رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عودة قوية للدولار: ماذا عن فك الارتباط الآن؟

[email protected]

ارتفع سعر صرف الدولار منذ نهاية تموز (يوليو) الماضي إلى مستويات جيدة حيث بلغ هذا الارتفاع نسبة 8 في المائة مقارنة بأقل مستوى له خلال آذار (مارس) الماضي. مقارنة بالعملات الأخرى فقد بلغ الدولار أعلى قيمة له أمام اليورو خلال ستة أشهر وأعلى قيمة له أمام الجنية الاسترليني خلال الواحد والعشرين الأخيرة. وهذا الارتفاع للدولار أمام العملات الأوروبية جاء الأسبوع الماضي على خلفية تصريحات رئيس البنك المركزي الأوروبي المتعلقة برؤيته المتشائمة للنمو في منطقة اليورو والمدعومة بتراجع ثقة المستهلك الأوروبي بنسبة 20 في المائة وارتفاع التضخم إلى مستويات تجاوزت 4 في المائة. هذا أدى إلى عمليات بيع واسعة لليورو مما رفع قيمة الدولار بشكل كبير. عامل آخر قد يكون نتيجة (أو مسبب) لارتفاع الدولار وهو تراجع أسعار النفط. لكن المتفق عليه أن زيادة الطمأنات بشأن الإمدادات النفطية المستقبلية مدعومة بمواقف مرشحي الرئاسة الأمريكية بشأن زيادة عمليات التنقيب عن النفط أسهمت في تراجع أسعار النفط بشكل كبير.
هذه المقدمة البسيطة هي استعراض فقط لوضع الدولار الأمريكي خلال الفترة الأخيرة وهي تطرح علامات استفهام حول بعض الأطروحات المتعلقة بعلاقة الريال بالدولار. فقد أسهم الانخفاض المستمر للدولار في تأجيج الآراء المعادية لارتباط الريال بالدولار، كما برزت أطروحات تتحدث عن نهاية وشيكة لعصر سيادة الدولار كعملة رئيسية للتعاملات التجارية الدولية مما يستدعي تغييراً جذرياً في السياسة النقدية الخليجية. حتى بعض الاقتصاديين المخضرمين كرئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق أشار إلى أنه من المنطقي (في ذلك الوقت) فك ارتباط عملات دول الخليج بالدولار. لكن كل هذه الأطروحات كانت مبنية على رؤية قصيرة المدى ولم تأخذ في الاعتبار أنه في الأمد البعيد كل شيء (متغير). لذلك كان التزام وزراء المالية في دول الخليج (باستثناء الكويت) بالإبقاء على الارتباط مع الدولار منطقياً بالنظر إلى العوامل الإيجابية المتمثلة في الاستقرار المالي واستقرار الأسعار خلال أكثر من 20 عاما مضت. فلا ينبغي أن تختزل عملية تقييم الارتباط بالدولار في الفترة الأخيرة التي تميزت بارتفاع معدلات التضخم والتي ثبت أنها ترجع إما إلى مشكلة في المعروض العالمي من الغذاء وإما إلى زيادة الإنفاق الحكومي على مشاريع التنمية، وأن تأثير السياسة النقدية المحلية محدود في هذا الشأن.
وكنت قد طرحت تساؤلاً في إحدى المقالات السابقة عما إذا كان عصر الدولار قد انتهى فعلاً مما يستدعي تحولا جذريا في السياسية النقدية لدول الخليج. وكانت خلاصة المقال أن الدولار سيستمر كعملة رئيسة على المستويين القريب والبعيد استنادا إلى جاذبية الدولار كملاذ لاحتياطيات الدول وعلى رأسها الصين واليابان والدول النفطية. وأعود هنا للإشارة إلى الكيفية التي يجب بها تقييم نهاية عصر الدولار، هل هو بانخفاض قيمته أو بالتحول عنه؟ فالتحول الذي حدث خلال السنوات الأخيرة لم يكن عن الدولار ولكنه عبارة عن إعادة توزيع باتجاه أصول ذات عائد أكثر ولكنها مقومة بالدولار أيضاً وهذا يعني أن جاذبية الدولار لم تتراجع. ويمكن القول إن وضع الدولار كعملة رئيسة في العالم تراجع عندما يكون هناك تحولا جذريا للأصول المقومة بالدولار إلى أصول مقومة بعملات أخرى كاليورو. وفي هذه الحالة فقط سيتراجع وضع الدولار كعملة لتسوية التعاملات التجارية الدولية مما سيؤثر بشكل كبير في وضع الاقتصاد الأمريكي. لكن الواقع الحالي، وعلى الرغم من المشكلات المالية في النظام المالي العالمي، يؤكد أن هناك تهافتا على امتلاك أصول مقومة بالدولار وذلك لجاذبيتها بالنظر إلى انخفاض أسعارها، مما يدعم وضع الدولار كعملة رئيسة في الاقتصاد العالمي.
السؤال الذي يطرح الآن هل سيستمر الدولار في الارتفاع؟ هذا الأمر يرتبط بعدة عوامل. أولها تحسن معدلات النمو في الاقتصاد الأمريكي، وهذا يعتمد بشكل كبير على عوامل أساسية في الاقتصاد الأمريكي ومن أهمها أسعار النفط. فانخفاض أسعار النفط سيسهم في زيادة مساحة الإنفاق الاستهلاكي في دخول الأفراد والتي تقلصت بسبب ارتفاع أسعار النفط، وهذا بدوره سيسهم في دعم النمو والتوظف في الاقتصاد الأمريكي. وبالتالي فإن ذلك سيسهم في توجيه اهتمام الاحتياطي الفيدرالي للتركيز على التضخم بزيادة أسعار الفائدة بشكل تدريجي مما سيدعم أسعار صرف الدولار في الأسواق العالمية. وهذا الأمر مرهون بشكل كبير بعامل آخر وهو عدم حدوث صدمات عرض حادة في أسواق النفط العالمية. فزيادة التطمينات بشأن إمدادات النفط، سيسهم في تراجع أسعارها ومن ثم دعم ثقة المستهلك وزيادة مساحة الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي. أضف إلى ذلك أن تدخل الحكومة الفيدرالية في دعم أسواق الائتمان وتصحيح الكثير من المؤسسات المالية الكبرى لأوضاعها سيسهم في تحسين الرؤية المستقبلية المتعلقة بالاقتصاد بالنظر إلى أن الأسوأ قد مضى.
بقيت نقطة أخيرة تتعلق بالآثار الإيجابية التي ستنعكس على اقتصادات الخليج والمملكة بشكل خاص نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار. فمن جهة سيكون هناك أثر إيجابي على زيادة القيمة الحقيقية لدخول الأفراد ومن ثم التخفيف من آثار التضخم، ومن جهة أخرى فإن ارتفاع سعر صرف الدولار يرتبط بشكل عكسي مع أسعار السلع العالمية. مما يعني أن ارتفاع سعر صرف الدولار سيسهم في عمليات بيع واسعة للسلع لجني الأرباح، وهو ما يحدث حالياً، ومن ثم تخفيض أسعار تلك السلع. ولا أدل على ذلك من تراجع سعر أونصة الذهب إلى أقل مستوى خلال ثلاثة أشهر وتراجع النحاس إلى أدنى مستوياته خلال ستة أشهر. لكن على الجانب الآخر سيكون هناك أثر سلبي في الاقتصاد يتمثل في تراجع ربحية الشركات التي تعتمد على التصدير بشكل كبير، نتيجة لانخفاض تنافسية هذه الشركات في الأسواق التي لا تقيم عملاتها بالدولار كالأسواق الأوروبية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي