رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مصادر الطاقة ومستقبلها

[email protected]

ارتفعت أسعار النفط خلال الأشهر القليلة الماضية بسرعة صاروخية إلى مستويات لم يكن أحد يتنبأ بها، حيث بلغ سعر البرميل ما يقارب 150 دولاراً. ولم يدم ذلك طويلاً، فقد هوى في غضون بضعة أسابيع كما تهوي الشهب وَفقدَ أكثر من 35 دولاراً.
 ولا بد من أن حركة الصعود والهبوط التي حدثت خلال فترة وجيزة كلفت المضاربين (أو المقامرين) في أسواق النفط مليارات الدولارات من الخسائر، باستثناء ربما قلة منهم كان الحظ في جانبهم، ممن راهنوا على الصعود في وقت ارتفاعه وعلى الهبوط بعد أن غيَّر السعر اتجاهه نحو النزول، وهو أمر مرتبط بمحض الحظ.
 وارتفاع أسعار النفط، وعموم مصادر الطاقة، في هذا الوقت إلى مستويات قياسية، ليس وليد المصادفة. فهناك مؤشرات حقيقية تنبئ بحدوث عدم توازن بين كمية إنتاج النفط وكمية الاستهلاك على مستوى العالم، ستكون أكثر وضوحاً خلال السنوات القليلة المقبلة. والنتيجة الطبيعية لذلك الحدث هو ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات جديدة.
ولن يكون غريباً ولا مفزعاً إذا عاود سعر برميل النفط الارتفاع مرة ثانية إلى حدود الـ 150 دولارا، وهو المستوى الذي وصل إليه منذ عدة أسابيع, ولا يظهر أنه ترك أثراً سلبياً يُذكر. أما إذا استمرت أسعار الطاقة في الصعود واقترب برميل النفط من 200 دولار، وهو أمر وارد، فمن المتوقع أن يكون هناك رد فعل وتأثير سلبي في الاقتصاد العالمي. وبالطبع لن تكون تلك هي النهاية، فمن المؤكد أن الأسعار سترتفع وترتفع بمرور الوقت وانخفاض إنتاج النفط، إن لم يع العالم حقيقة الأمر ويتجه بكل جد إلى سرعة تطوير واستخدام البدائل المتجددة لمصادر الطاقة.
 ولكن العالم لا يزال يعيش على أحلام الطاقة الرخيصة التي فرضها الكبار على المنتجين فرضاً لما يزيد على قرن من الزمان. ولا تزال شعوب كثيرة من العالم اليوم تعيش رفاهية لا حدود لها بسبب توافر الطاقة النفطية بأسعار بخسة لا تتناسب مع قيمته الحقيقية خلال عقود طويلة. وهذه الرفاهية ورغد العيش أصبحت الآن مهددة مع بوادر ارتفاع تكلفة الطاقة ومرحلة الانتقال من الاعتماد شبه الكلي على المصادر الهيدروكربونية إلى مصادر جديدة قد تكون أكثر تكلفة. ولتفادي حدوث أزمات اقتصادية واجتماعية نتيجة الشح المتوقع في مصادر الطاقة، كان يجب ألا نتأخر في البحث عن بديل للنفط، وهو أمر سيستغرق عشرات السنين.
 ومما يدل على عدم جدية الدول التي من المفروض أن تكون في المقدمة نحو التخطيط لاستخدام بدائل لمستقبل الطاقة، كونها تخلط بين الدعايات السياسية والتلويح لشعوبها بأنها مهتمة بإيجاد بدائل مقبولة لمصادر الطاقة. فالزعماء المرشحون لمنصب الرئاسة في أمريكا، على سبيل المثال. نجد من أهم أهدافهم الاستغناء عن استيراد النفط من الشرق الأوسط، بدعوى أن المنتجين الرئيسيين هم سبب ارتفاع الأسعار، أو أنهم يحاولون عن عمد تدمير الاقتصاد الأمريكي. والواقع غير ذلك تماماً, فدول الخليج على وجه الخصوص، وهي من أكبر منتجي النفط، تذهب في محاولاتها من أجل استقرار السوق النفطية إلى مدى لم تصله حتى أمريكا نفسها. وهي أيضاً تدرك تمام الإدراك أن الاقتصاد الأمريكي مرتبط باقتصادها عن طريق تصديرها النفط الخام إلى أمريكا بكميات كبيرة واستيراد البضائع من هناك وربط عملاتها بالدولار، فلا يصح أن تُكال لها التُّهم بممارسات تكون نتائجها ضد مصالحها القومية. والأمريكيون أنفسهم أعلم بأن ذلك ادعاء غير منطقي وخالٍ من الصحة, فلو أن المنتجين كانوا فعلاً الداعين إلى رفع الأسعار لحدث ذلك منذ زمن بعيد، وليتهم فعلوا!
 وهذه النغمة الحديثة التي يلوكها كل مرشح للرئاسة في أمريكا لا أحد يلقي لها بالا حتى في بلدهم لأنها لا تحمل أي معنى ومستحيلة التنفيذ على المدى القريب. وليس لديهم في الوقت الحاضر ولا في المنظور القريب مصادر كافية من الطاقة تستطيع تأمين حاجتهم كتعويض لكميات النفط المستورد، بل المؤكَّد أن يزيد طلبهم سنة بعد سنة حتى يجدوا حلاًّ مناسباً يتمثل في استخدام مصادر جديدة للطاقة. وكان الأجدر بهم كمسؤولين أن يصرفوا طاقاتهم نحو توجه علمي مركَّز لحل أزمة الطاقة المتوقع حدوثها على المستوى العالمي خلال زمن قصير.
 ويصعب على المرء أن يجد تفسيرا منطقيا للقلق الذي يؤرِّق أصدقاءنا الأمريكان"!" الذين يتمنون أن يستغنوا عن نفطنا، ونحن نلهث وراء بضائعهم من الطائرات والسيارات والمواد الصناعية إلى الإبرة، ولم نشتك يوماً من ارتفاع أسعارها التي تتضاعف كل بضع سنوات!! العلاقات بين الدول تربطها المصالح لكل طرف، ولو لم تكن لها مصلحة من استيراد نفط الخليج العربي لما سعت إليه، ونحن كذلك.
 
ولو تضافرت جهود معظم شعوب العالم وبدأوا في استخدام مصادر الطاقة الأخرى المعروفة على نطاق واسع، مثل الطاقة الشمسية والرياح وجريان مياه الأنهار والبحار ومصادر المياه الجوفية الحارة، وهي مصادر معظمها متجددة، إلى جانب ما لدينا من المصادر المستغلَّة، لعلنا على الأقل، كمجتمع دولي، نكسب الوقت قبل أن يعكس إنتاج النفط اتجاهه نحو الهبوط ويترك القوي الذي يملك النفوذ و المال الوفير يعبث بحق الفقير الذي لن يستطيع مسايرة ارتفاع أسعار الطاقة. ولكن لا حياة لمن تنادي، فمعظم
خلق الله راضون بما لديهم آنيا ولا يميلون إلى النظر إلى ما سيؤول إليه مصير مصادر الطاقة، ويتحدثون عن مسائل هامشية مثل الترخيص للسماح بالبحث عن النفط في أماكن كانت محظورة وزيادة الاستثمار في الحقول المُنهكة، وهي أمور لن تغيِّر كثيراً من واقع الحال. والاستثمار في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة لا بد أن يكون مبدئياًّ أعلى تكلفة من مصادر الطاقة التقليدية، كالتي نحصل عليها من المشتقات النفطية. ولكن مع استمرار صعود أسعار النفط، سيصبح الاستثمار في المصادر البديلة الأخرى، خصوصاً الطاقة الشمسية، ليس فقط مقبولاً، بل من الأرجح مع التقدم التكنولوجي والبحوث التجريبية والنمو في الإنتاج أن يتميز بتدني التكلفة بالنسبة إلى المصادر الأخرى.
 
عثمان الخويطر

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي