نمو صناعة التكرير في آسيا وازدهارها .. العيون تتجه صوب الهند

نمو صناعة التكرير في آسيا وازدهارها .. العيون تتجه صوب الهند

يوجد في العالم نحو 657 مصفاة نفط تختلف في قدرتها التكريرية ما بين 100 و900 برميل يوميا، وتختلف أيضا في مدى تعقيدها، فبعضها لا يتعدى بعض أبراج التقطير الجوية كما هي الحالة في بعض الدول الإفريقية، وبعضها يمتلك أعلى وآخر ما توصلت إليه التقنية كما هي الحالة في المصافي الأمريكية واليابانية. تراوح قدرة مصافي العالم ما بين 86 و87 مليون برميل يومياً، وتوقعت وكالة الطاقة العالمية أن يصعد الطلب العالمي على المشتقات هذا العام ليصل إلى حدود 88 مليون برميل يومياً. وينحصر أكثر من نصف الطلب العالمي في المشتقات النفطية في الفترة بين 2007م و2020م فيما يعرف بالمشتقات المتوسطة (وتشمل الديزل، الكيروسين، وقود الطائرات، وزيت التدفئة)، ويتوقع أن تشكل هذه الفئة نصف النمو العالمي على المشتقات النفطية.
ينمو الطلب العالمي على المشتقات النفطية بنحو 1.5 في المائة، وهذا يساوى نحو مليون ونصف مليون برميل يومياً إلى 2015م، أي أن العالم يحتاج سنوياً إلى بناء ثلاث مصاف متوسطة الحجم (طاقة 500 ألف برميل يومياً) أو خمس مصاف بطاقة 300 ألف برميل يومياً وحتى عام 2015م.
معظم النمو على الطلب سيكون في آسيا، حيث دول آسيا، المحيط الهادي بزعامة الصين والهند، ودول الشرق الأوسط، وستنمو صناعة التكرير في كل من الصين والهند بنحو 3.5 إلى 4.5 في المائة سنوياً، وستزداد طاقة العالم التكريرية عام 2008م بنحو 1.5 مليون برميل، ويقدر نصيب الصين من هذه الزيادة بنحو النصف، أي أن الصين وحدها امتلكت نصف النمو في قدرة العالم التكريرية، وقدرت الزيادة في القدرة التكريرية الصينية بنحو 710 آلاف برميل يوميا.
في المقابل من المتوقع أن ترتفع قدرة الشرق الأوسط التكريرية بنحو 250 ألف برميل موزعة ما بين السعودية (توسعة مصفاة رابغ) وقطر وإيران، وأن ترتفع قدرة الهند التكريرية بنحو 150 ألف برميل، وأما الولايات المتحدة فستوسع قدرتها التكريرية بنحو 116 ألف برميل فقط جراء توسعة إحدى مصافي شركة فاليرو. وأما باقي الزيادة في القدرة التكريرية العالمية فستكون من نصيب كوبا والبرازيل.
تقع مراكز صناعة تكرير النفط في العالم في كل من خليج المكسيك في الولايات المتحدة وفي روتردام في هولندا ومن ثم قدوم سنغافورة، حيث وجود الجزيرة الشهيرة في الصناعات التكريرية والكيماوية. سنغافورة جزيرة صغيرة يوجد فيها ثلاث مصاف، هي "إكسون موبيل" و"شل" وشركة البترول السنغافورية. تقوم هذه المصافي الثلاث بتكرير نحو 1.3 مليون برميل يومياً (تستهلك سنغافورة نصف الكمية وتقوم بتصدير النصف الآخر) لتنتج 40 نوعا من المشتقات النفطية، ونتجت عن سياساتها الترشيدية في استهلاك النفط عدم نمو الطلب الداخلي على هذه المشتقات في سنغافورة، وما صاحب ذلك من عدم المساس بكميات التصدير فساهم وجود كميات كبيرة من المشتقات النفطية للبيع مع سياسات سنغافورة التجارية وتجهيزاتها من بنية تحتية للموانئ وغيرها في أن تصبح سنغافورة أهم بورصة لبيع المشتقات النفطية في آسيا.
