كم حجم الأغذية القابلة للاستهلاك الآدمي في نفاياتنا؟
يصعب على الكثير منا أن يتخيل كيف يمكن أن يذهب للنوم وهو جائع, ليس لأن في صباح الغد سيكون موعد تحليل مستوى السكر في الدم أو الاستعداد لعملية جراحية ولكن لعدم القدرة على شراء ما يمكن أن يسد جوعه!. أيضا كثير منا من يشاهد وسائل الإعلام المختلفة يوميا وقد اعتاد على رؤية دماء الأبرياء وقتل الناس ظلما وعدوانا في بقاع الأرض المختلفة ولكن هل تخيل أن يكون في واقعه أمام طفل يشاهده يموت من شدة الجوع؟. لقد دربتنا وسائل الإعلام المختلفة على سماع الأخبار المؤثرة ومطالعة المناظر الدامية إلا أننا لم ندرب أنفسنا على التعلم من هذه المشاهد كيف نبادر بالحلول والمحافظة على ما أنعم الله علينا من نعم كما يجب. إن موجة تصاعد أسعار الأغذية وباقي المؤن بأنواعها المختلفة وبشكل حاد منذ عام تقريبا لم يحرك كثيرا من الجهات بتوقيت مناسب لوقف هذا التصاعد المميت في كثير من دول العالم. المشكلة أننا كأفراد بدلا من بدء اتخاذ إجراءات داخلية صارمة غدونا نتألم ونصيح ونشتكي لأننا لم نبدأ على الأقل في مراقبة ما نستهلك وكيف نستهلكه ونبتكر الطرق المؤدية إلى الاستفادة مما بقي لئلا يضيع بأكمله دون فائدة.
لا أذكر أن الإعلام أو حتى الجهات المختصة نفسها نشرت أبحاثا وعلقت على تنفيذ توصيات لمؤتمرات أو ندوات حيال كيفية التعامل مع مثل هذه الموجات وتم بعد ذلك قياس مدى التأثير. قد تكون وضعت برامج توعوية موسمية للمجتمع إلا أنها غير منسقة من قبل عدد من الجهات التي تضمن قيام كل جهة بدورها فتؤهل بذلك المجتمع لمواجهة كل نازلة أو موجة اقتصادية أو اجتماعية تؤثر في دخل الفرد أو الأسرة, وبالتالي كان التأثير مؤقتا ومحدودا، كما أنه لم يعر اهتماما علميا. من الواضح أننا لا نتعلم من أخبار وخبرات البلدان التي تنشر إحصاءاتها ونتائج دراساتها بكل شفافية, فقد ظهر في أحد الأبحاث في الولايات المتحدة أن 27 في المائة من الأغذية المتاحة للاستهلاك يوميا سواء في الأسواق أو المطاعم بأنواعها المختلفة أو في البيوت تتلف (تلقى في الزبالة) بنهاية اليوم غير مستغلة ولا يستفاد منها. هذه الكمية قدرت بنحو 300 مليون رطل من الأغذية المختلفة. لا أدري في أي مرحلة من مراحل التغذية أو التموين أخفق وسقط العالم؟, في الواقع يموت 18 ألف طفل يوميا من الجوع في العالم ونحن لا نعلم كم من الأغذية نهلك يوميا؟!. في بعض الدول الأوروبية نشرت أخيرا نتائج إحصاءات دقيقة وصلت إلى عد حبات التفاح والنقانق الكاملة أو المقطوعة في الزبائل وحجم الغذاء المهلك من قبل الأطفال يوميا. الكميات لم تكن مجرد أرقام بل أيضا حولت لنسب لتقدر بـ (33 في المائة) من كامل المشترى والمخصص للاستهلاك الآدمي يوميا, فهل لدى أي من وزاراتنا المعنية مثل هذه الإحصاءات حتى نبدأ في وضع الخطط المناسبة وحسب حجمها سواء على صعيد الزراعة أو الاستيراد أو التصدير أو التصنيع أو التوفير أو حتى التوعية؟. إن التقديرات تشير إلى أن 5 في المائة فقط مما يلقى في النفايات في أمريكا يوميا يمكن أن يقتاب به أربعة ملايين شخص يوما كاملا، وبالتالي إذا كان ما يُخلّف يعادل 27 في المائة فإن أكثر من 20 مليون شخص يوميا يمكن أن يتغذوا من دون عناء من فائض (نفايات أو فضلات) دولة واحدة. من ناحية أخرى، فهناك من يعاني السمنة المفرطة وزيادة الأوزان فوق الطبيعية حتى بلغت نحو 66 في المائة من شعوب أمريكا الشمالية. كيف بعد كل هذه المعلومات يمكن أن نتردد في اتخاذ القرار المناسب؟!. أليس حري بنا وقف توريث أجيالنا سوء استغلال الموارد بكل أنواعها؟, أليس من المهم مراجعة مشترياتنا والالتزام في تبضعنا بما نحتاج إليه فعلا؟. أعتقد أن كل المحاولات السابقة لم تؤد نتائج فاعلة لأن الرسائل كانت غير كافية أو ملائمة أو أن هناك من يستفيد من اتباع العامة عادات الخاصة. أعتقد أن علينا إجراء بعض التحوير في نوع الرسائل وتوقيتها ومحتواها بجعلها مثلا تفصيلية أكثر وتعتمد على البراهين والأدلة بالأرقام شريطه أن يحدد من هو مبلغ الرسالة والشرائح المستهدفة في كل رسالة. ثم لابد من ذكر بعض الحلول الحديثة معطرة بعبق الحلول القديمة مثل صناعة المربيات من الفواكه الفائضة ومراعاة عدم ملئ الصحون عند تقديمها للأطفال تماما كما كانت الأمهات من سيدات مجتمع مرموقات أو بسيطات خرجن رجالا عظماء. لقد افتقدنا التخطيط الأسبوعي من حيث شراء الأغذية وطبخها حسب تماسك كل خضرة أو فاكهة فكلما رقت الأوراق وضعفت الثمار بكرنا في استهلاكها وكلما كانت أكثر تماسكا أخرناها لمنتصف الأسبوع وآخره وهكذا.
قد نقترح وقد نقرر ولكننا دون ضبط سنكون أكثر إسرافا من ذي قبل ونقع عندها في محذورين عدم اتباع أوامر الله ورسوله في حفظ نعم الله, وخرق قوانين الإنسانية في العيش مع بعضنا البعض في تكافل اجتماعي مستديم. نحن في حاجة إلى تدريب أنفسنا على استقبال رمضان هذا العام بتجربة ابتياع ما نحتاج إليه لا ما نكدسه لإتلافه فيما بعد أو محاولة تناوله فنزيد الأوزان ونصاب بالعلل التي تعددت وتنوعت مع مر الزمان, فهل نبدأ من الآن؟.