لبنان والصيرفة الإسلامية / 1
خلال فترة الخمسينيات والستينيات وحتى اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الـ 20، كانت العاصمة اللبنانية بيروت مركزا ماليا إقليميا مرموقا، ثم فقدت هذا الدور مع الحرب الأهلية لتسارع البحرين بذكاء بتبوؤ هذا الدور. واليوم تحاول بيروت استرجاع أنفاسها ولملمة أوضاعها لاستعادة عزها المالي المفقود وإيجاد موقع لها في الصناعة المصرفية الإقليمية الآخذة في التوسع. فبيروت لا تريد أن تخسر فترة الوفرة المالية الراهنة بعد أن فاتتها فرصة الاستفادة من فترة طفرة السبعينيات الماضية.
لكن بيروت تواجه تحديات صعبة لتحقيق هذا الهدف. فمن ناحية، ما زال الوضع السياسي والأمني في لبنان قلقا وغير كاف لجذب الرساميل والفوائض المالية. ومن ناحية أخرى، تحتاج بيروت إلى جهد ووقت حتى يكون سهلا عليها من الناحية العملية استرداد دورها السابق بعد تعطله فترة طويلة (30 سنة). لكن في المقابل يمكن للبنان الاستفادة من عوامل اللغة والثقافة المشتركة والقرب الجغرافي، والخبرة المصرفية المتقدمة، وتماسك مصرفها المركزي الذي حافظ على دوره الداخلي حتى في أحلك فترات الحرب الأهلية، وكذلك من مرونة سلطته النقدية وقدرته على سرعة سن التشريعات المصرفية التي أصبحت تفرضها التغييرات العميقة التي طرأت على الصناعة المصرفية، والتي يمكن أن تتيح للبنان المشاركة في هذه الصناعة المتوسعة للاستفادة من إيجابيات فترة الفوائض المالية الراهنة.
وفي هذا الإطار، وبتنظيم من اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وبرعاية من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اجتمع في بيروت الأسبوع الماضي حشد من كبار المسؤولين في المصارف المركزية العربية وقادة البنوك والمؤسسات المالية في الدول العربية، للمشاركة في منتدى الصيرفة الإسلامية الذي عقد تحت شعار "التوسع في الأسواق العالمية".
ومن الواضح أن المسؤولين المصرفيين اللبنانيين عرفوا أن المدخل الصحيح لاستعادة دور لبنان المصرفي سيكون من خلال بوابة الصيرفة الإسلامية، لأن آفاق هذه الصناعة واعدة ورحبة جدا. فقد وصلت جملة موجوداتها إلى نحو 1.69 تريليون دولار عام 2007، بنسبة نمو بلغت 30 في المائة عن عام 2006. تدير هذه الموجودات مجموعة من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية المنتشرة حول العالم وصل عددها إلى نحو 300 مؤسسة ومصرف، تعمل في 60 بلدا، يتركز 40 في المائة منها في المنطقة العربية. ولذلك فقد سارعت السلطة النقدية في لبنان لإضافة خدمات الصيرفة الإسلامية ضمن نظام الصيرفة اللبناني ابتداء من عام 2004، انطلاقا من قناعتهم أن بيروت لا يمكن أن تعود لتكون واحدة من المراكز المالية المؤثرة في المنطقة، إلا إذا توافرت فيها كل الخدمات والأدوات والهندسيات المصرفية والمالية الحديثة بما فيها الصيرفة الإسلامية. فهذا القطاع هو الأكثر شهرة والأوسع انتشارا والأسرع نموا في ميادين الإيداع والتمويل والاستثمار في جميع الدول العربية والإسلامية، لأنه الأكثر التصاقا بحياة الناس والأكثر تلبية لرغباتهم.
وقد بدا هذا واضحا من خلال تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على أن المصرف المركزي دعم إطلاق شهادة ميلاد الصيرفة الإسلامية في لبنان من خلال اعتماد مقاربة لها استندت إلى التوفيق بين احترام خصائص الصيرفة الإسلامية والالتزام بالمعايير المعتمدة عالميا في ضبط العمل المصرفي. ولهذا أنشأ مصرف لبنان لجنة لمتابعة تطبيق القانون الذي أقر مبادئ عمل المصارف الإسلامية في لبنان وأناط بمصرف لبنان صلاحية إصدار التعاميم التطبيقية. وقد حظيت الأنظمة والإجراءات والقوانين التي اعتمدت لتنظيم عمل المصارف الإسلامية في لبنان بتقدير واهتمام البنك الدولي، وعدة مصارف مركزية أوروبية، وهو الأمر الذي سيؤسس لدعم وانتشار أكبر للخدمات المصرفية الإسلامية في لبنان. لكن مفتاح نمو الاقتصاد اللبناني وقطاعه المصرفي يكمن في استقراره السياسي أولا وقبل أي شيء آخر. وللحديث صلة.