الدكتور فهد المطلق, أظنها أصبحت تتطلب منا وقفة مراجعة شاملة لبرامج ومناهج التدريب طرقا وأسلوبا وحتى فكرا إداريا لتصحيح المسار حتى لا نظل ندور في حلقة مفرغة كثيرة الجلبة قليلة المنفعة, وأن يؤخذ هذا الأمر بأريحية إيجابية على قاعدة أن المصلحة العامة وحدها هي الهدف وليس غيرها.