وتعد صادرات المشتقات والمواد النفطية ثاني أكبر رافد في سنغافورة بعد الأجهزة الكهربائية، وقد وصلت قيمتها عام 2005م إلى نحو 35 مليار دولار أمريكي مكونة ما نسبته 15 في المائة من إجمالي صادرات سنغافورة. وأقامت كل من "إكسون موبيل"، "شل" "باسف"، "شيفرون تكساكو"، "ميتسوى" الكيماوية، و"سوميتومو" مصانع كيماوية وبتروكيماوية على الجزيرة الكيماوية الشهيرة في سنغافورة، ما أدى إلى تحويل سنغافورة من جزيرة لا قيمة لها تطل على مضيق ملقا إلى أحد أشهر وأهم بلد آسيوي في الصناعات التكريرية والبتروكيماويات، واستطاعت بتبنيها سياسات استثمارية واعية إلى استقطاب أمهات الشركات العالمية.
أما مستقبل آسيا في صناعة التكرير فيتركز في كل من الصين، كوريا الجنوبية، الهند، وتايلاند، وهناك فيتنام، إذ من المتوقع أن تنشئ مصافي على أراضيها، كل هذا بدأ يهدد صناعة التكرير في سنغافورة ويشعر المسؤولون بالقلق من المستقبل مع التغير الكبير في دول آسيا المحيط الهادي، إذ تحلم كل دولة باللحاق بسنغافورة واحتلال مكانتها، ولا سيما مع ارتفاع تكلفة اليد العاملة فيها وشح الأراضي الصناعية، لكن تبقى قوانين سنغافورة المشجعة على الاستثمار والصارمة فيما يخص الفساد الإداري (أقل دولة من حيث الفساد الإداري والمالي في آسيا) من أهم العوامل الدافعة للشركات العالمية الكبرى إلى الاستثمار في سنغافورة.
ينظر البعض إلى الهند على أنها ستكون أحد أهم مراكز صناعة التكرير في العالم، وكثير من عيون صناع التكرير تتجه إليها، ولا سيما أن الهند هي خامس أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وتستهلك وحدها نحو 3.2 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط. يوجد في الهند الآن 18 مصفاة تبلغ قدرتها التكريرية نحو 2.5 مليون برميل يومياً. استهلكت الهند عام 2007م نحو 2.1 مليون برميل من المشتقات النفطية، بينما تم تكرير نحو 2.8 مليون برميل من المشتقات وتم تصدير الفارق إلى باقي أنحاء العالم. الجدير بالذكر أن الهند تحولت من مستورد للمشتقات النفطية إلى مصدر لها عام 2001م، وتقوم الهند بتوسيع قدرتها التكريرية في المستقبل القريب لتصل إلى أربعة ملايين برميل يومياً مع ثبات الطلب الهندي الداخلي على المشتقات، ما يعنى أن معظم الطاقات التكريرية المضافة هي للتصدير، ولذلك تقوم ببناء المصافي الجديدة على سواحل المحيط الهندي لتسهل عملية التصدير.
تسعى دول الخليج العربي لتكون القلعة الرئيسة لصناعة التكرير في العالم مدفوعة بوجود أكبر مخزون للنفط تحت أراضيها، وبسبب معاناة هذه الصناعة في أوروبا وأمريكا، إضافة إلى موقع جغرافي مميز بين الشرق والغرب. الدول الغربية حسمت أمرها بشأن صناعة التكرير وتركتها لدول آسيا المحيط الهادي والهند ودول الشرق الأوسط، وأي شراكة استراتيجية مع الشركات النفطية الهندية (ريلاينس مثلاً) هي شراكة ناجحة، فمثلاً قرب الهند من دول الخليج ووجود اليد العاملة الرخيصة والقرب من أسواق آسيا، إضافة إلى عدم وجود عداء أو كره تجاه هذه الصناعة في الهند، كلها عوامل تدعو الدول الخليجية إلى التفكير الجدي ودراسة جدوى مشاركتها في تشييد المصافي في الهند، بشرط استخدام نفطها المتوسط الجودة كلقيم لهذه المصافي لضمان سوق لهذه الأنواع من النفوط.

[email protected]

الأكثر قراءة