رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العشوائيات بين تشابك الأسباب وتشابك الحلول

[email protected]

نشأت وتنامت المناطق العشوائية في منطقة مكة المكرمة على وجه الخصوص كمحصلة لظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية وإدارية متشابكة حتى أصبحت أكثر من ستين عشوائية تشتمل على كثافة سكانية متدنية التعليم ومنخفضة الدخل معظمها غيرنظامي حقيقة واقعة على الأرض بكل إفرازاتها الاجتماعية والثقافية والأمنية الخطيرة ما جعلها تشكل عائقا كبيرا أمام خطط تنمية المدن الرئيسة في المنطقة الغربية مكة المكرمة وجدة والطائف، وإن كانت محافظة جدة حظيت بنصيب الأسد من تلك العشوائيات التي تجاوزت الـ 50 عشوائية تتركز أكبرها في قلب المدينة وفي مركزها التاريخي في منطقة قصر خزام، حيث قصر الملك عبد العزيز الذي مكث فيه نحو عشر سنوات قبل أن يعود إلى الرياض.
عند البحث في أسباب نشوء وتوسع وتكاثر العشوائيات نقف أمام أسباب متشابكة، حيث تتشابك مسؤوليات تلك النشأة لتصل إلى حقيقة مفادها أن عليك نسيان الأسباب وعدم إضاعة الوقت والجهد والمال لمعرفة تلك الأسباب ومحاسبة أطرافها لتركز الجهد والوقت والمال الذي ستبذله لمعالجتها والحد من آثارها السلبية في أسرع وقت في زمن تشهد فيه المملكة تنمية شاملة ومستدامة تستدعي تطوير مدن المملكة بما يليق بمكانتها والوضع الاقتصادي الذي تعيشه ومتطلبات تنويع مصادر الدخل الوطني واللحاق بركب التطور والتقدم والمنافسة العالمية المفتوحة.
ما يقلقنا جميعا بما في ذلك المستثمرون من العاملين في القطاع الخاص (الشركات العقارية المطورة) أن يفعل التشابك في الأسباب الذي أدى إلى نشوء تلك العشوائيات فعلته في إعاقة معالجتها، حيث التشابك في المسؤوليات وتداخل الأطراف المتعددة المسؤولة عن تلك المعالجة، التي يجب أن تتكامل وتعمل بشكل متواز في جداول زمنية معتمدة تعمل بها جميع الأطراف بالدرجة نفسها من المسؤولية والحماس، وهو أمر لم نلمسه في أي قضية سابقة، ما أدى إلى تأخير تطوير الكثير من المشاريع التنموية المهمة ومعالجة الكثير من المشكلات الكبيرة، حيث نرى تلك الجهات تحرص على رمي مسؤولية التأخير على بعضها بعضا أكثر من حرصها على النهوض بمسؤولياتها وإنجاز مهامها وتحقيق أهدافها في الوقت المناسب وكأن كل جهاز يعمل بمعزل عن الأجهزة الحكومية الأخرى، وما يزيدنا قلقا أن الكثير من أفراد المجتمع حريصون كل الحرص على تحقيق مصالحهم الضيقة على حساب المصلحة العامة حال تعارضهما حتى أصبح الكثير منهم عائقا كبيرا بدل أن يكون حافزا، ولا شك أن هذه الثقافة في التعامل مع القضايا والمشكلات ثقافة لا تبشر بخير بقدر ما تنذرنا بعوائق أكثر من المحفزات ما يستدعي بذل جهود تخطيط وتهيئة كبيرة للحد من العوائق وإيجاد المحفزات.
فرحنا جميعا عندما علمنا أن لائحة تطوير المناطق العشوائية في منطقة مكة تستهدف تفعيل دور القطاع الخاص بالمملكة بإمكاناته ومقوماته المتاحة للمشاركة مع القطاع الحكومي في تطوير المناطق العشوائية ووضع الإطار النظامي المناسب لذلك، وفرحنا أكثر عندما وقعت شركة جدة للتنمية والتطوير والمملوكة بالكامل لأمانة محافظة جدة اتفاقية مع شركة دار الأركان للتطوير العقاري لتأسيس شركة قصر خزام للتطوير المحدودة لتطوير أكبر عشوائية في قلب مدينة جدة على مساحة تقارب الـ 3.720.000 متر مربع في الجنوب الشرقي من وسط مدينة جدة، حيث تعد العشوائية الأكبر إعاقة لتنفيذ خطط تنمية مدينة جدة، ما جعلها في أعلى سلم أولويات معالجة العشوائيات.
وفرحنا أكثر عندما عرفنا أن معالجة العشوائيات تلقى اهتماما شخصيا من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وأن هناك لجنتين إحداهما وزارية شكلت بأمر سام بعضوية وزير الشؤون البلدية والقروية ووزير الداخلية وأمير منطقة مكة ووزير العمل ووزير المالية، وأخرى تحضيرية يرأسها أمير منطقة مكة لمعالجة تنامي المناطق العشوائية، الذي يتابع مراحل تطوير مشروع قصر خزام باهتمام ودعم كبيرين ليكون باكورة نجاح في معالجة العشوائيات يحفزنا للإسراع في معالجة العشوائيات الأخرى.
ورغم كل ذلك فإننا قلقون من الثقافة السلبية الراسخة في أذهان بعض المسؤولين في الأجهزة الحكومية الذين يقدمون الأعذار على الأفعال، الذين يؤثرون العمل المنفصل على العمل المتكامل، كما أننا قلقون من ثقافة بعض المواطنين الذين لا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية كما يرونها حتى وإن قدمت لهم الحكومة تعويضات مجزية حسب المعايير المتعارف عليها رغم أن الحكومة تمتلك حق نزع الملكيات للصالح العام بالتعويض الذي تراه، إلا أنها تضع هياكل مالية مغرية تتمثل في مشاركة ملاك العقارات في تلك العشوائيات في الشركة المطورة لتمكينهم من تعظيم أصولهم العقارية بمرور الزمن بعد أن كانت جامدة لسنوات طويلة دون بذل الجهد والمال.
كلنا أمل أن تتغير ثقافة الحرص على رمي المسؤوليات على الآخرين والعمل المنفصل لتحل محلها ثقافة الحرص على الإنجاز دون أعذار والعمل المتكامل، وأن تتغير ثقافة تغليب المصلحة الخاصة على العامة لتحل محلها ثقافة تحقيق المصلحة الخاصة بتحقيق المصلحة العامة من أجل التعاضد والتكامل لمعالجة عشوائية قصر خزام في شراكة حقيقية بين القطاعين الحكومي والخاص، لتكون نموذجا رائعا يحتذى به في معالجة بقية العشوائيات التي لها مقومات استثمارية تشجع القطاع الخاص على المشاركة في تطويرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي